حملة الحريري: ولاء بربطة عنق

بين الفينة والفينة، يطالعنا الرئيس سعد الحريري “مجهول الإقامة” بمواقف عبر “التويتر” عن سورية، ورؤيته لمعالجة الأزمة القائمة، وآخر ابتداعاته المطالبة بفرض حظر جوي، واعتباره أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد لديه أصدقاء في العالم، إلا “القتلة”.
من يقرأ هذه المواقف للحريري، يسارع إلى طرح جملة من الأسئلة، يأتي في مقدمها السؤال الكبير، ألم يتعلم الحريري من التجربة؟ وهل أزيلت أسباب الزّحف باتجاه سورية لنيل رضاها، في وقت من الأوقات؟ وهل عاد إلى موقعه الحقيقي إلى جانب المتآمرين على المقاومة، وقوى الممانعة؟ وهل باتت السياسة اللبنانية لدى الحريري، هي سياسة “توتير” أو سياسة التحكم عن بعد؟

إن سعد الحريري يكرّر الأخطاء القاتلة ذاتها التي ارتكبها طيلة السنوات الماضية، وهو عبر طلاته “التويترية” يحاول القول إنني هنا، فإذا كان حضوره شخصياً في الساحة السياسية، لم يأت بأي شيء، فكيف الحال إذا كانت مواقفه تُعلن من خلف البحار؟
إن التجارب دلّت على أن الحريري لم ينتج شيئاً لنفسه، ولم يتعلم قيد أنملة من السياسة، لا في قيادته لطائفته الكريمة، ولا عند توليه رئاسة الحكومة، لا بل على العكس، إنه امتهن استعمال سياسة التدمير الذاتي، إذ ما الجدوى لديه في ما لو لا سمح الله حصل شيء لسورية، فهل يظن أنه سيعود إلى الواجهة السياسية ويتربّع على عرش السراي الكبير من جديد؟ وهل سيستطيع جمهوره السنّي العروبي الذي يسأله من يخدم بمواقفه العبثية، العروبة أم العدو “الإسرائيلي”، وبصريح العبارة، من يصفق للحريري الآن، الجمهور السنّي أم الجمهور “الإسرائيلي” الذي يرى في مثل هكذا مواقف، خدمة كبيرة لدولته العبرية، التي باتت على قاب قوسين أو أدنى من إعلان القدس عاصمة لها.  إن سعد الحريري بمواقفه من سورية وحيال المقاومة، يثبت أنه “قاعدة” بربطة عنق، من دون أن يدري بأنه سيكون أمام اعتذار آخر من دمشق وحزب الله، من دون ضمان ما إذا كان الرئيس الأسد الذي استقبله استقبال الرؤساء وقاد به السيارة لتناول الإفطار الرمضاني، سيقبل اعتذاره أم لا، ويرجّح الأخيرة.
إن المتابعين لمجريات ووقائع المواقف “الإلكترونية” لسعد الحريري، يرون أن مطالبته بالحظر الجوّي على سورية، يذكرهم أنه عندما كانت “إسرائيل” تدمر الضاحية الجنوبية خلال عدوانها عام 2006، تقدم الحريري باقتراح استثنائي يرمي إلى المطالبة بإقامة ممر بحري بدلاً من التوجّه إلى العالم لردع “إسرائيل” بسبب عدوانها، واحتضان المقاومة، واتخاذ المواقف التي تدين العمل الإجرامي، فبدلاً من ذلك، اتجه إلى المشاركة في عملية التآمر على المقاومة، من دون أن يرف له جفن من المشاهد التي كانت توثق الإجرام “الإسرائيلي” بحق الأبرياء في الجنوب والضاحية، وصولاً إلى البقاع وعكار.
في تقدير هؤلاء، أن الرئيس الحريري يعتقد من خلال المواقف التي يطلقها، أنه في صلب المعادلة السياسية في لبنان والمنطقة، بينما هو أصبح بوزن “الريشة” السياسية، لأنه يخاطب المرآة، ويحاول استعراض عضلاته أمام جمهوره الذي أصلاً كان ولا يزال يعتبره إلهاً من تمر، يريد منه فقط ماله، لا أكثر ولا أقل.

ويعتبر هؤلاء المتابعون لمواقف “المتواري عن الأنظار” تحت حجج واهية، أن الحريري والمقرّبين منه يمتهنون مهنة تربية الأفاعي، كما فعلوا في صيدا بجند الشام، وفي نهر البارد مع فتح الإسلام، ويتغنون بالوطنية، ويحاولون إظهار أنفسهم أنهم رأس حربة في الدفاع عن لبنان الذي حوّلوه إلى شركة مقاولات خاضعة للعرض والطلب، لأن لا همّ لديهم إلا جمع المال وإرضاء الأصدقاء من الملوك والأمراء.
إن سورية بالطبع قيادة وشعباً لا تقف عند مواقف عبثية تطلق من هنا وهناك، وليست في وارد الرد على أي إنسان يسعى لإثبات وجوده، غير أنها بكل تأكيد، ستستخدم سياسة مختلفة عن السياسة السابقة تجاه من يتآمر عليها، فالصفح لن يكون له في المرحلة المقبلة وجود في القاموس السياسي لسورية، خصوصاً مع الذين ينكرون الجميل، ولا يميّزون بين العدو والصديق.
وينصح هؤلاء المتابعون سعد الحريري بإعادة قراءة المشهد السياسي في المنطقة بشكل صحيح، بعيداً عن الكيد والكره، وسيكتشف عندئذ بأنه يبني آماله على وهم وعلى رمال متحركة، لأن أية متغيرات في المنطقة لن يكون له فيها أي دور، وأن الأبواق التي تنفخ الآن في أذنيه ستتخلّى عنه لحظة تشعر أن دوره قد انتهى، وأنه سيجد نفسه متروكاً في مهب الريح، اللهم إلا إذا عادت سورية وغفرت له كالأب الذي يغفر عن أخطاء ابنه الضال.

السابق
تسوية خليجية
التالي
اعتصام لمتعاقدي الثانوي والأساسي