قانصو: الاقتراح الارثوذكسي يعيدنا الى المتصرفية

فيما لبنان بحاجة إلى قيام دولة مدنية مبنيّة على المواطنة وفق صيغة فصل الدين عن الدولة، فضلاً عن إلغاء الطائفية في المجتمع وفي الدولة، سارع لقاء الأقطاب الموارنة في بكركي الى تكليف لجنة متابعة ببدء التشاور مع المكوِّنات الوطنيَّة، انطلاقاً من طرح اللقاء الارثوذكسي الذي يقوم على أن تنتخب كل طائفة نوابها، واعتباره صيغة صالحة لتحقيق التمثيل العادل والفاعل لكل الفئات الشعبيَّة، ولترسيخ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين التي تكرّس صيغة العيش المشترك.
رئيس المكتب السياسي المركزي في الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو توقّف عند ما صدر عن لقاء بكركي ليؤكد أنه من المؤسف أن نسمع في "بيان بكركي" أن منطلق البحث في قانون الانتخابات النيابية هو مشروع اللقاء الأرثوذكسي الذي يقوم على أن تنتخب كل طائفة نوابها.
وأشار قانصو في حديث إلى "البناء" الى أن الانطباع الأولي "أن البعض لا يريد فقط أن يردّنا إلى قانون 1960 أي خمسين سنة إلى الوراء، بل إنه يريد إعادتنا 150 سنة إلى الوراء، إلى زمن المتصرّفية حين كان البلد قائماً على صيغة فدرالية طائفية، وهنا مكمن الخطورة في هذا الطرح.

الانتماء إلى الوطن لا للطائفة

ويتابع قانصو: "لقد حاول البعض أن يبرّر السير بهذا المشروع بادعاء هواجس عند المسيحيين وهذا يجعلنا نطرح على هذا البعض سؤالاً يفرض نفسه، وهو أن هواجس الطوائف إذا ما وجدت، فلا تُحلّ بمزيد من الطائفية، لأن المزيد منها يعني تعميق المخاوف المتبادلة بين الطوائف، لافتاً الى ان التصدي لهذه المخاوف يكون بالانتقال من الواقع الطائفي إلى الدولة المدنية حيث يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات، وحيث يصبح الانتماء للوطن وليس للطائفة، ولذلك فإن من يريدون العودة إلى صيغ المتصرفية فانهم يريدون العودة إلى صيغ تمثل في رأينا حرباً مفتوحة داخل كل طائفة وبين الطوائف.

ويؤكد أن الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي نادى منذ تأسيسه عام 1932 بفصل الدين عن الدولة وبمنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة وفي شؤون القضاء، هو اليوم أكثر تمسكاً بمشروعه الإصلاحي الذي يمثل حاجة لتطوير النظام السياسي باتجاه لاطائفي، والعنوان الأبرز في هذا المشروع الإصلاحي، توافق اللبنانيين على مشروع قانون للانتخابات النيابية يقوم على لبنان دائرة انتخابية واحدة من خارج القيد الطائفي، لافتاً الى أن كل الصيغ الأخرى المتداولة التي لا تأخذ بعين الاعتبار حاجة لبنان إلى العبور نحو الدولة المدنية هي مشاريع تؤسس لحروب جديدة، مضيفاً: "لقد آن للبنانيين أن يخرجوا منها بشكل نهائي من خلال إصلاح النظام السياسي ناهيك عن أن مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" يطيح اتفاق الطائف الذي نص بصراحة على انتخاب مجلس نيابي من خارج القيد الطائفي، فلماذا الارتداد عن هذا الاتفاق والاتجاه إلى صيغ لا صلة لها لا بفكرة الدولة الواحدة ولا بفكرة المواطنة، وبالتالي تأخذ لبنان إلى مزيد من الصراعات الداخلية التي لن تنجو منها أي طائفة".

المناصفة تتأمن بصيغ أخرى

واذا كان البعض يعتبر ان اتفاق الطائف نص على المناصفة، فان رئيس المكتب السياسي في "القومي" يشدد على أننا "نستطيع أن نحافظ مرحلياً على قاعدة المناصفة ولا أحد من القوى السياسية يقول انه يحب تجاوز هذه القاعدة وبالتالي نحدث خللاً في الصيغة، الا أننا نستطيع أن نجد قوانين انتخابية أخرى تحافظ على هذه الصيغة من جهة، لكنها تخطو بالنظام السياسي باتجاه لاطائفي".

