الرئيس الأسد يرمي بكرة البروتوكول

لقد اعتقد الكثيرون، أن توقيع دمشق مع جامعة الدول العربية بروتوكول إرسال بعثة من المراقبين إلى سورية للإشراف على تنفيذ المبادرة العربية بهدف إنهاء الأزمة. خطوة سورية نابعة من ضعف وانكسار داخلي ومحاولة للخروج من مأزق، غير أن من يقرأ تفاصيل ما جرى نتيجة المواقف المسبقة للمعارضة في الخارج التي عبّرت عن ذهولها من الخطوة السورية فاعتبرتها بأنها للمراوغة، يكتشف أن القيادة السورية عندما ذهبت إلى هذا الخيار، قد ذهبت من باب إلقاء الحجة على الآخرين واسقاط ما في يدهم، لأن هذه القيادة هي في أمسّ الحاجة إلى مراقبين لنقل صورة ما يجري على حقيقته، واكتشاف أن الرأي العام العربي والدولي هو ضحية تضليل اعلامي مارسته وماتزال بعض الأقنية العربية وتحديداً قناتي «الجزيرة» و«العربية» والاعلام المعادي طبيعة الحال.

إن ماحصل على مستوى القرار في سورية هو تتمة منطقية للمشروع الروسي في مجلس الأمن الذي يدعو إلى إدانة العنف من الجانبين وهو مارفضته الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، من منطلق أن قبولهما بذلك يعني اعترافهما بوجود من يعتدي على الجيش السوري والقوى الأمنية والمواطنين، وما من شك أن التوقيع السوري على البروتوكول العربي معناه شعور النظام في سورية بقوة موقفه، وبقوة حجته، وبقوة حضوره السياسي ومنطقه وحضوره الأمني، فضلاً عن أن هذه الخطوة الجبارة تزامنت مع خروج آخر جندي أميركي من العراق وهو ما يعطي معنويات كبرى لكل دول الممانعة في المنطقة وتحديداً سورية.

وفي الوقت الذي تتسم فيه القيادة السورية باعصابها الباردة التي عبر عنها وزير خارجيتها وليد المعلم خلال مؤتمره الصحافي الذي أعلن من خلاله توقيع سورية على البروتوكول وفق التعديلات التي طلبتها، فإن المعارضة السورية في الخارج هي الآن تحت وطأة الصدمة التي ستحاول التغطية عليها بشن هجوم دائم ومتواصل على القيادة السورية، وسيتعرض التوقيع على البروتوكول من الآن وصاعداً إلى عملية قصف اعلامي واتهام سورية بنسفه وعدم تطبيقه.  أما على المستوى العربي فقد أدت الخطوة السورية إلى إحداث انقسام داخل الجامعة العربية بين من يعتبر أن سورية بحاجة إلى حل عربي للخروج من أزمتها، ولا مبرر على الإطلاق باللجوء إلى التدويل، وبين من يريد الحل الأميركي و«الإسرائيلي» واللجوء إلى مجلس الأمن اعتقاداً منه أنه من الممكن الوصول إلى قرار أممي شبيه بالذي صدر ضد ليبيا وأدى إلى التدخل العسكري والقضاء على الرئيس معمر القذافي ويأتي في مقدمة أصحاب هذا التوجه دولة قطر.

ومقابل هذا الانقسام العربي وتخبط المعارضة فإن سورية كدولة، ممسكة بالكامل بالوضع الأمني، ومرتاحة إلى أبعد الحدود على المستوى السياسي، وقد رمى الرئيس بشار الأسد بخطوة توقيع البروتوكول الكرة في ملعب الآخرين، وفتح الأجواء أمام الإعلام العربي والغربي للاطلاع على مايجري في الداخل السوري، فإذا كان الإعلام صادقاً سينقل الصورة على حقيقتها وسيكتشف العالم زيف ما تدعيه المعارضة والقوى التي تساندها، أما إذا كان هذا الإعلام مسيَّساً وهو الأرجح، فيجب أن نتوقع تقارير اخبارية بعناوين استخباراتية قد تنجح في مكان ما، لكن في نهاية المطاف ستفشل في التعمية على الحقيقة التي باتت جلية لغالبية الشعب السوري ولجميع القوى الحية والمقاومة في المنطقة. وفي هذا المجال فإنه يعوّل على الإعلام الأجنبي لجهة تناول الأمور بموضوعية وعلى حقيقتها وهو ماتريده القيادة في سورية لدحض الادعاءات والاضاليل التي ما فتئ بعض الإعلام العربي في بثها لتشويه صورة ما يحصل وتصوير وكأن الجيش والقوى الأمنية السورية تقوم بعمليات قتل وتدمير واعتقالات بحق المدنيين.

عملياً الآن إن أكبر الرابحين هو الرئيس بشار الأسد الذي رمى الكرة في الملعب العربي والدولي، مستفيداً من الاتفاف الشعبي ووفاء القيادة العسكرية وتفهم الشعب السوري لما يجري كما أن الخروج الأميركي من العراق يبعث أيضاً على الارتياح لدى القيادة في سورية، وفي مقابل ذلك فإنه بات على العرب أن يعلنوا حقيقة ما يجري ويُفسِحوا في المجال أمام استكمال عملية الاصلاحات بما يتناسب والمصلحة السورية وليس الخارجية، وإلا فإن آخر الحلول سيكون الكي، وستمارس سورية حقها في معالجة مايتهددها عن طريق الحل الذي يتوافق مع ذلك ولا ضرر إذا كان هذا الحل أمنياً، فسورية اليوم تقول للعرب الذهاب إلى الحل السياسي، وإما سنقوم بالعملية الجراحية التي باتت ضرورية لاستئصال هذا المرض الخبيث الذي يتهدد مصير سورية دولةً وشعباً، ولقطع الطريق أمام ما ينسج من مؤامرات في السرِّ والعلن عربياً وغربياً لجعل سورية تتصدَّع من الداخل وجعلها بالتالي لقمة سائغة يسهل ابتلاعها.

إن الصورة أنقلبت الآن، فبعد أن كانت الدول العربية تحدد لسورية المهل للقبول بشروط المبادرة، ها هي دمشق أمسكت من جديد بزمام المبادرة وهي الآن التي يحق لها أن تعطي العرب مهلاً لإبداء حسن النية والمساعدة في تنفيذ ما أتُفِقَ عليه.  

السابق
السفيرة الاميركية..
التالي
طلب الإعدام لمشيمش وإرجاء محاكمة كرم