إقرار مشروع نحاس للأجور بالتصويت السياسي.. يعيد الحلف الثلاثي

انكسر الرئيس نجيب ميقاتي أمام وزير العمل شربل نحاس في ملف "تصحيج الأجور"، لكن الأهم أن "رسالة" ثلاثي "حزب الله" -"أمل" – "التيار العوني" وصلت إلى ميقاتي، ولا شك أنه قرأها جيداً، أن مرحلة جديدة بدأت بـ"الديموقراطية"، وما عليه إلا الرضوخ، لأن زمن "اللعب على التناقضات" تحت ستار "الوسطية" قد ولى، هناك أكثرية أثبتت في جلسة مجلس الوزراء بالأمس أن جلسات "شد العصب والأعصاب" التي سبقتها قد فعلت فعلها، وأهمها بلا منازع لقاء الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بالنائب ميشال عون.

سجلت "النهار" سابقة جديدة في سجل السوابق المتعاقبة بسرعة للحكومة الحالية في ملف الأجور، برزت مساء أمس، فما ان أبرم تفاهم تفصيلي بين الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية في اللحظة الاخيرة، وكاد يثبته مجلس الوزراء رسمياً، حتى حصل "الانقلاب السياسي" الموصوف على التفاهم الذي رعاه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وسدد "الثلاثي": "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" وحركة "أمل" ضربة الى التفاهم على طريقة "الثأر" الديموقراطي بالتصويت، معمداً التحالف المتجدد بين العماد ميشال عون والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد ساعات من لقائهما برد الاعتبار الى مشروع وزير العمل شربل نحاس.
علقت "المستقبل" على ما وصفته بـ"المسرحية الهزيلة" :"شهد مجلس الوزراء في جلسته أمس واحدة من أغرب فصول العمل السياسي والنقابي والمؤسساتي في تاريخ لبنان، بل إن وزراء أكدوا لـ"المستقبل" "أننا كنّا إزاء حكومتين في جلسة واحدة، ولم يسبق أن بلغ الانقسام على خلفية حسابات خاصة وشخصية، ذلك المبلغ، والنتيجة هي أن البلد في جملته والعمال ومصالحهم والهيئات الاقتصادية سيدفعون ثمناً غالياً لما حصل".

قالت "السفير": إذا كان قرار مجلس الوزراء يحتمل أكثر من قراءة اقتصادية، إلا ان الأكيد ان هناك قراءة سياسية واحدة له، وهي ان معادلة جديدة قد وُلدت أمس، ترتكز على بروز "قوة حكومية ضاربة" قوامها وزراء "أمل" و"حزب الله" و"التغيير والإصلاح" و"القومي" الذين قاموا بما يشبه "استعراض القوة" في مجلس الوزراء، وأعادوا صياغة موازين القوى فيه، بما أتاح لفريق 8 آذار في الحكومة استعادة فعالية "الأكثرية" التي بدت أحيانا "هلامية"، وصولا الى النجاح في تحقيق أرجحية حاسمة. وبهذا المعنى، فإن "الحلف الثلاثي" المتجدد، ترجم أمس "تدريباته" الطويلة خلال الايام الماضية بشكل ملموس، موجها رسالة الى من يهمه الأمر، وخصوصا الى الرئيس ميقاتي فحواها ان تعديلات جوهرية طرأت على "قواعد الاشتباك" في مجلس الوزراء، وأن التناقضات التي أجادت الكتلة الوسطية اللعب على أوتارها سابقا قد تقلصت، بما أفقد هذه الكتلة ورقة رابحة.

