هجمة كرزاي السرية على حقوق الإنسان

اللحظات الفاصلة في أفغانستان تحدث خلسة؛ ففي نهاية الأسبوع الماضي، الذي واكب ذكرى الغزو السوفياتي لأفغانستان قبل 32 عاما، تخلص الرئيس الأفغاني حميد كرزاي من منتقده الأكثر جرأة، المسؤول البارز في واحدة من المؤسسات الحكومية القليلة في أفغانستان التي تؤدي مهامها بشكل جيد – اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان. هذه الخطوة، التي أعلن عنها يوم الخميس، كان الهدف منها، على ما يبدو، إسكات المنتقدين وطمس الحقيقة حول الجرائم التي ارتكبت في السابق.

لماذا الآن؟ توقع أحمد نادر نادري إقالته من عمله، وقد شكل هو وزميله أحمد فهيم حكيم، الذي أقيل أيضا، شوكة في خاصرة كرزاي لسنوات كثيرة. فقد تحرك الاثنان دون كلل لرصد انتهاكات حقوق الإنسان وتزوير الانتخابات، لكن هذه الخطوة المفاجئة، التي تمت في الوقت الذي تكون فيه غالبية الدول الغربية في عطلة، تحمل نوايا أكثر سوءا. وعلى مدى السنوات الكثيرة الماضية ترأس نادري مشروعا لتوثيق جرائم الحرب التي تعود إلى الحرب السوفياتية، وكان المشروع على وشك الاكتمال؛ حيث تقرر إصدار التقرير الذي طال انتظاره في وقت لاحق. ويبدو أن خطوة كرزاي جاءت بهدف إجهاض التقرير قبل أن يرى النور.

الحديث بشأن الماضي أمر غير مطروح لدى الحكومة الأفغانية أو حليفها الأميركي؛ فحكومة كرزاي تضم نائب الرئيس، المارشال محمد قاسم فهيم، وكريم خليلي. وكلا الرجلين متهم بارتكاب جرائم حرب في تقارير حقوق الإنسان الدولية. وقد أبدى مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية قلقا بشأن التقارير المقبلة، وأن نشر التقارير التي تتحدث عن فظائع طالبان في أواخر التسعينات قد تهدد المفاوضات الهشة الرامية إلى العودة إلى محادثات السلام. وقد قال لي أحد المسؤولين الأميركيين مؤخرا: «الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب»؛ فالأميركيون يخشون من اهتزاز القارب في الوقت الذي يحاولون فيه التوصل إلى اتفاق، ومن ثم الرحيل.

 المحزن أن أرجحة القارب لم تكن الشعار الأميركي طوال العقد الماضي، ولم تزد الحالة الأمنية إلا سوءا. ومنذ البداية عكست الحملة العسكرية في أفغانستان الهدف الأميركي الضيق بهزيمة طالبان و«القاعدة» وإنشاء حكومة قادرة على الحفاظ على الاستقرار في أعقاب الانسحاب الأميركي. وقد اختارت واشنطن حلفاءها من بين القوات المعادية لطالبان التي تتألف غالبيتها من أمراء الحرب في التحالف الشمالي والميليشيات التابعة لهم. وقد دأب الكونغرس على رفض المخاوف من أن هؤلاء القادة وغالبيتهم لديهم سجلات طويلة من جرائم الحرب، قد يشكلون عاملا لتهديد الأمن. وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على ذلك لا يزال الاستقرار في أفغانستان هدفا بعيد المنال.

لكن الماضي لا يتوقف عند الماضي فقط في أفغانستان؛ ففي أكتوبر (تشرين الأول) نشرت الأمم المتحدة تقريرا عن التعذيب المتفشي في مرافق الاحتجاز الحكومية الأفغانية، وقد قال لي مسؤول غربي قام بالتحقيق في الاتهامات بالتعذيب في ظل النظام الشيوعي: يمكنك فقط «استبدال عام 1979 بعام 2011 وستدركين الأمر، بالكاد تغيرت الأمور، وليس من المستغرب أن يطلق على المديرية الوطنية للأمن اليوم الاختصار نفسه والاسم نفسه اللذان أطلقا عليها إبان الحقبة السوفياتية (خاد)؛ فممارسة التعذيب لا تزال على ما كانت عليه على الرغم من أنه ليس متفشيا حتى الوقت الراهن كما كان من قبل».

تكرار التاريخ نفسه ليس بالأمر المستغرب بالنسبة لأفغانستان، وعندما كنت في كابل في أواخر التسعينات قال الناس لي مرارا وتكرارا إن الشيء الوحيد الذي يخشونه أكثر من طالبان احتمالية عودة أمراء الحرب في التحالف الشمالي إلى السلطة.
ويبدو أن وعد الولايات المتحدة ببناء أفغانستان ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان بات نسيا منسيا، ولكن لا يزال من الممكن إنقاذ قدر من الحماية لحقوق الإنسان. وللشروع في ذلك، يجب على إدارة أوباما وحلفائها الأوروبيين إثارة مخاوف على الفور بشأن إقالة حكومة كرزاي مفوضي حقوق الإنسان المعينين، والإعراب عن تأييدها القوي لعمل نادر وزملائه.
يجب على واشنطن أن تحث على استبدال أشخاص ذوي سجل قوي في مجال حقوق الإنسان بهم، ويتعين على الولايات المتحدة أيضا تشجيع ودعم توثيق حقوق الإنسان التي تسعى إلى تسليط الضوء على الحقيقة بشأن الماضي، بما في ذلك تقرير اللجنة الذي لم ينشر، ولأعيد صياغة ما قاله مارتن لوثر كينغ من أن المأساة الكبيرة في هذه الفترة في أفغانستان هي ذلك الصمت المروع لأولئك الذين لا يتحدثون عن الحقيقة. 

السابق
سرقة رمول البحر من أملاك الدولة في صور
التالي
النظام السوري واستقبال الجديد