الاخبار: مجلس الوزراء يصحح الأجور: الأكثرية تنتصر لنحاس

أقر مجلس الوزراء مشروع تصحيح الأجور الذي قدمه الوزير شربل نحاس أمس. ورغم العقبات التي لا تزال تواجه هذا المشروع، فإن نتيجة التصويت أظهرت أن الأكثرية داخل مجلس الوزراء نجحت في العمل كفريق موحد. فحزب الله وحركة أمل دعما تكتل التغيير والإصلاح، لتظهر باكراً نتيجة آلية التنسيق التي اتفق عليها الأطراف الثلاثة

حصل ما لم يكن متوقّعاً، وفاز مشروع وزير العمل شربل نحّاس لتصحيح الأجور بالتصويت رغم المحاولات الحثيثة التي بُذلت في داخل جلسة مجلس الوزراء وخارجها لإجهاضه للمرّة الثالثة منذ أن طرحه في تشرين الأول الماضي. فقد قرر مجلس الوزراء في جلسته أمس اعتبار قيمة بدل النقل الشهري بعد رفعها إلى 236 ألف ليرة جزءاً من الأجر، ثم تصحيح الأجر بنسبة 18% على الشطر الأول حتى مليون و500 ألف ليرة وبنسبة 10% على الشطر الثاني بين مليون و500 ألف ليرة ومليونين و500 ألف ليرة.

وألغى المجلس الصيغة المعتمدة للمنحة التعليمية، وفرض تطبيق أحكام قانون الضمان الاجتماعي الذي ينص على منحها عبر صندوق التعويضات العائلية والتعليمية، وحدد قيمتها بمبلغ قدره 40 ألف ليرة شهرياً عن كل ولد حتى سقف 160 ألف ليرة شهرياً، وحدد قيمة الاشتراك المستحق على صاحب العمل في هذا الصندوق بنسبة 9% من الكسب الخاضع للاشتراكات.
بموجب هذه القرارات، ارتفع الحد الأدنى الرسمي للأجور من 500 ألف ليرة حالياً إلى 868 ألف ليرة، اعتباراً من هذا الشهر (من دون مفعول رجعي).

إذاً، أقدم مجلس الوزراء في جلسته أمس على إحداث أول تعديل بنيوي على تركيبة الأجر، إلا أن هذا التعديل لا يزال يواجه عقبات قد تحول دون صدوره، في ظل توجه الهيئات الاقتصادية إلى معارضته بكل ما لديها من إمكانات. وتردد بعد الجلسة أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيمتنع عن توقيع المراسيم التي قررها مجلس الوزراء، لكن ميقاتي نفى لـ«الأخبار» هذه المعلومات قطعاً، قائلاً: «أعوذ بالله! هل يُعقل ألّا أوقع مرسوماً اتخذه مجلس الوزراء؟ أنا سأنتظر، وإذا وردني المرسوم بموافقة من مجلس شورى الدولة، فسأوقعه حتماً». ولفت ميقاتي إلى أن «مجلس الشورى عبّر بصراحة في واحد من قراراته الأخيرة عن عدم جواز تدخل الدولة في أي اتفاق بين أرباب العمل والعمال. وقد توصلنا أمس إلى اتفاق وقّعه الطرفان، لكن أكثرية مجلس الوزراء وافقت على غير ما اتُّفق عليه». واستغرب ما جرى، قائلاً: «إذا كان القاضي راضي فلماذا نتدخل؟». ورأى ميقاتي في ما جرى «انتصاراً للعملية الديموقراطية بعدما انقسم مجلس الوزراء بين مؤيد لتصحيح الأجور من دون ضم بدل النقل إليها، ومؤيد للتصحيح مع إضافة البدل». ولفت إلى أن التصويت «كان سياسياً، وقد أدخِلت السياسة في الاقتصاد، سائلاً: ثمة مؤسسات كثيرة ومصانع تؤمن لعمالها وسائل نقل، فكيف نفرض عليها ضم بدل النقل إلى الأجر؟». وأبعد من ذلك، يرى رئيس الحكومة خطورة على الاقتصاد نتيجة قرار مجلس الوزراء أمس، لكونه يخشى من أن يؤدي رفع الحد للأجور إلى تضاؤل فرص العمل خلال السنوات المقبلة.