أفادت "النهار" أن ميقاتي كان نجح في رعاية اتفاق طرفي الانتاج في سابقة أولى في تاريخ العلاقة بينهما وتوصلا بموجبه الى تفاهم خطي. وساهم في هذه التسوية وزير الصحة علي حسن خليل مفوضاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وسارع الى ابلاغ مجلس الوزراء ذلك. لكن المفارقة برزت عندما طلب وزير العمل شربل نحاس طرح مشروعه على التصويت اذ انضم حسن خليل الى المصوتين الى جانب هذا المشروع، ما دفع مصادر وزارية إلى التساؤل عبر "الجمهورية" عن دخول الرئيس نبيه بري على خط المفاوضات :" "لماذا تمّ تضييع كل هذا الوقت إذا كان الموضوع سيُطرح على التصويت منذ البداية؟، مؤكدة أنّ بعض الوزراء تفاجأوا بموقف وزراء حركة "أمل" وسألوا عمّا إذا كانت هذه رسالة دعم لعون.
ذكرت "النهار" أن بلبلة واسعة تسربت الى العلن بعدما تبلغ ميقاتي قبيل بداية الجلسة ورقة تتضمن الاتفاق الخطي بين الاتحاد والهيئات، فرفع اشارة النصر أمام الصحافيين قائلا: "لقد اتفقوا"، موضحا ان الحد الادنى المتفق عليه هو 675 ألف ليرة. كما ان رئيس الاتحاد العمالي العام الذي حضر الى بعبدا أعلن رفع الاضراب المقرر في 27 كانون الاول الجاري. ولكن بدا ان وزير العمل كان مهيئا لطرح مشروعه على التصويت بشكل مفاجئ بتدبير بين الاطراف الثلاثة، فسارع في الجلسة الى اعلان رفضه الاتفاق بين الاتحاد والهيئات طالبا طرح مشروعه على التصويت. وأجابه ميقاتي: "اذا صوتنا على مشروعك نخشى ألا يوافق عليه مجلس شورى الدولة وأن نعود مجددا الى نقطة الصفر، في حين ان الغلاء سبق الزيادات، عندها ماذا نكون قد فعلنا". لكن نحاس أصر ومعه فريقه السياسي على طرح مشروعه على التصويت.

لاحظت "النهار" ان الرئيس ميقاتي اكتفى بعد الجلسة بالاشارة الى ان مجلس الوزراء صوّت لمصلحة مشروع الوزير نحاس "لكن المهم ان تقبل به الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام" وغادر قصر بعبدا من دون المشاركة في حفلة غنائية ميلادية اقيمت في القصر. واذ اوضح الوزير نحاس انه سيرسل مراسيم زيادة الاجور اليوم الى مجلس شورى الدولة، بدا الوزير جبران باسيل واضحاً في قوله "هناك معادلة جديدة في الحكومة، يجب ان يعرف الآخرون كيف يتعاملون معها".
أبلغت مصادر وزارية في "تكتل التغيير والاصلاح" "السفير" ان ما حصل في مجلس الوزراء "يشكل انتصارا لمنطق الدستور والقانون من خلال التصويت على مشروع الوزير المختص، وإسقاط قصاصة الورق التي طبخها الرئيس ميقاتي في غرف جانبية مع الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية، قافزا فوق الأصول الدستورية وصلاحيات وزير العمل وحقه الحصري في اقتراح تصور تصحيح الأجور". ورأت ان قرار مجلس الوزراء "هو تدشين لمرحلة جديدة، يجب ان يعتاد جميع الأطراف التعايش معها، وقاعدتها ان هناك أكثرية حقيقية قررت ان تقول انها موجودة وأن تتصرف على هذا الاساس".

قال الرئيس ميقاتي ليلاً لـ"النهار" ان "التصويت كان تعبيراً ديموقراطياً"، وانه "يحترم نتيجته". واضاف: "لا اعرف اذا كانت الهيئات الإقتصادية ستقبل به. نحن سعينا الى ان تتفق الهيئات والاتحاد العمالي وقد توصلت فعلاً الى ورقة مشتركة لم يؤخذ بها. ولا اعلم اذا كان مجلس شورى الدولة سيقبل به". واعتبر ان التصويت الذي حصل "كان تصويتاً سياسياً" ولم يستبعد ان "يكون رد اعتبار الى حليف سياسي".
أكد ميقاتي لـ"السفير" أن "ما حصل واضح في السياسة، وقد وصلتني الرسالة وأنا أتقبلها، عملا باللعبة الديموقراطية. لقد أراد فريق 8 آذار أن يعبر عن تضامنه مع العماد ميشال عون.. أنا أتفهم الاعتبارات السياسية التي تقف خلف هذا الموقف، ولكن على الجميع ان يدركوا ان هذه الاعتبارات ستترك تداعيات اقتصادية فادحة (..) فالمشروع المُقر سيتسبب بحالة تضخم كبيرة".

