من يسعى إلى وضع مخيم عين الحلوة في دائرة التوتير والاشتباكات؟

 ما بين يوم وآخر يفاجأ اللبنانيون والجنوبيون وأبناء المخيمات، بحدث لا على البال ولا على الخاطر، حيث لا يكاد يمر حدث وتهدأ الأمور، ويعض المواطنون على الجراح لاسترداد الأنفاس من أثارها، حتى يداهمهم الواقع بحدث آخر من جهة أخرى، يعيد التأزم إلى النفوس، ويجعلهم يضعون الأيدي على القلوب، حتى بات القلق هاجساً يوميّاً يقض المضاجع تخوفاً وتوجساً، مما قد تحمله الأيام ويهدد الاستقرار والوضع الأمني··
فبعد مواجهات الأحداث التي تواترت في الأسابيع الماضية التي شهد فيها الجنوب أحداثاً متنوعة، بالاعتداء على الوحدة الفرنسية العاملة في قوات <اليونيفل>، حتى أعقبها بعد أيام عملية إطلاق صواريخ بإتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة من الأراضي اللبنانية، ثم فوجئ الجنوبيون بمحاولة فاشلة لإطلاق صاروخ لتلك الأراضي، لكنه خذل مطلقيه وسقط في بلدة حولا في الأراضي اللبنانية، وأدى لأضرار إلى سقوط جريحة وأضراراً مادية – بحكم لطف من الله عزّ وجلّ، ثم اكتشاف صواريخ <كاتيوشا> مطمورة في أرض المجيدية بمنطقة حاصبيا، والتحقيق في ملابسات هذه القضايا··

وسط هذه الدوامة التي أثارت الرعب ليس لدى الجنوبيين فحسب بل لدى اللبنانيين والفلسطينيين بلا استثناء، بعدما قفزت إلى الذاكرة أحداثاً سابقة مماثلة جرت اعتداءات من قِبل العدو الإسرائيلي، حصدت أرواحاً بريئة وخلّفت آلاف الجرحى، بعدما تبع العدو سياسة الأرض المحروقة، فدمر الحجر من قصور وبيوت ومؤسّسات تؤمّن مصالح العيش للمواطنين··

ومنذ اسبوع وما يزيد تشهد المخيمات الفلسطينية، ما يقلق، حيث شهد مخيم البص في صور عدّة قلاقل ملفتة لم تكد تهدأ حتى بدأ مخيم عين الحلوة في صيدا يشهد عدّة أحداث أمنيّة متواترة، لا تكاد المحاولات الهادفة إلى التهدئة تنجح لوقت قصير، وأحياناً لعدة ساعات، حتى تطل المفاجأة بحادث آخر يعيد الأجواء إلى التوتر والتخوف، مما قد تخلفه هذه الأحداث، وما قد تخبئه وتخلي وراءه غايات وأهداف معينة، وذات تأثيرات معينة، أقلّها الويل والثبور وعظائم الأمور مما قد تجرّه من قتل وتدمير··

وفيما كانت تتواتر الأسئلة حول الأهداف الكامنة وراء إطلاق الصواريخ على الأراضي الفلسطينة المحتلة واستهداف القوة الفرنسية العاملة في نطاق قوات الأمم المتحدة <اليونيفل>، وتحاول تحقيقات الجيش اللبناني و<اليونيفل> كشف رموز هذه الأحداث وفك خيوط الترابط فيها، والغايات من ورائها، حتى بدأ سيل من الأسئلة المثيرة لكل الأبعاد السياسية والأمنيّة، يواكب الأحداث الأمنيّة التي تتواتر في مخيم عين الحلوة في منطقة صيدا·

وإذا كانت عمليات إطلاق الصواريخ من جهة، واستهداف القوة الفرنسية العاملة في نطاق <اليونيفل> قد جعلت الجنوبيين واللبنانيين يطرحون التساؤل عما إذا كان الجنوب قد تحوّل إلى صندوق بريد لتبادل الرسائل الأمنية؟ وعما إذا كان إطلاق الصواريخ على شمالي فلسطين المحتلة يعني التحرش بالعدو الإسرائيلي وجره إلى ما لا تحمد عقباه من ويلات الاعتداءات والقتل والتدمير على البشر والحجر، مما يختزن في ذاكرة الجنوبيين، مما عرفوه وشاهدوه وعاشوا ويلاته السابقة من جهة ثانية؟ وعما إذا كان الاعتداء على قوات <اليونيفل> مقصود به استفزاز دول هذه القوات وجرها إلى سحب وحداتها، وفي هذا الأمر بحدّ ذاته الويل والثبور وعظائم الأمور ما بين لبنان و<إسرائيل>، حيث تصبح الحدود مع الدولة العدوة مكشوفةً، وعرضة للاستباحة العدوانية الشرسة التي كانت تواجه بها <إسرائيل> ليس الأرض الجنوبية فحسب، بل كافة الأراضي اللبنانية؟ أم أن المسألة مجرد معين على وحدة معينة من قوات <اليونيفل> ارتداد لمواقف سياسية معينة كما جرى مع الوحدة الفرنسية التي أثارت فرنسا، وأثارت معها المجتمع الدولي الذي هدد بإتخاذ إجراءات معينة إذا ما استمرت هذه الاستهدافات على قوات <اليونيفل> بصورة عامة أو بصور خاصة، تتناول بعض المشاركين في هذه القوات من الدول التي لا مواقف معينة لها، وخاصة فيما يجري على ساحة الشرق الأوسط، وفي المنطقة العربية بالذات؟

