عميل آخر يخترق حزب الله!

هو رجل دين من جبل عامل، تولّى مسؤوليات مهمة في «حزب الله» إبّان توَلّي الشيخ صبحي الطفيلي مهمات الامانة العامة للحزب، واستمر في علاقاته وتواصله مع اركان الحزب وكوادره في لبنان والخارج، نظرا لمكانته الدينية وإمكاناته الفكرية والثقافية، حتى سقط في مصيدة شعبة المعلومات، بعدما تبيّن انه يتواصل وبانتظام مع «الموساد» منذ سنوات.

اعترف الشيخ حسن سعيد مشيمش بتعامله مع “الموساد”، وكشف أنّ من بين المعلومات التي طلبها العدو منه الاستقصاء عن الشيخ صبحي الطفيلي، والعلّامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والمسؤول العسكري والأمني الاول في “حزب الله” الذي اغتيل في دمشق عماد مغنية، ومسؤولين آخرين في الحزب. كما طلب منه التقصّي عن مكان وجود عملاء “حزب الله” في دوَل: غامبيا، سيراليون، غينيا، كوناكري، سويسرا، المانيا، فرنسا. لأنه كان يسافر ضمن البعثات التي كان ينظمها “حزب الله” لرجال الدين التابعين له، بهدف التواصل مع المناصرين والجاليات المُسلِمة.

الوقائع والأدلة

كان الشيخ مشيمش، الذي صدر القرار الاتهامي في حقّه في 17 الجاري مطالبا بإعدامه، قد توجّه في العام 1999 الى فرنسا والتقى عناصر من المخابرات الفرنسية، ثم عاد الى لبنان في العام 2000، وذلك وفقا لأقواله.

وفي أواخر العام 2003، التقى مشيمش شخصا سمّى نفسه “الشيخ محمود النمساوي”، وقد اظهر التحقيق في فرع المعلومات انه يدعى سيغفريد جورج بوشال وهو من مواليد العام 1977، نمساوي الجنسية، وقد درس الشريعة الاسلامية في حوزة النبطية وحوزة تول. وتبيّن أن الصداقة توطّدت بين الإثنين، فطلب مشيمش من “النمساوي” الذي كان يرتدي زيّ رجل الدين الشيعي، ان يؤمّن له لجوءا سياسيّا في اي بلد اوروبي. وبالفعل، وبعد مغادرة النمساوي لبنان في العام 2004، اتصل بـ مشيمش من رقم دولي نمساوي، تبيّن لاحقا انه احد الارقام المستخدمة من جهاز مخابرات العدو الاسرائيلي “الموساد”.

واثناء اتصال المدعى عليه مشيمش على الرقم النمساوي مع ابو علي النمساوي، طلب منه هذا الاخير ان يستحصل من السفارة الألمانية في بيروت على سِمة دخول الى المانيا، وتكرر الاتصال بينهما من الرقم المذكور نحو عشر مرّات، وذلك على الرقمين الخلوي والثابت العائدين لـ مشيمش.

وبناء على هذه الاتصالات، استحصل مشيمش على جواز السفر، بعدما أخبره ابو علي الذي يتكلم العربية الفصحى بطلاقة، أنّ اسمه موجود في السفارة، فتوَجّه اليها، واستحصلَ على سِمة الدخول بمجرد إبراز جواز سفره.

