همس عوني: المشروع الأرثوذكسي ينهي المسيحيين

في لحظة التعبئة السياسيّة مسيحياً مع مشروع اللقاء الأرثوذكسي، تهمس أصوات عونيّة بمخاطر هذا المشروع: يضرب السلم الأهلي، يُفتت البلد، والأهم يتناقض مع مبادئ التيار السيادي ومع مبدأ حماية المسيحيين

كما كان متوقعاً، لم يخض التيّار الوطني الحرّ معركة القانون النسبي. النسبيّة ليست معركته. خضع رئيس التيّار ونوابه لابتزاز القوّات اللبنانيّة وحزب الكتائب، ليتبنوا مشروع اللقاء الأرثوذكسي، رغم بعد هذا المشروع عن الإصلاح، بُعد الرابية عن معراب، وإن كان قريباً من التغيير، لكنه التغيير نحو الأسوأ .

لم يمرّ الأمر داخل التيّار الوطني الحرّ مرور الكرام. بدأت أصوات بالهمس اعتراضاً. بعض المعترضين سكت على مضض وعلى أمل أن الموافقة ــــ المسايرة ستنتهي في اللحظة التي يرفض فيها «الآخر»، أي المسلم بطوائفه، هذا المشروع. لكن معترضين آخرين كانت لديهم جرأة التعبير عن هذا الرفض، وإن كان تعبيراً خجولاً. ناصيف قزي، أحد هؤلاء، وإن كان المشروع مفيداً له انتخابياً إذا تبنى عون ترشيحه في الشوف. يقول قزي في بيان له إن «هذا المشروع، بكل بساطة، يُسقِط معنى لبنان الرسالة، أولاً، وفكرة المواطنة، ثانياً. ويكرّس تعدد الولاءات التي تزول معها «الشخصية اللبنانية»، التي عمل على تظهيرها موارنة كبار، على مدى قرون». ويرى أنه قد يُحقق ما لم تحققه الحروب «تعددية مجتمعية على طريق تجزئة الكيان السياسي، فهو يطرح بالتالي شكلاً من أشكال الفدرالية المجتمعية التي قد تبلغ في نهاية المطاف الفدرالية الجغرافية».

وبالنسبة إلى المستوى السياسي داخل التيّار الوطني الحرّ، يقول مسؤول العلاقات السياسية مع الأحزاب في التيار: «في ما يتعلق بي شخصياً، كأكاديمي منضو تحت لواء التيار الوطني الحر، فإن المشروع المقترح، بالإضافة إلى أنه يتناقض جذرياً مع المنطلقات التي قام عليها التيار السيادي، الرافض أصلاً للنظام الطائفي، شكلاً ومضموناً، والساعي أبداً لتحقيق دولة مدنية عادلة وقادرة، لا تتعدد فيها الولاءات».

كلمات قزي جريئة. لم يجرؤ كثيرون في التيّار الوطني الحر على الجهر بموقف كهذا، رغم أن الهمس داخل التيار يزداد. يتلطى من يرفض مشروع اللقاء الأرثوذكسي خلف كلام عون في اجتماع بكركي الذي دعا فيه إلى انفتاح المسيحيين لا إلى انغلاقهم. ويقول أحد العونيّين إن الاختلاف داخل التيّار طبيعي. السبب، برأيه، تنوع المشارب الفكرية لأعضاء التيار. فهناك من يأتي من خلفية كتائبية، ومن يأتي من خلفية كتلوية أو قومية أو يسارية أو فقط مسيحية يمينيّة. وبالتالي من المتوقع أن يتظهّر الخلاف العوني حول المشروع مع الأيام كلمّا أصبح الطرح أكثر جدية.
يعزو بعض معارضي مشروع اللقاء الأرثوذكسي في التيار عدم تصاعد أصوات الرفض بسرعة إلى اقتناع هؤلاء بأن المشروع سيسقط عند بدء لجنة المتابعة المنبثقة من اجتماع بكركي جولاتها على القوى السياسية الأخرى.
اللافت أن أحد عتاة اليمينيّة في تكتل التغيير والإصلاح، النائب نعمة الله أبي نصر، يتخوف من أن عدم قبول «الآخر المسلم» لهذا المشروع قد يجر البلد إلى حربٍ أهليّة. لكن أبي نصر يؤيد مشروع اللقاء الأرثوذكسي، ويؤيد النسبية. ويُعد نواب كسروان في التكتل أبرز المدافعين عن مشروع اللقاء الأرثوذكسي، وأبرزهم فريد الخازن ويوسف خليل، يضاف إليهم النائبان حكمت ديب وإبراهيم كنعان.

أمّا أشرس المعارضين للمشروع، فهم النواب نبيل نقولا وإدغار معلوف وعباس هاشم وسليم سلهب وناجي غاريوس وزياد أسود والنائب السابق سليم عون. لهؤلاء مبرراتهم، منها الخوف على السلم الأهلي، ومنها أن القانون يؤدي إلى شرذمة الطوائف بدل دفع البلد إلى مزيد من العلمنة.
لكن لهؤلاء حذرهم أيضاً. «مشروع اللقاء الأرثوذكسي بطبيعته يجذب الناخب المسيحي. عفوية المشروع توحي بأنه يضمن حقوق المسيحيين، لذلك فإن مواجهته صعبة» يقول أحد المعارضين للمشروع داخل التيار. إذاً، هو ربما الخوف على الشعبية.
يدور الهمس، والأصوات التي تعلو قليلة. أحد الهامسين يتحدّث في جلساته المغلقة عن خوف على الواقع المسيحي بعد قانون كهذا. هو يُصر على أن أمل المسيحيين في البلد هو في جرّه نحو المدنية إذا لم نقل العلمانية. باعتقاده، إن التمذهب والطائفيّة باتا ضدّ المسيحيين بامتياز. يسحب إحصائيات الأعداد الديموغرافية من درج مكتبه. هنا تكمن المشكلة برأيه. يُضيف أنه إذا لم يعترف المسيحيون بالأمر ويتوقفوا عن التعداد الطائفي، فإنهم سيصحون ذات يوم على أصوات إسلامية تنادي بعودة التوزيع البرلماني إلى شاكلة 6 مقابل 5، ستة مسلمين مقابل خمسة مسيحيين. باعتقاده، اللقاء الأرثوذكسي يُمهّد لهذا الواقع. لذلك، يجب أن يتدارك المسيحيون الوضع بأكثر سرعةٍ ممكنة. يُكرر الرجل أنه لا حل لمشكلة الديموغرافية إلا بتجاوز الواقع المذهبي، «أو بإقناع المسيحيين بإنجاب ستة أولاد لكل عائلة، أو منع المسلمين من إنجاب أكثر من ولد» يقول الرجل متهكماً.

إنه دفن الرأس في الرمال. هكذا يصف هذا العوني مشروع اللقاء الأرثوذكسي، ويدعو إلى رفع الرأس قليلاً، والصوت أكثر لمواجهة «المزايدات المسيحية التي قد تقضي على مَن بقي من مسيحيين».  

السابق
الخطوة لم تكتمل
التالي
شبيبة في خطر