في هذه المعمعة بالذات التي تتشابك فيها الاجابات على سيل هذه الأسئلة حول ما جرى في الجنوب، برزت الى الواجهة الأحداث التي جرت في مخيم عين الحلوة، التي تزيد من الطين بلّة في الأهداف الكامنة في هذه المسألة، خاصة وأنها تجري ما بين حركة <فتح> وما بين ما يطلق عليه مجموعة <جند الشام> و<فتح ? الإسلام>، حيث يختزن اللبنانيون والفلسطينيون الكثير الكثير من ذكريات وآثار الحرب الكبيرة، التي جرت في مخيم نهر البارد في شمالي لبنان·

اعتداءات واستفزازات السؤال الكبير الذي يرتسم في الذهن بشكل مباشر، هل أن ما يجري في مخيم عين الحلوة على كتف صيدا مشابه لما جرى في مخيم نهر البارد على كتف طرابلس، حيث تتشابه الأحداث الى حد كبير، إذ لا تكاد الأمور تهدأ نتيجة لتدخل الفصائل الفلسطينية المتواجدة في المخيم، والتي تعمل، بل تحاول جاهدة وئد الفتنة للجم تفاقمها وإزالة أثارها وإرساء التهدئة والاستقرار في أجواء المخيم، ولو لساعات، حتى تعود الاعتداءات والاستفزازات إلى إثارة القلق والتخوف من تفاقم الأحداث وانفلات الوضع إلى ما لا تحمد عقباه، ولا يعرف أحد مدى انعكاساته ليس على الساحة الفلسطينية فحسب، بل على الساحة اللبنانية بصورة عامة، لالتصاق المخيم بعاصمة الجنوب، ولما للتداخل الوثيق الصلة ما بين المخيم والمدينة والامتداد جنوباً·

المراقبون والمحللون يرون أن مجمل هذه الأحداث التي دارت، والأحداث التي يُمكن أن تدور، ليست فردية ومزاجية بالطبع، وليست بالتأكيد أحداثاً عابرة ذات مدلولات خاصة، وإنما هي حلقة في سلسلة الحلقات الدائرة رحاها في العالم، بل ثورات تبغي التحولات والتغيرات، وأن هذه الأحداث بكل تنوعاتها من جهة، وبكل معطيات التنقل فيها من جهة أخرى، وبكل ألوانها المختلفة، تأتي نتيجة مخطط مدروس، ومدروس بكل دقة في اتجاهاته، حيث يُشكّل كل حدث بحد ذاته لحالة خاصة تتناول مسألة خاصة، فما جرى من استهداف العدو الإسرائيلي بالصواريخ، يختلف بالطبع في الرؤية والهدف عن غاية استهداف الوحدة الفرنسية، وبالتأكيد يصبّ ما يجري في مخيم عين الحلوة في مجرى آخر لقضية أخرى، وأهداف أخرى عن غيره مما جرى ويُمكن أن يجري على الساحة·

والسؤال الكبير وسط هذه الرحى الدائرة على الساحة: ما هي التوقعات بل وردود الفعل التي تلوح في الأفق، ويُمكن أن تتمخض عنه الأيام المقبلة، وعما إذا كانت هذه القضايا كلها ذات أبعاد محددة ومحدودة التأثير أم تحمل في طياتها ما هو خطير، وما هو مثير للويل والثبور وعظائم الأمور؟

وفي هذا السياق، يربط المراقبون ما يجري على أرض الجنوب برسائل ذات معانٍ وأهداف خاصة لما يجري على الساحة العربية كمنفذ لأوراق عربية معينة، ليست ممكنة، بل متوفرة الطرح واللعب وتحقق من جهة، بعض المكاسب للاعبيها وطارحيها من خلال تأثيراتها على الساحات والمواقف المضادة، أو التي لا تقف إلى جانبها وتصطف معها، وتناقضها في المواقع والمواقف والأهداف·

