غالبية شباب التنظيمات الحزبية تريد النسبية… لكن مع القيد الطائفي!

 يتفق غالبية شباب التنظيمات الحزبية والتيارات السياسية المشاركة في الحكم، على ضرورة اعتماد النسبية في قانون الانتخابات النيابية، لأنها، برأيهم، تؤمن صحة التمثيل أكثر من القانون الأكثري. ويشمل ذلك الرأي الشباب الذين تقف قياداتهم ضد النسبية، أو يحتمل أن تقف ضدها، عندما «تحين ساعة الحقيقة».
لكنهم، في المقابل، يريدون إبقاء الانتخابات ضمن القيد الطائفي، فيقعون في التناقض بين الرغبة في مجاراة قوانين التمثيل السياسي المعاصرة، وبين الرغبة في حفاظ كل طائفة على ممثليها في الحكم. وهؤلاء الشباب أنفسهم، يتفقون أيضاً على وضع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية. فيجعل ذلك المزيج الطائفي والمدني الصورة ضبابية، مع العلم أن بينهم من يقول إن التغيير مسألة تراكمية، ولا بد أن يأتي يوم يجري فيه كسر حلقات التمثيل الطائفي تدريجياً.
وقد استطاع هؤلاء الشباب تظهير مواقفهم خلال ورشات نقاش أجرتها «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية»، على مدى عام ونصف عام تقريباً، بمشاركة ممثلين عن الجمعيات الأهلية. واتفقوا على قضايا داخلية شديدة الأهمية، لو ترك الأمر لهم، لربما حلت الكثير من المشاكل، واتخذت الكثير من القرارات التي توحد اللبنانيين في الاقتصاد والقضاء والتربية وحق النساء في التمثيل السياسي وفي اللامركزية الإدارية، بينما استمر الخلاف على مسألتين هما: سلاح «حزب الله»، وحق تملك الفلسطينيين في لبنان.
وتبين من خلال الورش أن الحوار يوصل إلى إيجاد قواسم مشتركة، بدلاً من الافتراق، والوقوف خلف تصورات تبدو في الكثير من الأحيان واهمة، وتغذيها طرق الصراع السياسي والوسائل المستخدمة فيه. فقد أصبح مسؤول في مجلس فرع الطلاب في «الجامعة اللبنانية» علي عيسى، وهو من «حزب الله»، صديقاً للمسؤول في منظمة شباب «القوات اللبنانية» غابي أبو رجيلة، ورافقه في زيارة إلى بلدة مارون الراس الحدودية.
ولكن، أنى لأولئك الشباب التأثير مثلاً في قرارات قياداتهم، ما داموا يشكلون القوة الرئيسية لها؟ وهل هم مجرد جمهور، أم إنهم قادرون على الضغط والخروج من أحزابهم، إذا كانت قرارات قياداتها لا تتفق مع توجهاتهم؟

