عون وفرنجية يحتويان الجميل وجعجع

نجح مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الداعي الى ان تنتخب كل طائفة نوابها في خطف الأضواء من الاقتراح المرفوع من وزير الداخلية مروان شربل الى مجلس الوزراء الذي اختار، كما يبدو، ان يضحك على نفسه، ويهدر ساعات ثمينة من وقته في مناقشة أفكار نظرية حول النسبية وسبل تطبيقها، في حين ان الجالسين حول الطاولة يعرفون ان القرار يتخذ في مكان آخر، تماما كما يدركون ان كلا منهم يضمر من النيات المبيتة والحسابات الخاصة ما يخالف المعلن في الكثير من الأحيان.
وما بين طرح النسبية الذي لا يستطيع البعض تقبله وطرح «اللقاء الأرثوذكسي» الذي لا يستطيع البعض الآخر هضمه، هناك من يقول ان «رفع السعر» في الاتجاهين، إنما يندرج في سياق تحسين شروط المساومة النهائية التي ستنتج في نهاية المطاف «صفقة» ربع الساعة الأخير، بحيث تتم التضحية بهذين المشروعين لصالح إحياء قانون الستين مع بعض الرتوش، وفق ما تهمس به أوساط سياسية متابعة.

ولئن كان «اللقاء الأرثوذكسي» قد ارتأى «التبشير» بمشروع يستسلم للواقع الطائفي والمذهبي الحاد، بدلا من ان يسعى إلى تغييره، إلا ان المفأجأة تمثلت في تمكنه بسرعة من كسب «تلاميذ» في قلب الطائفة المارونية، اقتنعوا بالفكرة وحملوا «صليبها» وقرروا دعوة الشريك في الوطن الى اعتناقها، علما انها من المرات القليلة التي ينتزع فيها الارثوذكس المبادرة من الموارنة على الساحة المسيحية، في معركة وجودية تتعلق بمصير الصوت المسيحي ومدى فعاليته في الانتخابات النيابية.
وكان لافتا للانتباه ان كلا من العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية سايرا المزاج العام الذي ساد لقاء بكركي، وفضلا ان يسبحا مع التيار وليس ضده، ما فاجأ متابعي أدبياتهما ومواقفهما، حتى في قلب تكتل «التغيير والإصلاح» حيث وُجد من يتمايز عن منطق الثنائي الماروني.ويقول أحد أعضاء التكتل ان المشروع الأرثوذكسي لا يقترح فقط قانونا انتخابيا، بل هو ينسف اصل النظام السياسي، لانه يجعل من الطائفة دائرة انتخابية على حساب الدستور والميثاق، لافتا الانتباه الى ان هذا الطرح لن يجد سنيا واحدا أو شيعيا واحدا او درزيا واحدا، يلاقيه في منتصف الطريق، ومستغربا ان تعتمد بكركي مشروعا انقساميا، متجاوزة دورها المفترض كمرجعية جامعة، ينبغي ان تتخطى الحسابات الفئوية، لتأخذ بالحسبان الاعتبارات الوطنية الأوسع.
ويشدد صاحب هذا «الصوت المتمايز» على أن المشكلة لا تعالج بأزمة، والخطأ لا يعالج بخطيئة، وإذا كان المسيحيون يعانون من تقلص فعاليتهم الانتخابية بسبب انقساماتهم وخلافاتهم، فإن الحل يكون بمداواة نقطة الضعف هذه وليس بالهروب إلى الأمام، ليخلص الى الاستنتاج ان المشروع الأرثوذكسي لن يمر، شأنه شأن النسبية التي ستدفع ثمن المصالح الضيقة.

أما العارفون بحقائق الأمور في الرابية وبنشعي، فيعتبرون ان موقف عون – فرنجية هو تكتيكي بالدرجة الأولى، ويهدف الى سحب البساط من تحت أقدام أمين الجميل وسمير جعجع اللذين كانا سيظهران بمثابة بطلين مسيحيين شجاعين، لو ان الجنرال وزعيم المردة رفضا صراحة فكرة ان ينتخب المسيحيون نوابهم الـ64، وقبلها رئيس «الكتائب» وقائد «القوات» برغم ما تلحقه من ضرر بحليفهما الاستراتيجي النائب سعد الحريري.
ويعتقد «العارفون» ان عون وفرنجية يراهنان على ان يرفض الشركاء المسلمون في الوطن، المشروع الأرثوذكسي، بحيث يتم إجهاضه في مكان آخر، بدلا من ان يتحملا المسؤولية المباشرة عن إفشاله، خصوصا ان لقاء بكركي كلف لجنة متابعة بالتواصل مع الآخرين لمناقشتهم في الاقتراح المطروح، حيث يرجح ان تأتي الردود سلبية من الرئيس نجيب ميقاتي و«حزب الله» و«أمل» و«تيار المستقبل» والنائب وليد جنبلاط والحزب القومي والحزب الشيوعي..

وفي حين يجري تصنيف «المستقبل» و«الاشتراكي» في خانة أكبر المتضررين من انتخاب كل طائفة لنوابها، نقل زوار جنبلاط عنه قوله في معرض تعليقه على هذا المشروع «إنها حفلة مزايدة وجنون.. كيف اجتمع كل هؤلاء وإلى أين يريدون أخذ البلد»؟
أما الرئيس نبيه بري، فهو يميل ـ وفق الذين التقوه مؤخرا ـ الى التعامل بهدوء وعقل بارد مع الطرح الأرثوذكسي «الملتهب»، على قاعدة ضرورة تفهم دوافعه ومناقشتها، بمعزل عن الرأي المبدئي في مضمونه، علما انه يرفض من حيث المبدأ منطق الدائرة الصافية طائفيا ومذهبيا.
وتبعا لزوار عين التينة، يعتقد بري أن هذا الطرح الانتخابي يعبر بشكل أو بآخر عن مناخ سائد في الشارع المسيحي القلق، ويجب التعامل معه انطلاقا من هذه الواقعية، وليس من زاوية ما إذا كان محقا أم لا، مشيرا إلى أن لدى المسيحيين في لبنان هواجس متراكمة، يغذيها الإحساس بتفاقم مؤشرات التبدل الديموغرافي من جهة، والاستهداف المتصاعد الذي يتعرض له المسيحيون في المشرق من جهة أخرى، الأمر الذي أوجد شعورا بالخوف على المصير والوجود، دفع البعض إلى الافتراض أن انتخاب كل طائفة لنوابها يحمي حقوق المسيحيين ويحافظ على المناصفة والمشاركة في مواجهة التحولات الديموغرافية داخليا، والمتغيرات الحاصلة في المنطقة.
واستنادا الى هذه القراءة، يعتبر بري ان هناك ضرورة ملحة لإطلاق نقاش عميق، في إطار الحوار الوطني المنشود، على ان يجري تشخيص دقيق للمشكلة، حتى نجد الدواء المناسب لها.
يختصر أحد الموارنة الحكماء المشهد بالقول ان اللبنانيين «يدفعون ثمن الثورات العربية. هناك انتصر التغيير وفي لبنان علينا دفع ثمن كل مخاوف الأقليات في الشرق بالعودة مئتي سنة الى الوراء».  

السابق
…كالحمار يحمل أسفاراً؟!
التالي
دو فريج: حصلت مزايدات في موضوع اللقاء الارثوذكسي