الجمهورية: سوريا وقّعت فكسبت وقتا وأرجأت التدويل والمـعارضة طالبت بقوات ردع عربية

وقّعت سوريا ممثلة بنائب وزير خارجيتها فيصل المقداد البروتوكول المحدد للاطار القانوني ومهمات بعثة المراقبين العرب التي ستصل الى سوريا خلال 72 ساعة، حسبما اعلن الأمين العام للجامعة نبيل العربي ، موضحا أن توقيع دمشق البروتوكول لا يعني تعليق العقوبات فورا. في حين رأت المعارضة السورية ان النظام «يراوغ» مع الجامعة العربية لاستغلال الوقت، طارحةً إنشاء قوات ردع عربية إذا ما استمر القمع.

وقد جاء هذا التوقيع بعد عشرة أشهر من بدء الأزمة السورية وما رافقها من مواقف دولية تحض النظام على السير في الاصلاح لتطالب رئيسه بشار الأسد لاحقاً بالتنحي في ضوء تفاقم موجة العنف. كذلك جاء بعد نحو أسبوع على التحول في الموقف الروسي، و 48 ساعة على اعلان الجامعة العربية عزمها على نفض يديها من وساطتها وتلويحها بنقل الملف الى مجلس الأمن الدولي.

وفي حين اشادت روسيا بالقرار السوري مبدية اعتقادها ان "الوثيقة الموقعة في القاهرة تتيح الفرصة لتوفير السلامة للشعب السوري واستقرار الوضع"، شددت فرنسا على وجوب ان تبدأ مهمة المراقبين سريعاً مكررة القول ان الأسد "فقد شرعيته".

وفيما أعلن الاتحاد الاوروبي انه سيتابع عن كثب تطبيق البروتوكول في الفترة المقبلة، أبدت ايطاليا قلقها إزاء تدهور الأوضاع السورية. وايدت ايران قرار سوريا واعتبرت ان "المبادرة العربية تشمل نقاطا كثيرة تبحثها ايران ايضا، ولو أنها لا تعالج كل المسائل".

وعلمنا ان كلمتي " المدنيين" و"المواطنين" كانتا من بين الاسباب التي أخّرت توقيع البروتوكول بين دمشق والجامعة حتى أمس، فالجامعة طلبت بقاء عبارة "دور المراقبين في حماية المدنيين السوريين"، فيما تطلبت دمشق ان تستبدل كلمة "المدنيين" بكلمة "المواطنين". وانتهى النقاش ببقائها "المدنيين". وقالت مصادر مطلعة ان الجامعة ارادت بهذه الكلمة التمييز بين المدنيين والعسكريين.

مصادر عربية

وإذ لفتت مصادر ديبلوماسية عربية الى ان القبول السوري بالمبادرة جاء بعد انتهاء الانسحاب الاميركي من العراق، وانشغال تركيا بقضايا أخرى، إضافة الى تصاعد خلافها مع فرنسا حول الابادة الارمنية ما يجعل الثنائي المكلف دوليا معالجة الازمة السورية مختلفاً بعضه مع بعض.

وقالت هذه المصادر لـنا ان خطوة دمشق "جاءت بعدما تعرضت لإحراج شديد في ضوء تزايد عدد الضحايا من جهة، وازدياد العزلة العربية والدولية والتهديد بإزدياد العقوبات الصارمة".

بيد ان المصادر عينها رأت ان سوريا كسبت الوقت أولاً، وعطّلت التدويل المباشر ثانياً، وانتزعت اعترافا مباشرا بنظامها ثالثاً، فالمبادرة العربية لا تطالب بإسقاط النظام وتنحي الاسد، بل بقبول مراقبين وفتح حوار. وكذلك فإن الطروحات الدولية تدعو الى الحوار، والمشروع الفرنسي ـ البريطاني ـ الالماني يطالب بالحوار، الأمر الذي دفع المعارضة السورية الى الحديث اليوم عن تأليف حكومة تضم أركانا من النظام والجيش .

وأضافت المصادر: "صحيح ان النظام السوري خسر نقطة، لكنه ربح أُخرى، وتمثلت خسارته بأنه وللمرة الاولى يقبل بتدخل خارجي في شؤونه في حين كان دائما يتدخل في شؤون الآخرين، ويكمن ربحه في أنه استطاع تجميد المطالبة بتنحيته الفورية وانتزع اعترافا به، ما يعني ان الازمة السورية طويلة ومفتوحة على كل الاحتمالات والدليل الى انها طويلة هو ان المعارضة بدلاً من أن يكون توجهها اسقاط النظام تطالب بإقامة مناطق عازلة ومثل هذه المناطق ترجم كانتونات في العراق.