هل تصل آراؤهم في قانون الانتخابات إلى «القيادة»؟

يبدو قانون الانتخابات الذي عاد إلى البحث مجدداً، أشد مناعةً من قدرة الشباب على التأثير فيه، ولا يزال متروكاً تماماً للقيادات. فالأولية في الحسابات الانتخابية هي أعداد النواب التي يمكن لكل قوة سياسية الحصول عليها، وليس صحة التمثيل النيابي. وقد جرى سؤال الشباب الذين مثلوا منظماتهم في جلسات النقاش، عن كيفية إيضال آرائهم إلى قياداتهم.
يقول علي عيسى إنه قبل بحث مشروع قانون تخفيض سن الاقتراع إلى ثمانية عشر عاماً، رفعت المنظمات الشبابية في «حزب الله» توصية إلى المجلس السياسي في الحزب وأخذ بها، «ربما لأن جمهور الحزب يتكون من تلك الأعمار، ولكن بالنسبة لقانون الانتخابات الذي يجري بحثه حالياً، فقد أعلن «حزب الله» أن لا مشكلة لديه في إقرار أي قانون انتخابي لأن مناصريه لن يتغيروا، وإنما الذي يمكن أن يتغير قليلاً هو مجيء نواب من غير حزب الله وحركة أمل».
ومع تأكيد عيسى على وجود تكامل بين المنظمات الشبابية وبين الحزب، إلا أن تجربة إيصال رأيهم في مشروع عالي المستوى كقانون الانتخابات، «هي تجربة غير مضمونة النتائج».
ويقول شادي الرفاعي، وهو من المنسقين العامين في قطاع الشباب في «تيار المستقبل»، إن قيادة التيار لم تتخذ موقفاً بعد من قانون الانتخابات، سواء مع النسبية أو ضدها، ولم يتباحث قطاع الشباب في «التيار» في الموضوع بشكل رسمي حتى اليوم، «ولكنه سوف يكون على جدول الأعمال».
ويوضح الرفاعي أن «توصيات الشباب ترفع إلى المجلس التنفيذي في التيار الذي يرأسه أحمد الحريري، حتى ولو لم تأخذ بها». ويعلن أنه حتى لو لم توافق قيادة «المستقبل» على النسبية، فهو يؤيد إدخال معايير متقدمة تؤمن صحة التمثيل، مثل النسبية، ولكن ليس ضمن دائرة واحدة بل الدوائر الكبرى. ويضيف الرفاعي أنه «من الطبيعي أن يكون لدى الشباب عقلية متقدمة وليس مثل «القدامى» الذين يفكرون بمصلحتهم الحزبية فقط». ويكمل: «لا يهمني ربح عدد كبير من النواب ويكون للأمر تأثير سلبي في ما بعد». ويورد مثالاً على صحة التمثيل «ما حصل في جنوب أفريقيا عند الغاء نظام الفصل العنصري. فحينها، لم يقرر زعيم جنوب أفريقيا نلسون مانديلا قانون انتخاب لمصلحة حزبه بل لمصلحة مشاركة كل الناس فيه». ويرى أن «هناك أحزابا تتراجع وأحزابا تقوى، وأخرى تأتي بديلاً لها، والحسابات الضيقة لا تبني وطناً».
ويذهب المسؤول في لجنة المدارس في «التيار الوطني الحر» مارك شلهوب إلى القول إنه «مع قانون النسبية والدائرة الكبرى حتى لو لم توافق قيادة التيار عليه»، ويقول إن «القيادة طرحت النسبية على طاولة الحوار الوطني ومجلس الوزراء». ويعتبر أن «مطالبة رئيس التيار العماد ميشال عون بقانون الستين في الانتخابات الماضية كان بسبب ضيق الوقت أمام إقرار قانون انتخابات جديد». ويؤكد شلهوب أن «جميع شباب التيار مع النسبية حتى لو رأى العماد عون أنه يجب مراعاة طروحات المسيحيين في بكركي». ولدى سؤاله عن إمكانية تغيير العماد عون رأيه بالنسبية، يجيب: «عندها سوف نرى ماذا يحصل.. سوف نوصل رأينا ونرى».
ويوضح شلهوب أنه «يوجد في التيار رؤساء لجان للمدارس والجامعات والنقابات وغيرها يجتمعون مع العماد عون بشكل دوري، وحتماً سوف تصل آراء اللجان إليه في قانون الانتخابات». ويؤكد أنه «في المطلق ضد إقرار قانون تنتخب فيه كل طائفة نوابها لأنه قانون رجعي ويغذي الغرائز المذهبية»، ويعتقد أن «لدى جميع شباب التيار الرأي نفسه».
وعلى عكس شلهوب، تقول مسؤولة منظمة الشباب في «القوات اللبنانية» ماريان عيد إنها «مع انتخاب كل طائفة لنوابها»، وذلك لا يؤدي برأيها إلى العزلة الطائفية والمذهبية، «لأن مجلس النواب هو أصلا مجلس طائفي، والعقلية اللبنانية هي عقلية طائفية، ولو جرى إقرار النسبية سوف ينتخب الناس نواب طوائفهم، وحتى لو جاء نواب مستقلون من خلال النسبية، سوف يكونون بدورهم ممثلين لطوائفهم».
وبرأي عيد، «يجب الحفاظ على خصوصية كل طائفة في لبنان»، ويسري ذلك على التمثيل النيابي. وقد شاركت عيد في عدد محدود من جلسات النقاش الشبابية، بينما لم يتسن الحديث مع أبو رجيلي لأنه متواجد حالياً في قطر.
بدوره، شارك بهاء حلبي في جلسات النقاش الشبابية عن «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وهو لم يعد منتسباً إلى «منظمة الشباب التقدمي» حالياً، لكنه لا يزال على صلة بشباب «الحزب». ويقول إن «النسبية هي في المبدأ قانون الزعيم الراحل كمال جنبلاط، ولكن يجب إلغاء الطائفية السياسية أولاً قبل إقرار النسبية، لأنها سوف تأتي إلى مجلس النواب بعدد كبير من نواب الطوائف الكبرى، والباقي يذوب، فالمذهب الدرزي أقلية، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يحصل على ثمانين في المئة من اصوات الناخبين، وبالتالي لن تأتي النسبية بنواب مستقلين، لذلك هو مع القضاء من أجل تجنب تراجع تمثيل الأقليات».
ويؤكد الحلبي أن «رأي الشباب في الحزب التقدمي يصل إلى القيادة، فعندما غير جنبلاط توجهه السياسي، عقدت لقاءات حزبية، شارك فيها ممثلون عن منظمة الشباب التقدمي، وجرى النقاش في التوجه السياسي الجديد، فكانت الغالبية تقريبا مع ذلك التوجه، أما المعترضون فقد احتفظوا برأيهم في المعارضة: نحن مع بلد علماني ديموقراطي، ولكن حتى يحين ذلك الوقت نؤيد القضاء».
ويعتبر أن «التغيير يجب أن يبدأ مع الأجيال الصغيرة في المدارس، وتعليمهم أن بلدهم يتكون من طوائف متعددة، يجب عليها العيش مع بعضها».