وإذا كان قائل قد قال انه إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا عليك أن تعرف ماذا في البرازيل، هنا يقول القائل انه إذا أردت أن تعرف ماذا يُمكن أن يشهد لبنان وما هي محصلة ما يجري الآن على الساحة الجنوبية، عليك أن تعرف ما هي وقائع التحركات والتطورات على الساحة العربية، من خلال الثورات القائمة على الساحة الإقليمية وانعكاساتها على الساحة الدولية والمتداخلة والمتشابكة·

استهداف <اللينو> وتبدي مصادر فلسطينية خشيتها من <السيناريو> الذي أُعدّ إلى <عاصمة الشتات الفلسطيني> لجرّه إلى فتنة، عبر توتير الأجواء في مرحلة حساسة ودقيقة، نجحت حتى الآن الجهود والاتصالات بضبط عدم الانفلات على مصراعيه، لأن نتائج التوتير سيعقبه تفجير لا يقف عند الحدود الداخلية للمخيم، بل يطال الجوار في منطقة صيدا، وربما بتداعيات أوسع من ذلك وأشمل على الساحة اللبنانية وصولاً إلى أماكن أخرى، تؤثر وتتأثر بما يجري في المخيّم· أو أن كل ما يجري في عين الحلوة، هو للتمويه ما يجري التحضير إليه في مخيم آخر؟!

وتُشير المصادر إلى أن توقيت وظروف محاولات التفجير تأتي في أعقاب: – نجاح العميد <اللينو> في تعزيز العلاقة مع مختلف الفصائل الفلسطينية، فضلاً عن <منظمة التحرير الفلسطينية>، مع <تحالف القوى الفلسطينية> و<القوى الإسلامية>، وقد أعطى ترسيخ هذا التفاهم نتائج إيجابية تجلّت بتسليم عدد من المطلوبين والمخلّين بالأمن·

– إن العميد <اللينو>، وعلى الرغم من الامكانيات التي لم يتم تعزيزها كما هو مطلوب في مؤسسة <الكفاح المسلح الفلسطيني>، ومحاولات البعض ممن هو محسوب على حركة <فتح> و>منظمة التحرير الفلسطينية> إلى التشويش أو تعكير الأجواء، استطاع افشال الكثير من محاولات الاستدراج إلى فتنة، بل توقيف المخلّين بالأمن·

– إن هناك أطرافاً تنقاد وتنجرف في حمأة الانفعال والاندفاع إلى مشروع، منها ما يعرف ويعلم تماماً أبعاده، أو ممن لا يعلم ذلك لأن <الرأس المدبر> و<الموجّه> يقوده إلى ما يريد، ومن ينفذ قد يعتقد أنه يخدم قناعاته ومعتقداته هو·

– ومنذ أن تسلّم العميد <اللينو> مهامه كقائد لـ <الكفاح المسلح> (3 أيار 2010)، نجح في إعادة ترتيب <الكفاح المسلح>، وشكّل حالة رعب للعديد من القوى حتى التي جارته علانيةً، وعملت ضده خلف الكواليس، وفي الاجتماعات المغلقة تحريضاً، أو تأميناً للدعم المادي واللوجستي لبعض المشبوهين·

– إنجاز الهيكلية الجديدة لـ <الكفاح المسلح الفلسطيني> و<الأمن الوطني>، بحيث أصبحت الهيكلية جاهزة بانتظار إطلاق عمل الإطار الجديد تحت مسمى جديد، حتى الآن يُعتقد أنه سيكون <هيئة الأمن الاجتماعي> والتي ستكون مهمته ضبط وحفظ الأمن في المخيمات، بمشاركة جميع القوى داخلها، وبالتنسيق مع السلطات اللبنانية الرسمية·

ولا يستبعد قيادي فلسطيني مطلع أن يكون من أهداف رفع وتيرة التصعيد في هذه الفترة، خطوة استباقية من قبل المتضررين من ترسيخ ومباشرة مهام الهيئة الأمنية لدورها، بحيث يصبح وضعهم أكثر صعوبة، ولا يُمكن لهذه المجموعات التحرك بحرية وتنفيذ ما هو مطلوب منها وفق <الأجندات الخارجي>·

كما أن أخطر ما يواجه مخيم عين الحلوة، كما بعض المخيمات ومناطق أخرى هو تغلغل: – الحركات الارهابية المتطرفة·