…ومصادر غربية

في المقابل، قالت مصادر ديبلوماسية غربية أن مسألة المراقبين تعني خضوع سوريا لشروط الجامعة العربية وانتصار للمعارضة التي تمكنت عبر إصرارها من تحقيق هذه الخطوة التي ستمنحها مزيداً من الدفع، كما أنها إقرار من جانب النظام بضخامة الأزمة القائمة وحجمها، إذ للمرة الأولى يوافق على شيء خارجي ولو بصيغة مراقبين يدخلون الى سوريا، إلاّ أن المعيار يبقى في اختبار الترجمة السورية، كما في اجتماع وزراء الخارجية غدا الاربعاء وكيفية مقاربتهم هذه المسألة.

مسؤول أميركي

وفي الإطار نفسه، تمنى مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية ألاّ يكون توقيع سوريا البروتوكول العربي "حبراً على ورق".

ورحب هذا المسؤول بهذه الخطوة السورية وقال لـ"الجمهورية": "إن تركيزنا ينصب على تطبيق هذا البروتوكول". وشدد على أهمية "وصول المراقبين والصحافيين الدوليين إلى كل الأماكن في سوريا، لا أن تحدد لهم السلطات الأماكن التي يمكنهم التوجه إليها". وختم قائلاً: "إن التوقيع شيء والتطبيق شيء آخر".

الوضع الداخلي

وعلى وقع التطورات الإقليمية المتسارعة والمفاجآت على المسرح السوري التي لم تكن منتظرة، تلاحقت الخطوات المحلية للملمة الوضع الداخلي على اكثر من مستوى بغية مواكبة التطورات المرتقبة بهدوء يسعى الجميع للحفاظ عليه بحده الأدنى على الساحة المحلية.

وفي هذا الإطار تواصلت الإتصالات لعبور بعض الإستحقاقات الداخلية قبل عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، فتستعد الحكومة لجلسة الغد في بعبدا التي ستناقش التعديلات المقترحة على مرسوم رفع الحدنى للأجور والزيادات المقترحة على الرواتب في القطاعين العام والخاص في وقت لم تنجح الإتصالات بعد في لجم التدهور الأمني الذي شهده مخيم عين الحلوة بعدما تجددت الإشتباكات على خلفية استمرار عمليات الإغتيال المتبادلة بين حركة "فتح" والإسلاميين المتطرفين والتي اوحت بإمكان نقل التوتر الى خارج المخيم.

وعلمنا أن اجتماعا امنيا عقد بين قائد الكفاح المسلح العميد محمود عيسى الملقب "اللينو" ومسؤول مخابرات الجيش في الجنوب العميد علي شحرور والمسؤولين الامنيين في المنطقة وتم الاتفاق على تطويق الاحداث والعمل على إعادة الاوضاع الى طبيعتها، وأن يأخذ القانون مجراه في شأن المتهمين بقتل مرافقي "اللينو".

الرابطة المارونية في الرابية

الى ذلك، تحركت بكركي على خط التفاهم بالحد الأدنى بين القيادات المارونية، واستقبل رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون في الرابية وفدا مارونيا كلفه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي متابعة الملفات الوطنية والمسيحية وتوحيد المواقف المسيحية منها . وضم كلا من رئيس المؤسسة المارونية للانتشار ميشال اده، ورئيس المجلس الماروني العام وديع الخازن ورئيس الرابطة المارونية جوزيف طربيه. وقالت مصادر اطلعت على مضمون اللقاء لـ "الجمهورية" ان البحث كان شاملا وموسعا لم يوفر أي من الملفات المفتوحة على مستوى العلاقات المارونية ـ المارونية والوطنية من جوانبها المختلفة السياسية والإدارية والأمنية. وأضافت ان الحوار كان شاملا في ضوء الرسالة التي يصر الراعي على تعميمها على القيادات المارونية لأن لكل من القيادات السياسية والحزبية او الرسمية مواقعها والبلد يتسع للجميع واحترام هذه المواقع والصلاحيات واجب الوجود. ولذلك فإن البحث في مختلف الملفات الهدف منه البحث في تفاصيلها وكيفية مقاربة الملحّ منها والإستعداد للآتي من الإستحقاقات بما يضمن المصلحة المسيحية والوطنية في آن.