واذا كانت خلفية "الطرح الأرثوذكسي" هي تحقيق المناصفة، فهذه المسألة يراها قانصو تتأمّن بصيغ أخرى، ليس لها الطابع الطائفي ."فإذا اعتمد في المرحلة الأولى لبنان دائرة واحدة وعلى أساس النسبية، نستطيع أن نحافظ كمرحلة أولى على المناصفة، لكن دون أن تنتخب كل طائفة نوابها، فكل اللبنانيين في صيغة لبنان دائرة واحدة ينتخبون مرشحين من كل الطوائف ومن كل المذاهب، هذا يحافظ من جهة على حقوق الطوائف، ومن جهة ثانية يؤمن المناخات اللازمة لعملية الانصهار الوطني ولمشاركة اللبنانيين جميعاً بانتخاب ممثليهم إلى المجلس النيابي، كما أنه يعطي معنى للتعريف الذي أعطاه دستورنا للنائب والذي هو نائب الأمة، فكيف يمكن أن يكون النائب نائباً عن الأمة، إذا كانت كل طائفة تنتخب مرشحها، عندها النائب يصبح نائباً عن طائفة وليس عن الوطن.
وأكد قانصو أن موقف الحزب حازم ضد هذا المشروع ولن يقبل السير به، باعتباره مشروع حرب بين الطوائف ويشكل خطراً على وحدة الوطن ويؤسس لفدرالية طوائفية.

واذ أشار الى "أنه من خلال هذا المشروع اليوم كل طائفة تختار نوابها، وغداً كل طائفة تختار وزراءها والمدراء العامين.."، رأى أن بعض القوى السياسية التي شاركت في لقاء بكركي لن تذهب إلى النهاية في هذا المشروع وستعيد حساباتها انطلاقاً من مواقف معظم مكونات المجتمع اللبناني . وقال: "حتى الآن لم يقل التيار الوطني الحر انه مع المشروع، ولا رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية، وما رشح عن موافقته في اللقاء يؤشر إلى أنه غير مقتنع بصيغة اللقاء الأرثوذكسي، فيكفي أن يقول إن هذه الصيغة تشكل خطراً على السلم الأهلي ليكون رافضاً لهذه الصيغة".
تصحيح الأجور
وبالانتقال إلى موضوع تصحيح الأجور والقرار الذي اتخذه مجلس الوزراء ولم يوافق عليه مجلس شورى الدولة قال قانصو إنه "إذا كان البعض قد ادعى ان الحزب القومي صوّت داخل مجلس الوزراء الى جانب صيغة الرئيس نجيب ميقاتي، وأنه صوت ضدّ العمال، فان رئيس المكتب السياسي في الحزب القومي يؤكد أن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء أن وزير العمل شربل نحاس عرض مشروعه الذي يتضمن تصوراً لتصحيح الأجور كما يتضمن سلسلة من المراسيم تتصل بالضمان الاجتماعي، وبعد أن أنهى نحاس عرضه للمشروع، لم يفتح باب النقاش، ولو فتح لكان لنا كحزب ملاحظاتنا.
ويتابع: "فور انتهاء وزير العمل من مشروعه، طرح رئيس الحكومة صيغة لتصحيح الأجور وهي الصيغة التي أقرت، والتي باتت معروفة.
ويضيف: "سألت رئيس الحكومة، هل هذه الصيغة تم التفاهم عليها بينك وبين الهيئات الاقتصادية والنقابية فأجاب بـ"نعم، هذه الصيغة هي خلاصة حوار بيني وبين هذه الهيئات"، بعد ذلك سأل رئيس الجمهورية الوزراء هل هناك من يعترض على صيغة رئيس الحكومة فاعترض سبعة وزراء هم وزراء تكتل التغيير والإصلاح، فيما أيده الوزراء الـ16 الآخرون ممن حضروا الجلسة.
وأكد الوزير قانصو أن هذه الوقائع تؤكد الحقائق التالية: أولاً: لم يناقش مشروع وزير العمل.
ثانياً: لم يجر التصويت بالتالي على مشروع وزير العمل، حتى يقال ان من لم يعترض على صيغة رئيس الحكومة صوّت ضد مشروع وزير العمل.
ثالثاً: لم يصوّت حتى على صيغة رئيس الحكومة فرئيس الجمهورية اكتفى بسؤال الوزراء من لديه اعتراض على صيغة ميقاتي، وهذا ليس تصويتاً بل استمزاج رأي، لافتاً الى أن كل الكلام الذي قيل حول هذا الموضوع يعد قفزاً عن هذه الوقائع والحقائق.
ويتابع: "أما لماذا لم نعترض نحن كحزب على صيغة الحكومة، فلأننا سمعنا من الرئيس نجيب ميقاتي أن هذه الصيغة وافقت عليها الهيئات الاقتصادية والنقابية"، وثانياً: لأننا كنا حريصين على عدم التأخير أكثر في إقرار الزيادة للأجراء والعمال، لاننا تجاوزنا فترة الشهرين ولم يكن قد بت بموضوع تصحيح الأجور، فرأينا أن أي تأخير سيكون على حساب الأجراء والعمّال، ونحن لا نقبل أن يظلم هؤلاء الأجراء أكثر.

