وداعا يا عراق

الاحتفالات البهيجة، طي العلم الاميركي (واحراقه في مدينة الفالوجه)، ايام الذكرى والعودة الانفعالية للجنود الاميركيين الى وطنهم، تنهي فصلا مأساويا في تاريخ الولايات المتحدة والعراق. بعد نحو تسع سنوات من ارسال الرئيس بوش قواته للبحث عن أسلحة الدمار الشامل – السبب الرسمي لاعلان الحرب – اكثر من مئة الف عراقي قتيل ونحو 4.500 جندي أميركي عادوا الى ديارهم بالتوابيت، وانفاق مبالغ طائلة، نحو تريليون دولار – حان الان الوقت لاجراء حساب النفس، الدم والجيب لتلك الحرب. العراق لم يصبح دولة أكثر امانا. كما أن ديمقراطيته موضع خلاف. فهو أحد الدول الاكثر فسادا في العالم (المرتبة 175 من أصل 178 دولة)، تملك احتياطات النفط الرابعة في حجمها في العالم، ورغم ذلك لا تنجح في توفير الكهرباء بانتظام لمواطنيها. جودة الخدمات العامة والامن الشخصي التي تمنحها لهم، تضعها في مصاف واحد مع أسوأ الدول.

الحرب في العراق كانت لها مهمة اقليمية مهمة، ليكون دولة فاصلة في وجه انتشار النفوذ الايراني في المنطقة. وكان يفترض به أن يتطور الى دولة مستقلة من ناحية اقتصادية، وينضم كدول قوية وديمقراطية الى السور العربي في مواجهة ايران. اما النتيجة فمعاكسة. العراق هو الحليف الاهم لايران في المنطقة، اقتصاديا وسياسيا، وهو لا يزال يعتبر دولة مشبوهة في الجامعة العربية، والصراعات الداخلية فيه لا تضمن مستقبل التحالف بينه وبين الولايات المتحدة. رغم ذلك فإن العراق بعد اسقاط صدام حسين ليس «دولة ضائعة». فهو يسيطر على طاقة كامنة اقتصادية هائلة وينجح حاليا في تسوية الامور بين السياسة القبلية والطائفية والادارة الوطنية – التحدي الهائل في دولة تمسك فيها الاقليات قوتها السياسية والعسكرية الخاصة بها. ولكن فضلا عن مستقبل العراق فإن الحرب فيه لقنت الولايات المتحدة والمنطقة درسا استراتيجيا عسيرا. العراق وافغانستان كانا الصدمة الحربية ما بعد حرب فيتنام. صدمة ينبغي ان تقف أمام ناظري كل من يتطلع الى حرب جديدة ضد ايران.  

السابق
الافراج بكفالة عن مستوطنين ضالعين في اعمال عنف بحق فلسطينيين
التالي
نحن طبيعيون وكل الآخرين لا