المعارضة السورية ..مراحل الفشل

لم يخضع برهان غليون على ما يبدو لدورة عسكرية، ليعرف بأن الدبابة لا يمكن أن تقف أو تخبّأ في مدخل البناية على ما قال. ولم تسعفه أكاديميته وثقافته العالية حتى في تقدير حجم الدبابات وما تحتاجه من مساحات لاستيعابها، لكن ما قاله غليون لم يكن سوى ضرب من الإملاءات أو المعلومات المغلوطة، التي عادة ما يروّجها المبالغون أو أصحاب الغايات السيئة.
تصريح رئيس “المجلس الوطني السوري” كما يسمي نفسه حول تخبئة الدبابات السورية في مداخل البنايات بعيداً من أعين بعثة المراقبين العرب، إنما يندرج في إطار استمرار حملات التضليل التي تشنها أكثر من هيئة في “المعارضة” السورية تحت أسماء متعددة تحمل شعارات حقوق الإنسان وغيرها من دعاوى الديمقراطية التي تُمتطى تحقيقا لغايات سياسية، ليس أقلها خدمة المشروع «الإسرائيلي» في المنطقة الذي تقف سورية مع حلفائها في قوى المقاومة والممانعة حجر عثرة، في طريق وصوله الى غاياته التفتيتية. لقد برهنت الأحداث الأخيرة على الجدية والإصرارعلى محاولات تنفيذه، لا سيما من خلال التفجيرات التي تعرضت لها المراكز الأمنية في دمشق والتي أودت بحياة العشرات من المدنيين فضلا عن مئات الجرحى منهم.
ما ساقه غليون يتناقض تماما مع تصريحات أدلى بها رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق محمد الدابي الذي اعتبر أن الوضع في حمص “بؤرة التوتر الرئيسية” جيد، وهو ما أزعج فرقاء “المعارضة” كما أزعج الدول الراعية لها والتي كانت تنتظر أن “يشطح” الدابي في تصريحاته بعيداً من الحقائق، وهو ما لم يستطعه رئيس فريق المراقبين العرب السوداني والذي تفاجأ بوجود حشد من وسائل الإعلام برفقته ما حال دون امكانية التحريف فأجبر وفريقه على قول الحقيقة كما هي.

فشل جديد صبغ مسيرة “المعارضة” السورية المسلحة منها، والمدنية المرتبطة بالأجهزة والدول الخارجية، حيث أن حسابات حقل اللجنة العربية وما خططته مع تلك “المعارضة” للتدخل في الشأن السوري والضغط على الحكومة لنيل الاعتراف بها على الأقل، لم تتطابق مع ما تتوخاه مما أفرزته تلك الجامعة من بعثة المراقبين، فهذه الأخيرة ستكون سيفاً ذا حدين، إذا ما أجادت الحكومة السورية التعاطي معها عبر استخدامها للشفافية التي طبعت المرحلة الأولى من عملها معها، إذ ان السلطات في دمشق وغيرها من المدن والمناطق على امتداد سورية لن تكون مضطرة الى ابراز وحشية الجماعات المسلحة، فهذه الأخيرة استقبلت المراقبين العرب يوم الجمعة الفائت بانفجارين، حاولت بعض الجهات ومنها غليون وشركاؤه تصويرهما على أنهما مسرحية نفذها “النظام”، بينما كشفت التحقيقات أنها تندرج ضمن مخطط ارهابي كبير قد لا يقتصر على سورية بعد الاندحار الأميركي من العراق الذي يعتبر المفصل الأساس في عملية زرع الفتن وبثها وتنقلها وإغراق المنطقة تاليا في الفوضى.
اللجوء الى التفجيرات والعمليات الانتحارية أسلوب صاحبه معروف، وهو ليس ببعيد عن تخطيط أجهزة الاستخبارات الأميركية التي باتت إدارتها السياسية مؤمنة بأن استبدال أنظمة الحكم في العالم العربي لمصلحة “الإسلام السياسي” والجماعات الأصولية ممن كانوا أعداءها، إنما يندرج في إطار الديمقراطية التي تروّجها، معتبرة أن في ذلك استجابة لإرادة الشعوب في الدول التي شهدت تغييرات، لكنها لم تعرف حتى اللحظة ما هو مصير سورية على هذا الصعيد، فيما لو تمكنت عبر جماعاتها المسلحة و”الأكاديمية” من إحداث الإنقلاب الكبير الذي يعدّ مدخلاً للانقلاب العام في المنطقة.

دخول الأوضاع في سورية مرحلة التفجيرات يؤكد فشل المحاولات الرامية الى تغيير وجه البلاد من خلال المرحلتين الأولى والثانية، على ما عبّر رئيس تكتل التغيير والاصلاح في لبنان النائب الجنرال ميشال عون بقوله، إنه كان بالإمكان في المرحلة الأولى اسقاط النظام عبر الاحتجاجات المدنية لكنها فشلت، وانه كان بالإمكان ايضا إسقاط النظام عبر العمل الثوري المسلح لكن ذلك فشل ايضا، ما دفع بهؤلاء الى اليأس واللجوء الى الإرهاب، الذي لن يستطيع عمل ما لم تستطعه المرحلتان الأولى والثانية، وهو الأمر الذي يمكّن الحكومة السورية أن تواجهه، عدا عن أنه لن يجد من يقف معه بالرغم من وقاحة من لا يريد أن يرى انه بدأ يراهن علنا على الإرهاب الذي طالما رفعوا شعارات محاربته لتغيير المعادلات.
الأمل في أن تتحول بعثة المراقبين العرب الى شاهد على فظاعة ما ترتكبه الجماعات المسلحة في سورية من عنف طائفي ومذهبي، سيفترس حكما من يربّيه ويحرق من ينفخ في بوقه، كما فعلت “القاعدة” مع ربيبتها الولايات المتحدة الأميركية في العقدين الأخيرين.

السابق
2012 نهاية مشروعَي الممانعة وإسرائيل!
التالي
ألف فتوى وفتوى يوميا… مسلمون في مهبّ فوضى الفتاوي