تردد بعد الجلسة أن ميقاتي سيمتنع عن توقيع المراسيم التي قررها مجلس الوزراء، لكنه نفى لـ"الأخبار" هذه المعلومات قطعاً، قائلاً: "أعوذ بالله! هل يُعقل ألّا أوقع مرسوماً اتخذه مجلس الوزراء؟ أنا سأنتظر، وإذا وردني المرسوم بموافقة من مجلس شورى الدولة، فسأوقعه حتماً". ولفت إلى أن "مجلس الشورى عبّر بصراحة في واحد من قراراته الأخيرة عن عدم جواز تدخل الدولة في أي اتفاق بين أرباب العمل والعمال. وقد توصلنا أمس إلى اتفاق وقّعه الطرفان (..) وإذا كان القاضي راضي فلماذا نتدخل؟".
الهيئات الاقتصادية تلجأ الى مجلس شورى الدولة
قال رئيس "اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان" محمد شقير لـ"المستقبل" أن "ما حصل في ملف الأجور يشكل فضيحة لن نسكت عنها وسنجتمع مع الاتحاد العمالي (اليوم) لاتخاذ موقف موحّد، والطعن بالقرار أمام مجلس الشورى"، وسأل: "كيف يمكن بيع البلد بالسياسة، وبيع مستقبل لبنان الاقتصادي والصناعي؟"، مستغرباً كيف أن "عون مشي بهذا القرار بعد أن علم خطورة هذا الموضوع خلال زيارة جمعية الصناعيين له".
من جهته، قال رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن لـ"المستقبل" إن "الحكومة اتخذت قراراً مغايراً لما اتفقنا عليه، لكن في المحصلة، النتائج المالية للقرار ليست بعيدة عن الاتفاق"، مضيفاً أن "الهيئات الاقتصادية لن تقبل بالقرار وستطعن به، فإذا تمكنت من ردّه، سنعود إلى الاتفاق الموقع بيننا".

خلصت "النهار" إلى أنه بنتيجة التصويت الذي فرض كاختبار سياسي جديد داخل الحكومة لحلفاء "تكتل التغيير والاصلاح" تم تثبيت التفاهم السياسي بين "التكتل" و"حزب الله" مما أحرج حلفاءهما الآخرين فانضموا اليهما. وسجلت في هذا الاطار مفاجأتان أولاهما ان الصوت المرجح كان لوزير الداخلية مروان شربل الذي وفر غالبية 15 صوتا أيدوا مشروع وزير العمل، والثانية ان وزير الصناعة فريج صابونجيان صوت الى جانب مشروع وزير العمل ايضا بعدما كان قدم مداخلة حمل فيها على هذا المشروع باعتبار انه يشكل عبئا كبيرا على المؤسسات.
فيما امتنع وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، فسر ذلك، في ما بعد، بأنه نتيجة عدم مشاركة هيئة التنسيق النقابية، التي "باتت المحرك الرئيسي للتحركات النقابية في الشارع"، في صياغة اتفاق الرئيس ميقاتي.

يلحظ مشروع نحاس الذي صوّت عليه مجلس الوزراء رفع الحدى الادنى للاجور الى 868 ألف ليرة، ويعيّن الحد الادنى الرسمي للاجر اليومي بـ 33 ألف ليرة ويتضمن الحد الادنى بدل النقل. واعتباراً من تاريخ صدور المرسوم يعتبر بدل النقل البالغة قيمته 236 ألف ليرة شهرياً عنصراً فعلياً من الاجر ويدخل في احتساب تعويض نهاية اخدمة. وتضاف الى الاجر زيادة غلاء معيشة مقدارها 18 في المئة على الشطر الاول حتى مبلغ مليون و500 الف ليرة، و10 في المئة على الشطر الثاني الذي يزيد على مليون ونصف مليون ليرة ولا يتجاوز مليونين ونصف مليون ليرة.
قال نحاس في بيان أصدره ليلاً "انه في نهاية هذا الشهر سيتقاضى الاجراء اجراً حقيقياً محصناً بقوة القانون". وأكّد لـ"اللواء" انه سيرسل المشروع اليوم إلى شورى الدولة للرد عليه بسرعة، وإذا تمت الموافقة عليه سيرسل فوراً إلى الجريدة الرسمية، على أن يبدأ مفعوله من هذا الشهر•
لكن مصادر وزارية توقعت لـ"الجمهورية" أن يطعن مجلس شورى الدولة بهذا القرار بسبب تضمين رأيه الأخير أنه "إذا اتفقت الهيئات الاقتصادية مع الاتحاد العمّالي فليس على الحكومة أن تتدخل بينهما". وعليه، استنادا إلى هذه النقطة توقعت المصادر أن يردّ مجلس الشورى هذا القرار.
 

السابق
رسالة خطية
التالي
قبعة المالكي وحرير الأكراد