معركة الدفاع عن الضمان الاجتماعي

أما اتهام الحزب القومي بأنه لم يعترض على الصيغة لأنه ليس مع حقوق العمال والأجراء فالردّ عليه كما يقول قانصو بسيط وهو: "أن هذا الحزب وقبل أن يولد الكثيرون ممّن يقولون هذا الكلام، فأن المسألة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من عقيدته، ولا أحد قبل مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الزعيم أنطون سعاده تحدث عن إنصاف العمال وعن حقوق ممزّقي الثياب، ولا أحد تكلم عن تنظيم الاقتصاد على أساس الانتاج، وأنّ العدالة هي توزيع غنى لا توزيع فقر". وشدّد على "أن كل القوى السياسية التي شاركت الحزب في الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم وكل الهيئات النقابية تعرف مواقف الحزب من المسألة الاجتماعية، فـلا أحد خاض معركة الدفاع عن الضمان الاجتماعي باعتباره أهم مؤسسة من مؤسسات الأمن الاجتماعي، كما خاضها وزراء الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين تعاقبوا على وزارة العمل، من رئيس الحزب النائب أسعد حردان إليّ أنا"، لقد خضنا معركة شرسة بوجه محاولات إسقاط هذه المؤسسة من خلال إفقارها، تمهيداً لخصخصتها". و"نحن نعتزّ بأننا حمينا هذه المؤسسة التي تشكّل أهم ركيزة من ركائز الأمن الاجتماعي في البلد".

قانون لضمان الشيخوخة
وأشار الى "أن كل القوى السياسية تعلم كم عمل وزراء الحزب القومي على قانون لضمان الشيخوخة، فالرئيس حردان عندما كان وزيراً للعمل قدّم صيغة لهذا القانون بعد حوار طويل مع الهيئات الاقتصادية والنقابية والعمالية، وأنا عندما أصبحت وزيراً عدت وأكدت على هذه الصيغة، لأننا نعتبر أن هذه الفئة من اللبنانيين الذين تركوا عملهم بسبب بلوغهم السن القانونية ليس لديهم أي مظلة صحية أو اجتماعية ولا شيء يؤمن لهم هكذا مظلة إلا قانون عصري لضمان الشيخوخة".
وكما يقول قانصو فإن كل كلام يحاول الغمز من تاريخ الحزب القومي في المسألة الاجتماعية ينطلق من خلفيات سياسية أكثر مما يستند إلى وقائع، ولا داعي إلى أن نقدم كل مرة جردة حساب عن مواقفنا المؤيدة دائماً للفقراء وللعمال ولذوي الدخل المحدود.

وفي هذا السياق أكد قانصو "أن المقالة التي نشرتها جريدة الديار لا تستأهل الرد عليها لأنها تضمّنت مجموعة من المغالطات التي قد يكون القصد منها الوصول إلى استنتاجات يريدها كاتب هذه المقالة، ومن هذه المغالطات القول أن الحزب صوّت إلى جانب الرأسماليين.
وقال: نحن لم نكن ولسنا الآن ولن نكون إلى جانب الرأسماليين حتى يفبرك كاتب المقالة هذه التهمة علينا.
أضاف: المغالطة الثانية هي أنّ المجلس الأعلى في الحزب ساءل وزير الحزب عن موقفه داخل مجلس الوزراء، وأنا أنفي هذا الكلام جملة وتفصيلاً وكلّ أعضاء المجلس الأعلى يعلمون أنّ هذا الشيء لم يحدث، كلّ ما جرى أن وزير الحزب عرض وقائع الجلسة التي ناقشت تصحيح الأجور وأجاب عن استيضاحات حول هذا الموضوع من قبل بعض أعضاء المجلس، ولا أحد من أعضاء المجلس قال لوزير الحزب لماذا وقّعت مع هذه الصيغة ضد وزير العمل، خلافاً لما زعم كاتب مقالة الديار أنه جرت المساءلة وأن بعض أعضاء المجلس الأعلى نقلوا أسئلة القوميين.
المغالطة الثالثة أن هناك معارضة داخل الحزب سوف تستفيد من عدم وقوفنا إلى جانب مشروع وزير العمل، وهنا كرر قانصو موقفه أنه لم يقف ضد مشروع نحاس.
وقال ليس هناك من معارضة داخل الحزب، هناك قوميون اجتماعيون ملتزمون بحزبهم، ومن لديه رأي يقوله ضمن مؤسسات حزبه، وكان يجب على كاتب المقالة أن يدقّق في المعلومات التي وصلته وأن لا يقع في كل هذه المغالطات.