وقبل سفره الى المانيا بتاريخ 21/1/2005 عبر مطار بيروت الدولي، ارسل له صاحب الاسم المستعار، أي أبو علي النمساوي، مبلغ ثلاثة آلاف دولار اميركي كنفقات للسفر، كانت موضوعة داخل غلاف كتاب “سيرة الامام علي” مع شريحة هاتف خلوي كانت موضوعة ايضا داخل الغلاف المذكور، والمبلغ عبارة عن ثلاثين ورقة من فئة المئة دولار اميركي. وقد أرسل هذا الكتاب الى احدى شركات البريد السريع في بيروت، وقد استلمه أحد أبناء مشيمش، وسلّمه الى والده من دون ان يعرف ما في داخله. وتبيّن ايضا ان “ابو علي النمساوي” طلب من مشيمس، ان يستعمل هذه الشريحة للاتصال به، فقط، وان يوقف اتصالاته الهاتفية به من هواتفه الشخصية او بطاقات التلكارت.
غادر مشيمش بيروت الى فرانكفورت. وبوصوله الى المانيا، وبطلب من “النمساوي”، طلب من أبناء عمّه هناك، ومن دون علمهم بأي تفاصيل، شراء شريحة هاتف خلوي المانية للاتصال بواسطتها بـ”أبو علي النمساوي”، الذي طلب منه ايضا بعد وصوله، التوَجّه الى مدينة مينشن الألمانية على حدود النمسا. فتوَجّه اليها بمفرده عبر طيران داخلي، وبعدما احضر له احد اقاربه تذكرة سفر كانت محجوزة سَلفا باسمه. وفي المطار الداخلي، استقبله المدعى عليه المعروف بالشيخ محمود النمساوي، وأقلّه الى منزله. وهناك، افصح له ان “ابو علي النمساوي” هو من جهاز مكافحة الارهاب الدولي. ثمّ اصطحبه الى فندق خمس نجوم، واجتمع مشيمش بـ”أبو علي النمساوي”، بعدما غادر محمود النمسا. وبعد تعريف مشيمش الى ابو علي النمساوي، الذي لم يكن قد رآه بعد، بل تحدث معه مرارا عبر الهاتف في حضور شخص مرافق لأبي علي النمساوي لم يعرّف عن هويته، سأل النمساوي مشيمش عن اموره الشخصية ودراسته في لبنان وايران، وعن انتسابه الى “حزب الله” عند نشأة هذا الحزب، وعن علاقته بأمينه العام في ذلك الحين الشيخ صبحي الطفيلي، وكذلك بالعلّامة السيد محمد حسين فضل الله، وبعماد مغنية، كما سأله عن العديد من المسؤولين في “حزب الله”، وقد اجاب المدعى عليه عن هذه الاسئلة.

كما سأله ابو علي النمساوي عن الدول التي زارها، وعن أماكن تواجد “حزب الله” فيها، والعناصر المتفرّغة فيه التي تعمل في هذه الدوَل. فأجابه مشيمش ان الدول التي زارها هي: غامبيا، سيراليون، غينيا، كونكري، سويسرا، ألمانيا وفرنسا، وأخبره عن العديد ممَّن يتعاونون مع “حزب الله” في هذه الدول، لا سيما، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ابو علي بزي في المانيا.

وتبيّن ان مشيمش تقاضى من ابو علي النمساوي خمسة آلاف يورو نقدا، بعدما كان تقاضى منه عبر البريد السريع في بيروت، مبلغا نقديا ايضا، قدره ثلاثة آلاف دولار اميركي.

وقد أنهى ابو علي النمساوي اللقاء في حينه مع المدعى عليه مشيمش بعبارة: “يجب ان نتعاون”، وطلب منه مغادرة المانيا والعودة الى لبنان والتواصل معه، وهذا ما حصل بالفعل.

وتبيّن من التحقيق الاولي ان مشيمش أدلى بما حرفيته: “… ابو علي النمساوي يعمل في جهاز مكافحة الارهاب الدولي في المانيا والعالم، ويستثمر وظيفته لصالح العدو الاسرائيلي، وقد استنتجت هذا الموضوع بسبب طريقة عرضه للاسئلة المتعلقة بإسرائيل”، ما يعني ان المدعى عليه مشيمش كان متيقّنا ان “ابو علي النمساوي” على علاقة مباشرة بالموساد الاسرائيلي. وبعد عودة مشيمش من المانيا في العام 2005، وردت اتصالات على هاتفه اللبناني في العامين 2006 و2007 من ابو علي النمساوي، من خلال رقمه النمساوي الدولي المستخدم من قبل الموساد الاسرائيلي. كما تبيّن من تحليل الاتصالات أنّ رقم الهاتف الارضي العائد للمدعى عليه علي مشيمش اتصل برقم أبي علي النسماوي المستعمل من الموساد الاسرائيلي بعد عودة مشيمش من المانيا، وان اتصالات عديدة أجريت بهذا الرقم الدولي النمساوي من لبنان، من خلال استعمال بطاقات هواتف “تليكارت” من مناطق: النبطية، كفرصير، الشياح، أي المناطق التي يتواجد فيها مشيمش عادة. كما تبيّن، من خلال تحليل اتصالات هذه البطاقات، انها استعملت للاتصال بأرقام هاتفية اخرى عائدة لمنزل المدعى عليه حسن مشيمش ومعارفه، لا سيما انه سبق له وأقرّ في كافة مراحل التحقيق باستعمال بطاقات هاتف عمومية “تليكارت”.