دولة الرعاية وليس الجباية

في ورش العمل التي عقدت على مدى عام ونصف عام، تم الاتفاق بين ممثلي المنظمات على مجموعة قضايا، هي: رفض تجنيس الفلسطينيين في لبنان، والتأكيد على حق العودة لهم، وإقرار حقهم في العيش بكرامة وتأمين بيئة آمنة لهم، وإقرار حقهم في العمل والتعليم والاستشفاء.
كما تم الاتفاق على إقرار قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، والعمل على انخراط جميع الطوائف في مشروع الدولة المدنية، أي الدولة التي ترعاها القوانين وتعمل فيها المؤسسات، وإدراج مادة علم الأديان في كتاب التربية المدنية في المدارس للتعرف إلى الأديان وتقويم الأفكار الموروثة التي يمكن أن تكون خاطئة.
في المجال القضائي، توافقوا على إلغاء المحاكم الاستثنائية، وتخفيض رسوم الدعاوى وتفعيل التفتيش القضائي، وإخضاع الجسم القضائي إلى دورات تأهيلية مستمرة.
وفي مجال التنمية، طالبوا بإنشاء وزارة التخطيط، وإلغاء كافة الصناديق والمجالس، وإخضاع الهيئة العليا للإغاثة للرقابة الدائمة من قبل مجلسي النواب والوزراء، والتشديد على اللامركزية الإدارية كمدخل للإنماء المتوازن، ووضع سياسات تنموية للقضاء على الفقر، وتعميم التعليم على جميع اللبنانيين، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتطوير قوانين الضمان الاجتماعي والصحي، وإقرار قانون ضمان الشيخوخة، ووضع سياسة صحية تعزز صحة الأم والطفل.
وفي المجال الاقتصادي، أيّدوا إعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية: الزراعة والصناعة من خلال قوانين الإرشادات والحوافز والدعم، واعتماد سياسة ضريبية عادلة تراعي تفاوت المداخيل وهي تتمثل في الضريبة التصاعدية والتوزيع الأفقي والعمودي للضرائب، وتحقيق تكنولوجيا المعلومات، والوصول إلى دولة الرعاية وليس الجباية.
في اللامركزية الإدارية، طالبوا بتعديل قانون البلديات وتطويره لتأسيس مجالس بلدية تتمتع بالكفاءة العالية والرؤية الشاملة لتحقيق الأهداف المطلوبة منها.
وفي المجال الإعلامي، توافقوا على ضرورة إلغاء وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام ومحكمة المطبوعات، كما تم الاتفاق على تفعيل دور المرأة في الحياة السياسية وإتاحة الفرص لها للدخول إلى مراكز القرار، وتطوير المناهج بما يعزز دور المرأة.
ولم يتم التوافق مثلا على موضوع الكوتا لأنها تمييزية ضد النساء.
وكانت للمغتربين حصة في النقاش، فتم التوافق على أن المغترب اللبناني هو مواطن أصيل يقيم في الخارج، وعلى انجاز عملية اقتراع المغتربين، وإجراء إحصاء لهم، وتعميم بيوت الشباب على المناطق وكافة بلدان الاغتراب لتفعيل التواصل بينهم وبين المقيميين. 

السابق
العرس في الشام والدبكة في حلب
التالي
المخابرات نفذت انفجارين دمشق بسيارتين مليئتين بمحكومين بالإعدام في اطار مخطط بدأ تنفيذه مع وصول المراقبين العرب