نمرة حمد مرتضى من بلدة حولا عمرها 111 سنة وأحفادها 141 ربما تكون أكبر معمرة في الشرق الأوسط

ان لم تكن أكبر معمّرة في العالم بعد البرازيلية ماريا فالنتين(115 سنة)، فمن المؤكد، بحسب بطاقة هويتها اللبنانية، أنها أكبر معمّرة في لبنان وربما في الشرق الأوسط.

نمرة حمد مرتضى من مواليد العام 1900، جنوبية، من بلدة حولا الحدودية في قضاء مرجعيون، واكبت الاحتلالين العثماني والفرنسي، كما الاحتلال الاسرائيلي، ومجزرة حولا عام 1948، التي لا تزال الأكثر رسوخاً في ذاكرتها ومآسيها المتعددة. أكثر ما آلمها يتمها المبكر جداً، عندما توفيت والدتها، وهي في الشهر السادس من عمرها. فهي لا تزال تبكي على طفولتها الصعبة، ولا تعرف وجه والدتها، حتى في الصورة، عندما لم تكن الكاميرا قد دخلت بعد الى قاموس أبناء المنطقة الجبلية الوعرة قريباً من الحدود مع فلسطين التي كانت وقتها تحت نير الحكم العثماني. وتقول بطلاقة وبحرقة الطفولة " قال لي والدي أن أخوالي طلبوا من والدتي أن تذهب معهم في رحلة الى مدينة حوران، فأبت أن تتركني، لكنهم أقنعوها بأن تودعني عند جدتي، وهكذا كان، لكن مرضاً ألمّ بها فجأة هناك ما أدى الى وفاتها، ربما يكون المرض كما قال والدي بسبب تضخّم ثدييها من قلّة الرضاعة، فتوفيت ودفنت هناك".

وتتابع " أتذكر من طفولتي قساوة الحياة مع زوجة أبي وعملي المضني في الأراضي الزراعية عند الاقطاعيين، وزمن المجاعة والمرض والجراد، كنت وقتها في بداية صباي، عندما قال لي والدي سأعمل على تزويجك من رجل يصونك، فقلت له المهم أن يكون غنياً وليس راعياً ليبعدني عن شبح الجوع"، تقول عباراتها هذه، بشكل متقطّع بين فكرة وأخرى، لكن يبدو أن هذا التاريخ كان حاسماً في حياتها، فقد تزوجت باكراً وهي في الرابعة عشر من عمرها من رجل فقير في البلدة يدعى حبيب قاسم، أصبح فيما بعد من أوائل العسكريين مع الجيش الفرنسي. تتنقّل اليوم بين بيت وآخر من بيوت أبنائها الستة، ولا تزال تحدّث أحفادها الصغار عن قصص حياتها المشوّقة، وان كانت تخلط الجديد بالقديم، لكنها حتماً أقوى وأصلب من كثيرين من الذين لم يتجاوز عمرهم المئة عام. أجمل أيام حياتها كانت بعد أن توظّف زوجها في الجيش الفرنسي، ومن ثم أصبح جندياً في الجيش اللبناني، بعد أن نال لبنان استقلاله.

 " لقد كان راتبه كافياً لتأمين عيشة راضية، وكنت أنتقل معه من مكان الى آخر بحسب مكان خدمته العسكرية، ما سمح لي بالتعرّف على أماكن كثيرة بعكس أبناء البلدة". وتقول أنجبت منه 12 ولد توفي منهم أربعة، وبقي لدي 8 أولاد بينهم 6 بنات. تتحدث عن مجزرة حولا بين الفينة والأخرى، " لقد طلب مني أحد الجنود اليهود أن أذهب الى الساحة، حيث يصطفّ الرجال، لكن أحداً قال له اتركها وشأنها، فهي تحمل طفلاً على كتفها. لقد شاهدت المجزرة بأم عيني، وعندما سقط أحد رجال البلدة أرضاً بجانب الشهداء، وادّعى أنه ميت، وبعد انسحاب الصهاينة قام وفرّ هارباً باتجاه بلدة شقرا، يومها حملت أطفالي وهربت باتجاه شقرا، كنت أحمل ولدين، وأقترب بهما الى مكان معين ثم أعود لأحمل ولدين آخرين، وهكذا الى أن وصلت الى شقرا، وبعدها انتقلت الى النبطية ثم الى مرجعيون حيث كان زوجي يؤدي خدمته العسكرية".

يقول ولدها الاستاذ محسن قاسم أن " والدي كان من طلائع الجيش الفرنسي ومن أوائل الذين انضمّوا الى الجيش اللبناني، والموظف الوحيد في البلدة، وقد شارك في حرب 1948 ضد اسرائيل وحصل على ميداليات كثيرة، كان راتبه آنذاك حوالي 20 ليرة، ولا يحصل على تعويضات عائلية، لكن الجيش كان يقدّم له هدية رمزية عند ولادة كل ولد له، هي عبارة عن لعبة صغيرة، وقد كان راتبه 236 ليرة عندما أصبح في سن التقاعد في العام 1961، وقتها كانت أجرة العامل لا تزيد على ربع ليرة".

رغم ذلك فان نمره مرتضى كانت تحاول مساعدة زوجها، فتعمل على بيع ما تيسّر من ثمار التين والعنب، واستطاعت أن تدخّر جزءاً من راتب زوجها ليشتري الأراضي الزراعية التي كانت تحلم بها. محمد قاسم ولدها الأكبر مجاز في اللغة العربية، وقد كان رئيس بلدية حولا الأسبق. أما ولدها الثاني محسن فهو مجاز في الأدب أيضاً وهو اليوم مدير مدرسة حولا الرسمية، ويقول " لقد أحصيت من أولاد أمي وأحفادها 141 ولداً بينهم الحائزين على شهادات الدكتوراه في الهندسة والاعلام والفيزياء اضافة الى الأطباء والصيادلة، و21 مجازاً جامعياً".

تعاني أم محمد اليوم من مرض خبيث، لكنها لا تزال تقوى على الكلام والسير على قدميها، رغم أنها تحتاج كثيراً الى من يساعدها. ربما كانت معاناتها في صغرها سبباً في قوتها الجسدية، حتى أصبحت فيما بعد مرشدة الأهالي في فنون الطبخ والحلويات المنزلية، سيما أنها كانت قد تنقلت من مدينة الى أخرى فتعلمت الكثير من حياة المدينة، وقد استعان بها أبناء القرية كثيراً في عمليات التوليد التي كانت تجري في المنازل على أيدي صاحبات الخبرة. لا تزال تفضل العيش في منزلها القديم، لكن أولادها فضلوا لها العيش معهم، فهي تنتقل بين بيت وآخر، وتذهب شتاء الى منزل أحد أبنائها في بيروت بعيداً عن البرد القارس.

تعتبر نمرة مرتضى ( 111 سنة) اليوم أصغر بأربع سنوات فقط من أكبر معمرة في العالم الأميركي، والتي تدعى بيسي كوبر الأميركية التي احتفل بعيد ميلادها ال 115 في 3 أيلول الفائت، في دار رعاية العجزة في مدينة مونرو في ولاية جورجيا. وكانت كوبر اُعلِنت كأكبر معمرة في العام في كانون الثاني/يناير الماضي، ولكنها جردت من لقبها في أيار بعدأن تبين أن البرازيلية ماريا غوميز فالنتين أكبر منها بـ48 يوماً. واستعادت بيسي لقبها في 21 حزيران بعد وفاة فالنتين. 

السابق
أحلام بلغة الأرقام
التالي
تريدون أردوغان؟ خذوه!