وكان مجلس الوزراء قد شهد نقاشات حامية في ملف تصحيح الأجور، ما استدعى دعوة ممثلي الهيئات الاقتصادية وقيادة الاتحاد العمّالي إلى قصر بعبدا لمواكبة هذه النقاشات، واضطر الرئيس ميقاتي إلى الخروج من الجلسة 4 مرّات لإدارة التفاوض بين الطرفين بغية التوصل إلى اتفاق وتوقيعه لطرحه على مجلس الوزراء. وواكب ميقاتي في هذا التحرّك وزير الصحّة علي حسن خليل الذي غادر الجلسة مرتين للقاء المفاوضين، في حين أن وزير العمل التقاهم مرّة واحدة وأبلغهم أنه لن يقبل بأي اتفاق لا يعالج المخالفات القانونية السابقة ولا يؤمّن حقوق الإجراء ومصالح مؤسسات الإنتاج. وكانت هواتف الوزراء «شغّالة» كل هذا الوقت لتنسيق المواقف مع قيادتهم السياسية، إلى أن جاء الرئيس ميقاتي إلى الجلسة حاملاً ورقة موقّعة من رئيس الاتحاد العمّالي غسان غصن والأمين العام للاتحاد سعد الدين حميدي صقر ورئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام ورئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير ورئيس جمعية تجّار بيروت نقولا شمّاس ورجل الأعمال جاك صرّاف، وقال إنها تجسّد اتفاق الأطراف المعنية بتصحيح الأجور في القطاع الخاص. وينص هذا الاتفاق على زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة وإعطاء زيادة بنسبة مئوية تساوي 200 ألف ليرة على الشطر الأول حتى مليون ليرة وتساوي 50 ألف ليرة على الشطر الثاني حتى مليون و500 ألف ليرة وتساوي 50 ألف ليرة على الشطر الثالث حتى مليوني ليرة. وزيادة المنحة التعليمية إلى مليون و500 ألف ليرة وترك مسألة زيادة بدل النقل لمفاوضات مقبلة، في ضوء تعهّد الرئيس نبيه بري لقيادة الاتحاد العمّالي إيجاد حل في وقت لاحق لهذه المسألة، على حد قول مصادر قيادية في الاتحاد العمالي.وفي مقابل طرح ميقاتي، أصرّ وزير العمل على احترام المادة 66 من الدستور التي تنص على أن تقديم الاقتراحات هو من صلاحيات الوزير المعني. ورغم محاولة رئيس الجمهورية تجاوز هذا الأمر مرّات عدّة، أصرّ نحّاس على احترام صلاحياته، طالباً التصويت على اقتراحه، وإلا فإنه لن يوقّع أي مرسوم يتضمن مخالفات قانونية. عندها، استجاب الرئيس ميشال سليمان لطلب التصويت، وهو ما ربطه عدد من الوزراء بعملية حسابية أظهرت أن مشروع نحّاس سيسقط؛ إذ إن وزير الصناعة فريج صابونجيان كان قد اتخذ موقفاً ضد المشروع في الجلسة، فيما شارك وزير الصحّة في الدفع إلى الاتفاق الموقّع بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمّالي، فضلاً عن مغادرة الوزيرين فيصل كرامي وسليم كرم الجلسة لارتباطهما المسبق بمناسبات خاصة. إلا أن نتيجة التصويت جاءت صادمة؛ فقد صوّت لمشروع نحّاس 15 وزيراً من أصل 27 وزيراً كانوا في الجلسة، وعارضه 11 وزيراً، فيما امتنع وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، مفسراً ذلك، في ما بعد، بأنه نتيجة عدم مشاركة هيئة التنسيق النقابية، التي «باتت المحرك الرئيسي للتحركات النقابية في الشارع»، في صياغة اتفاق الرئيس ميقاتي.

وصوّت لمشروع نحاس وزيرا حركة أمل علي حسن خليل وعدنان منصور ووزيرا حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن ووزير الحزب القومي علي قانصو ووزراء التيار الوطني الحر جبران باسيل وشربل نحّاس وفادي عبود ونقولا صحناوي وشكيب قرطباوي وغابي ليون ووزيرا الطاشناق بانوس مانجيان وفريج صابونجيان ووزير المردة فايز غصن. واللافت كثيراً هو تصويت وزير الداخلية مروان شربل لمشروع نحّاس. أمّا الذين صوّتوا ضد المشروع، فهم إلى الرئيس ميقاتي، وزراؤه نقولا النحاس ووليد الداعوق وحسان دياب وأحمد كرامي ووزير المال محمد الصفدي والوزراء سمير مقبل ونقولا فتوش وغازي العريضي وعلاء الدين ترو ومروان خير الدين.
وأبرزت نتيجة التصويت، بحسب مصادر في قوى 8 آذار، فاعلية آلية التنسيق التي أقرت للعمل بين المكونات الرئيسية الثلاثة للأكثرية، أي التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله، والتي اتفق وزراؤها في اجتماعيهم الأخيرين على دعم بنود مشروع نحاس، باستثناء بند دعم الأجور من الدولة، وهو البند الذي حالت البلبلة في مجلس الوزراء دون الوصول إلى التصويت عليه.