وتبيّن من التحقيق، ولدى سؤال المدعى عليه حسن مشيمش عن التناقض في أقواله، أنه أجاب ما حرفيته: “ليس لدي شرح لهذا التناقض الرهيب، ومجددا من حقكم ألّا تضعوني تحت الشبهة فحسب، وانما تحت الادانة القاطعة”. ولدى سؤاله عمّا اذا كان احد افراد عائلته او اقاربه او معارفه على معرفة بالرقم الدولي العائد لأبي علي النمساوي، اجاب بما حرفيته: “لا اعلم، على الاطلاق”.

وتبيّن ان هذا الرقم المستعمل من مخابرات العدو الاسرائيلي، وكما تبيّن من تحليل الاتصالات، لم يتواصل مع أي شخص في لبنان، ولا مع اي رقم هاتف لبناني، سوى أرقام المدعى عليه مشيمش. وقد طلب المحامي انطوان نعمة وكيل مشيمش تخلية سبيل موكله، ولكن النيابة العامة العسكرية طلبت رد طلب تخلية السبيل.

وبعد استطلاع رأي النيابة العامة العسكرية بشأن إصدار مذكرة توقيف غيابية بحق سيغفريد جورج بوشال، المعروف بالشيخ محمود النمساوي، طلب مفوض الحكومة توقيفه بالصورة الغيابية، فأصدر قاضي التحقيق العسكري عماد زين مذكرة توقيف غيابية في حقه في 17/11/2011.

وأشار القرار الاتهامي في باب القانون الى أن مشيمش أجرى وتلقّى العديد من الاتصالات الخلوية والثابتة برقم الهاتف الدولي النمساوي “المشبوه”، وأنه اعطى معلومات عن “حزب الله” وقيادييه لـ أبي علي النمساوي، بعدما تيقّن انه على علاقة مباشرة مع الموساد الاسرائيلي، ليسَهّل أعمال العدو الاسرائيلي العدوانية، وفوز قوّاته، كما قام بدَسّ الدسائس لدى العدو الاسرائيلي ودولة اجنبية، بتعامله مع مخابرات هذا العدو.

وطلب القاضي الزين إنزال عقوبة الاعدام بالشيخ مشيمش في جرم الاتصال بالعدو الاسرائيلي والتعامل معه واعطائه معلومات مقابل مبلغ من المال لمعاونته على فوز قواته، وذلك استنادا الى المواد 244 و275 و278 عقوبات، وأحاله امام المحكمة العسكرية الدائمة.

وتفيد مصادر قضائية مطلعة، أن الخطة الأمنية المعتمدة من الإسرائيليين تقوم على إلهاء الأجهزة الأمنية اللبنانية بعملاء من الدرجة الخامسة والسادسة، بُغية إبقاء العميل الأساسي بعيدا عن الأنظار والشبهات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقوم الجهات الإسرائيلية المعنية في الاتصال ومن الأرقام نفسها بالعملاء أنفسهم. ولعلّ الغرابة أن المعلومات التي يطلبونها معروفة، ويمكن الاستحصال عليها بواسطة الانترنت أو “غوغل”، ولكنهم يتقصدون ذلك بغية تعريضهم للشبهات، وبالتالي إلهاء الأجهزة الأمنية بمسارات بعيدة عن المسار الفعلي والأساسي، وهذا ما يجعلهم، وفق التصنيف الأمني، من العملاء الصغار. أما العميل الأصلي، فيبقى غير مكشوف ومعروف ومرئي، وما من احد باستطاعته اختراقه. أما الفريق الثاني فهو لوجستي، ومهمته تأمين الإقامة والمال وما يسمّى البريد الميت… وهو موجود على الأرض ومجهول الهوية…

ولعلّ أكبر مثال على ذلك العميل فيصل المقلد 2001-2004 الذي تمّ تشغيله في طرابلس وطبرجا والناعمة، واستخدمه الإسرائيلي لإدخال الكومندوس عبر البحر المتوسط، إنما الذي نقل فعليّا الكومندوس لم تعرف هويّته الفعلية حتى اليوم بعد…

السابق
قيادي حزبي بارز
التالي
150 قتيل درزي