"الملاحظات على مشروع شربل نحاس"

أما عن ملاحظات الحزب على مشروع الوزير شربل نحّاس فيشير قانصو إلى أن أهم الملاحظات هي "أن الوزير نحّاس اقترح في بعض المراسيم التي قدمها إلى مجلس الوزراء إعفاء أصحاب العمل من رسم الاشتراك في صندوق المرض والأمومة وهو أحد أهم الصناديق في الضمان الاجتماعي، وأن تدفع الدولة هذه الاشتراكات"، وقصد الوزير نحاس من ذلك أن الـ 9% التي يدفعها أصحاب العمل لهذا الصندوق، تضاف إلى أجور العمال.
ويقول قانصو: "لقد أبدينا معارضتنا لهذا الطرح لسبب أساسي وهو أن تمويل هذا الصندوق الحيوي من قبل الدولة يتناقض أولاً مع فلسفة الضمان القائمة على التكاتف والتضامن بين أطراف الانتاج، لأنه في طرح الوزير نحّاس، يصبح التمويل على الدولة وهذا يتناقض مع هذه الفلسفة".
ويلفت الى "أن تجربة الصندوق مع الدولة تجربة مريرة، ولا مرّة وفت الدولة بالتزاماتها تجاه الضمان الاجتماعي عامة وتجاه فرعي المرض والأمومة خاصة، لأنه حسب قانون الضمان يجب على الدولة أن تدفع 25% من تكاليف الفاتورة الصحية التي يتولاها صندوق المرض والأمومة، واليوم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي له على الدولة أكثرمن 700 مليار ليرة، وعلى المؤسسات العامة التي فيها أجراء تابعون للدولة ما يوازي هذا المبلغ، فإذا كانت الدولة اليوم تدفع جزءاً من كلفة الفاتورة الصحية وعليها كل هذه الديون، فكيف الحال إذا طلبنا من الدولة أن تدفع كل تكاليف صندوق المرض والأمومة.
ويسأل: من يضمن أن الدولة لن تستمر على هذه السياسة، وأنه بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من إقرار هذا المرسوم، أن لا يتجه صندوق المرض والأمومة إلى الإفلاس. فلماذا المغامرة بمصير أهم صندوق من صناديق الضمان الاجتماعي؟
من هنا يطالب قانصو بأن يبقى تمويل هذا الصندوق من الأطراف الثلاثة الدولة 25% أصحاب العمل، 7% من أصل 9% و2% تدفع من قبل العمال.

تفاهم على الخيارات الكبرى

واذ أشار الى أنه حين يطرح هذا الأمرعلى النقاش داخل مجلس الوزراء فإن الحزب سيبدي هذا الموقف، وأن هناك بعض التمايز مع وزراء تكتل التغيير والإصلاح في بعض الملفات الداخلية، شدّد على أن العلاقة بين الحزب القومي وبين تكتل التغيير والإصلاح جيدة، فالسياسات والخيارات الكبرى متفاهمون عليها، إن كان على مستوى الموقف من سورية أو من المقاومة أو من المحكمة.
ويقول الوزير علي قانصو: "نحن نلتقي مع التكتل في موضوع التغيير والإصلاح، لكن نرى أن مدخل الإصلاح هو الإصلاح السياسي، ولا يمكن أن نحقق إصلاحاً وتغييراً في البلد من دون إصلاح سياسي، من هنا مناداتنا الدائمة للتفاهم على قانون جديد للانتخابات يؤدي هذا الغرض الإصلاحي".  

السابق
فتنة مشبوهة·· ومجانية
التالي
جنبلاط ـ حزب الله ـ سوريا: ساعة التخلّي مجدّداً !!