هذه النتيجة عدّها وزير العمل في بيان أصدره بعد الجلسة بمثابة تصحيح بنيوي يطال الأجور ويطوي 16 عاماً من الاعتداء المتواصل عليها وعلى حقوق العمّال والموظّفين، وقال إن «حكومة كلنا للوطن كلنا للعمل» أنجزت خطوة حاسمة في مسارها نحو التغيير والإصلاح، مبشراً الأُجراء بأنهم سيتقاضون في نهاية هذا الشهر أجراً حقيقياً محصّناً بقوّة القانون. وأكد نحاس أن «هذا الإنجاز سيُستكمل بمراجعة دروية للأجور وفقاً لمؤشرات غلاء المعيشة، ما يضع حدّاً نهائياً للمخالفات القانونية السابقة التي شوّهت الأجر وأفقدته حصانته».
وقد رحّبت مصادر هيئة التنسيق النقابية بهذه القرارات، ورأت أن تحرّكاتها أثمرت إنجازاً كبيراً يستدعي تطويره عبر المزيد من التحسين في قيمة الأجور. أمّا الاتحاد العمّالي العام الذي يشهد انقساماً حادّاً في صفوفه برز بوضوح في مفاوضات اللحظة الأخيرة في قصر بعبدا، فهو يتجه إلى إعلان إلغاء دعوته للإضراب في السابع والعشرين من الشهر الجاري، لأن ما قرره مجلس الوزراء يتجاوز كثيراً، نوعاً وكماً، الاتفاق الموقّع مع الهيئات الاقتصادية، بحسب ما أوضحت مصادر قيادية فيه.
من جهتها، تنوي هيئات أصحاب العمل الاجتماع اليوم لإعلان غضبها على هذه القرارات، وجرت اتصالات بين أركان الهيئات اتُّفق خلالها على تكرار تجربة إسقاط مرسوم الوزير إلياس سابا في عام 1973 عندما أعلِن «إضراب تجاري» أدى إلى إسقاط مرسوم تحديد نسب الأرباح. واستغرب رئيس اتحاد غرف التجارة محمد شقير إسقاط «اتفاق توصّل إليه ممثلو القطاع الخاص والاتحاد العمالي العام» وقال: «فليتحمّل هذا الوزير إفلاس المصانع وليتحمّل من سيُطردون من وظائفهم». ورداً على سؤال، أجاب: «إذا وافق مجلس شورى الدولة على القرارات، فإنّ الهيئات الاقتصاديّة ستفتح مجلس عزاء عن روح الصناعة اللبنانية!».

وإلى قرار تصحيح الأجور، عدّل مجلس الوزراء سلاسل ورواتب مستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان، وقرر قبول هبة إيرانية بقيمة مليون دولار لحساب وزارة الطاقة والمياه لتنفيذ سد بلعا في البترون. فيما أعاد اقتراح تعيين أمين عام لوزارة الخارجية ومدير للشؤون السياسية والقنصلية في الوزارة، إلى وزير الخارجية لأن الاقتراح يتضمن اسماً واحداً لكل واحد من المنصبين، بينما الآلية المتفق عليها تنص على تضمين اقتراحات التعيين ثلاثة أسماء يختار مجلس الوزراء اسماً منها.
وفي إشارة إلى تطرق الجلسة إلى ما كشفه وزير الدفاع فايز غصن أول من أمس، من معلومات عن تهريب أسلحة وعناصر من تنظيم القاعدة عبر «بعض المعابر غير الشرعية، ولا سيما في عرسال»، جدد مجلس الوزراء، بحسب المعلومات الرسمية عن الجلسة، تأكيد «الدور الوطني الذي يقوم به الجيش رغم الافتراءات السياسية المغرضة التي تطاله، وأكد المجلس قراراته الثابتة لمواجهة محاولات التسلل مهما كان نوعها، ولا سيما لأية مجموعة إرهابية عبر الأراضي اللبنانية».
وفي سياق متصل، علم أن الوزير علي قانصو أثار قضية الطائرة الإيطالية التي نقلت إلى مطار بيروت مساعدات للنازحين السوريين كهبة للهيئة العليا للإغاثة، لافتاً إلى ما قيل عن أن هذه الهبة جاءت بناءً على طلب رئيس «المجلس الوطني السوري» برهان غليون. فرد رئيس الحكومة بالقول إن وصول هذه الطائرة لا صلة له «لا ببرهان غليون ولا بغيره، وهذه الهبة ستخضع لقرار من مجلس الوزراء».
ولفت في جلسة أمس، أن رئيس الجمهورية الذي كان قد استقبل نهاراً وفد نواب بيروت للمطالبة بـ«بيروت مدينة منزوعة السلاح»، أثار في كلمته في مستهل الجلسة، مسألة الحوادث الأمنية التي قال إنها «على ازدياد»، ليصل إلى القول «إن المطالبة بنزع السلاح هو مطلب محق يجب إيلاؤه الأهمية بحيث يكون موضوع نقاش وبحث جدي».  

السابق
ميقاتي لن يوقع على مرسوم تصحيح الاجور قبل موافقة مجلس شورى الدولة
التالي
نماذج من مصالح الحراميي…