واكدت المصادر ان اللقاء اتسم بالصراحة القصوى بعدما اطلعهم عون على ما إنتهى اليه لقاءه الأخير مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والقضايا التي تمت مقاربتها على كل المستويات، لافتا الى انه أوفد الى الراعي من يطلعه على ما جرى شاكرا له "غيرته الوطنية". واكدت ان التحرك الذي يقوده الراعي لن يقف عند هذا الحد وان الموفدين الثلاثة سيجولون على مختلف القيادات السياسية والحزبية المسيحية في الأيام المقبلة.

قانون الإنتخاب

وفي هذه الأجواء، واستكمالا لما تقرر في اللقاء الماروني الموسع، تلتئم اليوم اللجنة الخماسية للبحث في خريطة الطريق التي تقرر إعتمادها لنقل هواجس اللقاء الى طاولة الحوار التي ستناقش القانون الإنتخابي العتيد. وقالت مصادر اللجنة أنها ستضع جدولا بزياراتها للقيادات والأحزاب في الأكثرية والأقلية لمناقشة بنود هذا القانون والظروف التي أَمْلَت التفاهم الذي توصل اليه لقاء بكركي.

مرجع رسمي

وفند مرجع رسمي اسباب ولادة المشروع الانتخابي الارثوذكسي وتبنّيه في "اللقاء الماروني" الذي انعقد في بكركي الاسبوع الماضي بالآتي:

اولا ـ قانون 1960 الذي يعتمد القضاء دائرة انتخابية واحدة وقد جرت الانتخابات النيابية الاخيرة عام 2009 على اساسه، وقال فيه الرئيس سليم الحص يومها انه "قضاء على الوطن".

ثانيا ـ شعور المسيحيين بانهم باتوا اقلية ويشكلون نسبة تتراوح بين 20 الى 27 في المئة من الشعب اللبناني، وهذا ما ولّد لديهم قلقا وجوديا وبات هاجسهم الحفاظ على وجودهم في المعادلة السياسية.

ثانيا ـ ما يجري في المنطقة من أحداث ومتغيرات، الذي ولد لدى المسيحيين خوفا حقيقيا على المصير في لبنان والمنطقة.

واستغرب المرجع كيف ان كثيرين هبّوا لرفض دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية المنصوص عنها في اتفاق الطائف والدستور، وقال: "لم يقبلوا حتى بتأليف هيئة تفكر مجرد التفكير بالغاء الطائفية".

موفد عوني

وفي السياق، أوفد عون النائب ابراهيم كنعان الى بري أمس واطلعه على ظروف ولادة البيان الختامي للقاء الماروني والتوافق على المشروع الانتخابي الأرثوذكسي. ونقل كنعان عن بري موقفا إيجابيا من التوافق الماروني على القانون الإنتخابي بمعزل عن مضمونه ولفت عبرنا الى ان بري "فهم وتفهم الرسالة التي قصدناها من اللقاء، وهذا أمر ايجابي ومهم في ظل موجة المواقف التي لا ترغب في فهم الرسالة التي ستقود الى حوار شامل للتوصل الى قانون يؤمن صحة التمثيل المسيحي والإسلامي وعدالته".

ونقل كنعان عن بري قوله أيضا "ان البحث في هواجس جميع الأفرقاء هو مهمة وطنية علينا الأخذ بها في أي حوار مقبل، فكيف بالنسبة الى الهواجس المشروعة التي عبّر عنها لقاء بكركي، وتولدت نتيجة الممارسات خلال عقدين هُمِّش خلالها الحضور المسيحي على كل المستويات السياسية".

موفد فرنسي

الى ذلك، وصل الى بيروت ليل أمس مدير دائرة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية الفرنسية نيكولا دوريفيير في زيارة يلتقي خلالها عددا من المسؤولين للبحث في الوضع الراهن، وخصوصاً في الجنوب، والدور الذي تقوم به الكتيبة الفرنسية العاملة ضمن قوات "اليونيفيل".

وقالت مصادردبلوماسية فرنسية لـنا أن دو ريفيير الذي التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لدى وصوله، يزور بيروت بناء على موعد محدد قبل تفجير الدورية الفرنسية في صور، لكن الحادث فرض نفسه على جدول اعماله وهو يجري تقويما دوريا لوضع القوة الفرنسية في "اليونيفيل" والمخاطر الناجمة عن استهدافها مرتين حتى الآن. وأشارت الى ان دو ريفيير سيلتقي اليوم وزير الدفاع فايز غصن والمستشار الرئاسي ناجي أبي عاصي ومستشار بري شقيقه الدكتور محمود بري والأمين العام للخارجية، ثم يغادر بعد الظهر. 

السابق
الاخبار: تصحيح الأجور: الأكثرية تريد قراراً جديداً
التالي
السفير: دمشق تلبي النصيحة الروسية …تمهيداً للحوار الوطني والمصالحة