تداعيات متوقعة وأكثرية متسلطة!

لم تُفلح <هدنة الميلاد>، ولا فرحة العيد، في إشاعة أجواء الثقة والاطمئنان في نفوس اللبنانيين، المتوجّسين خوفاً وقلقاً من تردّي الأحوال السياسية في الداخل، وتصاعد موجة العنف والدم في المحيط العربي، مع كل ما تعنيه مثل تلك المؤشرات من ترقب وحذر مما تحمله الأيام المقبلة، من أحداث وتطورات، قد تقلب الأوضاع رأساً على عقب، وتعيد رسم الخريطة السياسية ومعادلاتها الوطنية في أكثر من بلد عربي!·
ولم يعد سراً على أحد أن الهدوء اللبناني الحالي هو من الهشاشة والركاكة ما يسمح بالوصول إلى الانهيار الأمني السريع عند أوّل منعطف جدّي في إدارة اللعبة الداخلية· ويمكن اختصار ملامح المشهد اللبناني الحالي في النقاط التالية:

1 – الهوّة بين الأكثرية المتضعضعة والمعارضة الضائعة تكبر يوماً بعد يوم، ولم تنجح دعوات رئيس الجمهورية المتكررة بإعادة جمع الطرفين على طاولة الحوار من جديد·

2 – حملات الشحن والتعبئة مستمرة بحدّيتها ونبراتها العالية، بين تيّار المستقبل و <حزب الله>، وذلك على خلفية العصبية المذهبية، رغم الجهود المتفرقة التي تنشط بين الحين والآخر لتنفيس أجواء الاحتقان، وسحب فتيل التفجير والفتنة من الشارع·

ويبقى الخوف، كل الخوف، من أن تؤدي عودة العنف المذهبي إلى العراق، إلى صبّ زيت الفتنة على واقع الاحتقان الحالي بين <المستقبل> و <حزب الله>، في ظل غياب الحد الأدنى من التواصل بين الطرفين، تداركاً لانزلاقات لا ترغب القيادتين في الوصول إليها!·

3 – تزايد احتمالات توريط لبنان في الأزمة السورية الملتهبة، خاصة بعد التصريحات الغريبة لوزير الدفاع اللبناني فايز غصن عن وجود عناصر من <القاعدة> في بلدة عرسال البقاعية، تنقل الرجال والعتاد إلى الداخل السوري، وذلك قبل أيام معدودة من وقوع الانفجارين الانتحاريين في ضواحي دمشق، حيث أشار البيان السوري بعدهما إلى تسلّل عناصر من <القاعدة> عبر الحدود من لبنان!·

4 – احتدام الانقسام اللبناني حول الوضع السوري، عبر مواقف تصعيدية تواكب الارتفاع المستمر في وتيرة أعمال القمع والعنف في المدن السورية· ووصلت الأمور إلى حدّ تبادل الاتهامات بين فريقي 8 و14 آذار، وخاصة بين <حزب الله> و <المستقبل>، بإرسال المتطوعين إلى الداخل السوري!·

5 – عدم وضوح الرؤية، واستمرار البلبلة المحيطة بعمل لجان المراقبين العرب، انطلاقاً من قناعة معظم أعضاء اللجنة العربية المعنية بمتابعة الأزمة السورية، بأن النظام في دمشق غير جاد في تعامله مع المبادرة العربية، وأن قبوله استقبال المراقبين العرب، هو مجرّد عملية كسب المزيد من الوقت، على أمل التمكّن من القضاء على حركة الاحتجاجات التي تشهدها معظم المدن السورية، وخاصة في منطقتي حمص وإدلب·

6 – بروز الترجيحات الدولية حول احتمال استمرار حالة الاضطراب والتأزم في سوريا فترة أخرى من الزمن (أشهراً وليس أسابيع)، في ظل أجواء التردّد الغربي من جهة، بحجة عدم جهوزية <الصيغة البديلة> للنظام الحالي، وإزاء استمرار سياسة الابتزاز الروسي لعواصم القرار الغربية، للحصول على <الثمن> المطلوب لرفع الفيتو الروسي عن طاولة مجلس الأمن، والسماح بصدور القرارات الدولية لإدانة وملاحقة النظام السوري·
 واحتمال تمديد <عمر> الأزمة السورية، يعني أولاً استمرار حالة الحذر والترقّب اللبنانية، مع كل ما تسببه من جمود وركود في الحركة الاقتصادية، وفي المشاريع الحيوية والحياتية التي تعني اللبناني في عيشه اليومي!·

أصبح واضحاً أن مواجهة التداعيات اللبنانية للأزمة السورية تتطلب حكومة أكثر تماسكاً، وحكماً أكثر انسجاماً بين مكوناته، ووضعاً سياسياً أقل اهتراءً مما وصلنا إليه في الآونة الأخيرة، حيث بلغ الخطاب السياسي من التدني والإفلاس، ما من شأنه أن يُشكّل خطراً على الدولة والنظام·

لقد تحوّلت الحكومة الحالية إلى مجموعة حكومات، بسبب إصرار قادة المكونات الأساسية فيها، <حزب الله> والتيار العوني، على ممارسة دور رئيس الحكومة، والمضي قدماً في لعبة <الأمر لي>، خلافاً للعرف والدستور، وإمعاناً في فرض <سلطة الأمر الواقع> على البلاد والعباد·

ولعل تخبّط الأكثرية المتضعضعة في ملف تصحيح الأجور، والذي أدّى إلى صدور ثلاثة قرارات حتى الآن، يرسم مشهداً مأساوياً للتناقض الحاصل بين الأصول الدستورية والوقائع اليومية في تصريف الأمور، بحيث أصبحت قرارات مجلس الوزراء تُطبخ في الرابية، على نحو ما بشّر به الوزير جبران باسيل ذات ليلة، وتُفرض على بقية مكونات مجلس الوزراء تحت غطاء <التصويت السياسي> – كذا – على نحو ما حصل بالنسبة لمشروع الوزير شربل نحاس لتصحيح الأجور، ولينهار الوضع الاقتصادي بعد ذلك··· وليذهب أرباب العمل والمؤسسات الاقتصادية إلى الجحيم!!·

أمّا مبادئ الشراكة والعيش المشترك···

وأمّا ثقافة الوفاق والتوافق التي أعادت السلم والأمن والازدهار···

وأمّا سياسة الاعتدال والانفتاح والحوار، التي يتمسك بها الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ومعهما زعيم المختارة وليد جنبلاط···

فكلها أصبحت من مخلّفات الماضي، التي لا تُصلح ولا تنسجم مع شعارات التغيير المُفتقد لأبسط قواعد الإصلاح الحقيقي!!·

ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ليس موجهاً ضد رئيس الحكومة شخصياً وحسب، بل هو تطاول على مقام ودور رئاسة مجلس الوزراء في إدارة السلطة التنفيذية، بقدر ما كان أيضاً خروجاً عن الأصول الدستورية والمبادئ الوفاقية التي أكدت مفاهيمها وثيقة الوفاق الوطني في الطائف·

لقد آن للأكثرية أن تُدرك، وأن تتعلّم، بأن هذا البلد لا يتحمّل عروض الاستفزاز والتحدّي، ولا يُمكن إدارته بأساليب التسلّط والهيمنة والتفرّد وتجاهل الآخر·

والتجارب المؤلمة حافلة بالدروس والعبر··· ولا تحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل في صفحات التاريخ الحديث··· والقديم!· 

السابق
الراي: الطيران السوري يحلّق على تخوم بلدة عرسال اللبنانية
التالي
وفد لم يجتمع !!