– الآفات الاجتماعية·

– شبكات التجسس الإسرائيلية·

الحركات الارهابية: التي تعمل على تنفيذ أعمال ارهابية داخل المخيمات وخارجها ومنها، ما يخدم <أجندات خارجية>، وقد تم تصفية وقتل العديد من أفراد هذه المجموعات، التي تتوزع تحت مسميات <فتح ? الاسلام>، <جند الشام> و<كتائب عبد الله عزام> وصولاً إلى مسميات أخرى·

وقد تم توقيف العديد من أفراد هذه المجموعات من قبل العميد <اللينو>، وتسليمهم الى السلطات اللبنانية ومحاكمتهم من قبل القضاء، والتحقيق معهم من قبل الاجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، حيث اعترفوا بالعديد من الجرائم التي نفذوها، ومن هم الأشخاص الذين دربوهم أو زودوهم بالمواد المستخدمة في التفجيرات·

الآفات الاجتماعية: التي تبين أن هناك من يُقدم على تأمين المخدرات والحبوب المخدرة لنشرها بين مختلف الشرائح داخل المخيمات كما خارجها، وقد وُجهت اليهم ضربات قاسية من قبل العميد <اللينو>، فأوقف العديد من التجار والمروجين والمتعاطين وسلّمهم الى السلطات الأمنية اللبنانية، وآخرهم مصطفى زيدان من مخيم المية ومية خلال شهر كانون الأول الجاري·

شبكات التجسس الإسرائيلية: التي أُوقف بعض أفرادها من داخل المخيمات، ومنهم في مخيم عين الحلوة، ولعل اعترافات أحد الموقوفين بالتعامل محمد إبراهيم عوض (نيسان 2009) واعترافه بأنه نقل بريداً ميتاً من عملاء <الموساد> الإسرائيلي، عبارة عن حقائب وضعها داخل أماكن متفرقة من المخيم، كان يُحددها له الإسرائيليون، وتبين أنها كانت تحتوي مواداً متفجرة استخدمت في المخيم·

وقد أجمع أكثر من مسؤول فلسطيني في المخيم على الاشارة الى أن طرفاً ثالثاً قد دخل على الخط توتير الأجواء ما بين حركة <فتح> و>القوى الاسلامية>، وهو ما عبّر عنه صراحة رئيس <الحركة الإسلامية المجاهدة> الشيخ جمال خطاب، الذي ألمح الى <أن الحادث الذي وقع بعد ظهر الأحد 18 من كانون الأول الجاري، تمثل بإطلاق مقنع النار على عناصر من حركة <فتح>، وأن الهدف جر المخيم الى الفتنة>·

وأشار الشيخ خطاب الى <أن العميد <اللينو> تعاطى بحكمة لافشال مثل هذه المحاولات>·

انطلاقاً من ذلك، فإن المتضررين من الأطراف الثلاثة يلتقون حول من يحبط ويُفشل مخططاتهم، وهو العميد <اللينو> الذي أصبح في دائرة الاستهداف، وقد تعمد المتضررون، ومن يسير في <المشروع> الى تركيز الاستهداف في الدائرة الضيقة للعميد <اللينو> من خلال اغتيال أحد مرافقيه أشرف القادري الذي كان له دور بارز في توقيف عمر محمود عبد القادر (مواليد 1989) وعمر أبو خروب، بعد وضعهما العبوة التي كانت تستهدف العميد <اللينو> (4 آب الماضي) وتسليم عبد القادر الى الدولة اللبنانية، ثم اغتيال مقنع لاحد مرافقي العميد <اللينو> أيضاً عامر فستق (18 كانون الأول)، وهذا يُشير الى أن التركيز هو في الدائرة الضيقة للعميد <اللينو>، الذي أكد انه <حريص على افشال كل محاولات الفتنة، على الرغم من استهداف كوادر ومرافقين ومناضلين>

وقال في تصريح لـ <اللـواء>: <مهما استشهد لنا، لن ننجر الى الفتنة التي يريدونها، لأن مشروعهم يتجاوز التفجير على صعيد المخيم، وهم ينفذون <أجندات خارجية> نعرف أبعادها ومراميها، ولن ننساق اليها>·

واستطرد العميد <اللينو> بالقول: <سنعرف كيف نتعامل مع المخلين بالأمن بالتعاون مع القوى الوطنية والاسلامية في المخيم وبالتنسيق مع السلطات الأمنية اللبنانية، وبما يحفظ أمن أهلنا في المخيمات والجوار>·
 

السابق
بهية الحريري: التنمية لا تكون لناس على حساب ناس
التالي
التلوث يجتاح مجدداً مجرى نهر الحاصباني ويُشكل خطراً