من المسؤول عن انفجارات دمشق بعد نفي القاعدة للاتهام ؟!

من الصعب فصل كتائب عبد الله عزام عن تنظيم القاعدة، اذ تؤكد الكتائب في بياناتها انتماءها الى مشروع تكتيكي اعمق من مجرد القتل المجاني الذي يراه البعض في تنظيم القاعدة. كتائب عبد الله عزام الابنة الشرعية للقاعدة، ووكيلة اعمالها في بلاد الشام وليس لبنان

أصدرت كتائب عبد الله عزام، أمس، بيانها حول تفجيرات دمشق. في بيانها الثامن، خرجت الكتائب عن انغماسها في الشأن اللبناني، وهي، على رغم انها تطرقت الى سوريا في بياناتها السابقة، الا انها في بيانها الأخير اصبحت تقف على قدم المساواة في العمل بين لبنان وسوريا. لم تخرج الكتائب عن سيرتها في اصدار البيانات تحت مسمى «ولتستبين سبيل المجرمين» التي كان يفترض ان تكون سلسلة لـ«فضح حزب الله ودوره في منع المجاهدين من القاعدة من تنفيذ هجمات على الاحتلال الاسرائيلي»، ثم تحولت الى قراءة في الوضع السياسي اللبناني، وبعدها اتجهت نحو الوضع اللبناني بتأثيراته السورية، قبل ان يصدر بيان امس ليغمس الكتائب اكثر واكثر في الملفين اللبناني والسوري معاً.
البيان الذي انتشر على المواقع الجهادية القريبة او المؤيدة لتنظيم القاعدة والسلفية الجهادية حمل توقيع مركز الفجر للإعلام، الذي يصدر بيانات وانتاجات الجهات الجهادية ضمن تنظيم القاعدة، وهو من اصدر كل بيانات كتائب عبد الله عزام، سواء تلك التي كانت ممهورة بـ«سرايا زياد الجراح» (الفرع اللبناني للكتائب) أو غيرها.
ويمكن الخروج من البيان الجديد بجملة استنتاجات، فهو اولاً بيان رسمي عن الكتائب، على عكس ما صدر منذ فترة من تبنّ كاذب لعملية اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه الاراضي المحتلة، وبالتالي من الصعب التشكيك في صدقية مصدره هذه المرة.
ثانياً، يلعب دور الرد على الاعلام السوري، وعلى تصريحات تشير الى دور تنظيم القاعدة في تفجيرات دمشق الاسبوع الماضي، ويقدم قراءة سياسية ليخلص الى اتهام النظام السوري وحزب الله، وهو يشير الى «المجاهدين في سوريا» ويتخذ صفة «الناطق الاعلامي» باسمهم، ان لم يكن اكثر. ومعلوم أن المجموعات الجهادية الموجودة في سوريا، او تلك التي انتقلت اليها أخيراً، تعمل تحت مسميات عدة، لكن اهمها، والمجموعة القادرة على تأمين «مضافات» وامداد للمجاهدين الوافدين، هي بلا شك «جند الشام » التي تعمل منذ ما قبل العام 2000 في سوريا، من دون ان يعرف الكثير عنها اعلامياً.
ويتطرق البيان الى وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان، ليقدم تحليلاً سياسياً يتهم فيه سوريا وحزب الله (مضافاً اليهما الحزب القومي في صيدا) بتهديد امن واستقرار المخيم، ومحاولة تفجيره، واستخدام «مسلسل الاغتيالات والتفجيرات (ضد قوات الطوارئ الدولية) واطلاق الصواريخ» ضد المناطق الفلسطينية المحتلة، لتوجيه اصبع الاتهام الى المخيم وتوريطه بما لا طاقة له على احتماله.
التحليل والاتهام المقدمان يتقاطعان سياسياً مع مقولات يطلقها سياسيون لبنانيون وفلسطينيون، وهي ليست المرة الاولى التي يتقاطع فيها بيان لكتائب عبد الله عزام مع تصريحات قوى 14 آذار، ولا المرة الاولى التي يقدم فيها براهين على كلامهم السياسي.
تبتعد الكتائب هذه المرة عن توجيه اي ملامة الى الشخصيات الاكثر فاعلية في محاربتها (اعلامياً)، فلا يحضر في البيان وزير الدفاع فايز غصن، ولا وزير الداخلية مروان شربل، مما يشير الى هامشية دورهما ومعلوماتهما (ان وجدت)، بينما يركز البيان لبنانياً على دور حزب الله اولا، وقائد الجيش تالياً، والحزب السوري القومي الاجتماعي.

في البيان اشارة لافتة الى امكانية فبركة النظام السوري لاعترافات معتقلين من المجاهدين، الموجودين في السجون، وفي هذه الاشارة، التي تؤكد فيها الكتائب عدم تورط اي من المجاهدين او تنظيم القاعدة، بالتفجيرات في دمشق، ترد عبارة «تجبر أحد
الأسرى على تسجيل اعتراف بعملية لا يدري عنها شيئاً تحت وطأة التعذيب،كما فعلوا مع أحمد أبو عدس». واللافت هو تبني الكتائب لأحمد ابو عدس، كأحد المجاهدين الواقعين في الاسر والذين اجبروا على الادلاء باعتراف لعملية لا يعلم عنها شيئاً.
ايضاً، مرة اخرى، يتطابق موقف الكتائب مع قوى 14 آذار في لبنان حين يشيد بمواقف بعض القيادات من الطوائف المسيحية والدروز، خصوصاً تجاه «الثورة» في سوريا، وأهل السنة.
يمكن بسهولة قراءة بيان كتائب عبد الله عزام بصفته اخلاء مسؤولية من ناحية عما حصل في سوريا، من اعمال تفجير في دمشق، ومن ناحية اخرى اشارة الى عدم استعداد تنظيم القاعدة لإعلان مسؤوليته عن اعمال عنف في سوريا على غرار ما كان يجري في العراق، فأعمال العنف والتفجيرات والاغتيالات (في سوريا او لبنان) ستقوّي حجة النظام بوجه اعدائه، وهو ما لن يقدم هدية مجانية الى النظام وأجهزته. وبالتالي فإن كل ما يرد في هذا السياق مرفوض، لا بل مردود على اصحابه ولو كان بالحجة والبرهان، فالأعمال العنيفة في دمشق لن تنتمي الى القاعدة حتى لو تم تقديم اعترافات بهذا الشأن.
ومما جاء في البيان: «مع ثبات أبطال الأمة في سورية، وفشل نظام الطاغوت في إخضاع الثائرين عليه بالقوة والقتل والمبالغة في الإجرام؛ لجأ النظام إلى تصعيد مؤامراته على الثورة بمكر سوء جديد دبَّرته أجهزة مخابراته، يظهر تصعيده هذا من تحركات أدواته في سورية ولبنان، وما كان منهم آخِراً من أعمال نسبوها كاذبين إلى المجاهدين، معلنين – عملياً – أنهم لن يدَّخروا حيلة يرون فيها منجاة من الهلكة النازلة بهم، وخلاصاً من الثورة التي عرفوا أنها لن تهدأ إلا أن يكون للناس خلاص من طغيان هذا النظام. فلنا وقفة مع هذه الحوادث الأخيرة».
وتحت عنوان «تفجيرات دمشق» قال البيان: شهدت دمشق يوم الجمعة (28/1/1433هـ الموافق 23/12/2011 م) تفجيرات استهدفت مقرين تابعين لأمن بشار الأسد، وزعم إعلام النظام من فوره أن العلامات الأولية تشير إلى المجاهدين الذين وصفهم بالجماعات الإرهابية، وأظهر صوراً ولقطات يتسول بها تعاطف الغرب ووفد الجامعة العربية والشعب السوري، وأخذ يبالغ في وصف الحدث وأنه مؤامرة، وأسهب في الكذب الواضح والاتهامات الباطلة.

ونحن في كتائب عبد الله عزام نحب أن نوضح لشعبنا الصابر المجاهد الصامد في سورية هذه الحقائق: الأولى أن المجاهدين بكل جماعاتهم لا صلة لهم بهذه التفجيرات الآثمة – إثمَ غرضها – واتهامهم بها كذب وباطل، والمسؤول الحقيقي عنها هو المستفيد منها، وهو نظام الأسد ومخابراته؛ ولذا فيجب أن تسجل هذه العملية الفاشلة عليه، ليحاسب هو عليها ومن نفذها – من رجاله – لصالحه. ولن يغير من هذه الحقيقة أن يخرج علينا غداً في وسائل الإعلام الرسمية أو في مواقع مشبوهة على الإنترنت تسجيل لأحد المجاهدين يتبنى فيه هذه العملية؛ فمجاهدو الأمة في سجون هذا الطاغوت بالآلاف ولن تعجز مخابراته أن تفعل كفعلها من قبل، وتجبر أحد الأسرى على تسجيل اعتراف بعملية لا يدري عنها شيئاً تحت وطأة التعذيب،كما فعلوا مع أحمد أبو عدس. والمجاهدون لهم وسائلهم الإعلامية الرسمية وهم لا يصدرون أي بيان إلا منها. والثانية أن المجاهدين لا يخفون أعمالهم ولا يستحيون منها، لأنهم لا يقدمون عليها إلا عن قناعة كاملة مبنية على نظر شرعي واف ورؤية استراتيجية واضحة؛ فعدم إعلانهم عن عمل، هو في النفي كإعلانهم عن عدم مسؤوليتهم عنه سواء. والثالثة، أن نظام بشار وذراعه في لبنان (حزب الله الشيعي) ليس لحيَلهم عرف تلتزمه من دين أو مبادئ أو أخلاق؛ فلن يبالوا بمصالح البلاد، ولن يتورعوا عن قتل الأبرياء أو ارتكاب أي جرائم تنجيهم مما يؤول إليه أمرهم من الزوال ومن سقوط هذا النظام، الذي أصبح الآن يتهاوى بفضل الله ثم بثبات أبطال الثورة في سورية، وبما قدموه من تضحيات عظام».
وختم البيان بالاشارة الى «أن تآمر بعض رموز النصارى – كقائد الجيش وغيره – مع نظام الأسد باعثه اعتبارات ومصالح شخصية، وهو كائن على حساب مصالح النصارى في لبنان وأمنهم. والتغيرات الحادثة في المنطقة كبيرة، ولا يحسن بالعقلاء – من أي طائفة – التعويل على قوى زائلة، ونحن إذ نثني على مواقف منصفة وشجاعة من كثير من زعامات وقيادات النصارى والدروز في لبنان، لإبائهم نصرة الظالم ولو بكلمة، فإننا نلفت انتباههم إلى المواقف المخزية من بعض من يقدِّم مصالحه الشخصية على مصالح طائفته ولو جرها إلى ما تنأى بنفسها عنه».

المخيمات في دائرة النار

يفرد البيان الصادر عن كتائب عبد الله عزام فقرة لما يحصل في مخيم عين الحلوة، وربما هي اهم مما جاء في كل البيان نظراً لوضع المخيم المتوتر حالياً، حيث يقول: «في ملهاة هزلية هزيلة أخرجتها المخابرات السورية وجسَّدها ضباط مخابرات الجيش التابعون لحزب (الله)، وحزبٌ قومي يدَّعي الممانعة في صيدا، وبعضُ أدواتهم في مخيمات الجنوب؛ قام هؤلاء على مؤامرة تريد إشعال الأوضاع في مخيمات الفلسطينيين المهجرين، ولتحقق المخابرات السورية والحزب أهدافَها الخبيثة، بتنفُّس النظام في سورية على حساب أطراف هذا الصراع في المخيمات، وليصرف به الأنظار عن جرائمه في سورية. ونحن هنا نحذِّر هذه الأطراف من الوقوع في فخ النظام السوري والحزب؛ فيستغلهم ويحقق أهدافه السياسية بدماء أبنائهم، وعلى حساب أمن أهلنا في المخيمات، وندعو جميع الأطراف – من مختلف الانتماءات – إلى أن يكون عندهم وعي بما يراد بهم وما يحاك لهم، وليعلموا أن النظام في سورية وذراعه في لبنان لا يَعدمون الأدوات التي يحركونها لتحقيق أهدافهم، وقد بدأوا مسلسل الاغتيالات والتفجيرات والصواريخ؛ يريدون منه خلط الأوراق وإطالة عمر نظام طاغوت الشام».  

السابق
هدايا حكومة المساخر !
التالي
نحو الكونفيديرالية