نحن طبيعيون وكل الآخرين لا

سرت في الصباح وأنا شبه نائمة في موقف السيارات والى جانبي سارت امرأتان مثلي أخريان لم تنتبها الى السيارة التي كانت تنتظر بنفاد صبر كي تمرا الى الطرف الآخر كي تتمكن هي من العبور. زامور حاد من السائق أفزع الامرأتين. «يا متخلف!» صرخت احداهما على السائق، الذي كان أكبر منها بعشرين سنة على الاقل. «سدي فاكِ، يا غبية، وزيحي قفاكِ!» صرخ السائق ردا عليها. فنظرت اليهم وفكرت في ذلك في أنه يخيل أحيانا أنه لم يتبقَ لدينا صبر أو احترام الواحد للآخر.
من المتعالي جدا النظر الى أحد ما منفعل والقول انه يتصرف كالقواد، أليس صحيحا؟ إذ باختصار، أنا أيضا تثور أعصابي، أنا أيضا اقرع الزامور وأنا أيضا يمكنني أن اشتم في الشارع. الفارق الوحيد هو أنه عندما يحصل لي هذا، أميل بالذات الى أن اتفهمه. في مثل هذه الازمنة، التي يكون فيها كل واحد واثقا من أنه محق ويعرف بوضوح ما يصعب على كل الباقين استيعابه، ربما يستحق أحيانا التوقف والتفكير. الانسان بشكل عام لا يرى نفسه وهو منفعل. عندما يكون هذا أنت – دوما يوجد لك سبب وجيه. ولكن عندما ترى سلوكا متطرفا لشخص آخر تجدك تشمئز. في السبت كان لي الوقت لتصفح الانترنت لأجد غير قليل من التقارير من السنتين الاخيرتين عن متظاهرين من معسكر اليسار ممن تعاونوا مع الفلسطينيين وبادروا الى احداث عنف حيال الجيش. في 15 كانون الثاني من هذا العام، مثلا، بلغ عن اصابة جنديين من الجيش الاسرائيلي وشرطي من حرس الحدود في أعمال شغب كهذه. في حزيران 2010 نقل عن أن نشطاء اليسار رشقوا الحجارة على موقع للجيش الاسرائيلي قرب بيت لحم. فهل يتذكر احد هذه الحالات؟ أنا لم أتذكر. كيفما اتفق، كان في حينه ميل متسامح تجاه المتظاهرين الغاضبين. ولكن حادثة فتيان التلال الاسبوع الماضي لا تنسى بسرعة كبيرة.

سهل على نحو فظيع الوقوع في حب معتقدك فلا ترى أي شيء آخر في المحيط. أن تؤمن بحق وحقيق بأنك تفعل الامر السليم، ولهذا فإن الغاية تبرر الوسيلة. فتيان التلال الذين مسوا بأمر مقدس جدا كالجيش الاسرائيلي – صدموا هنا دولة بأكملها، وحسنا أن ذلك. ولكن هذه الحالة لم تولد من فراغ. عندما يسمح الانسان لنفسه باجتياز القانون لانه يعتقد بأن القواعد مخصصة للجميع باستثنائه، فإنه يحدث رد فعل متأرجح، سلسلة من الاعمال المضادة. عندها تبدأ رقصة الشياطين التي اذا لم يتم ايقافها من الصعب معرفة أين ستنتهي. عندما تجري هذه الرقصة بين متطرفين يقررون فجأة النبرة عن الجميع، فان التأثير يكون هداما على نحو خاص.

عندما يؤمن كل واحد جدا بعدالة موقفه، يمكن الوصول الى اماكن غير سوية العقل. باستثناء أننا كيفما اتفق نميل دوما الى تشخيص هذا جيدا لدى الاخرين فقط. ولكن اذا ما كان الاخرون يصرخون، فهذا لا يعني انك انت ايضا ملزم بأن تصرخ ردا عليهم. اذا كان الاخرون يرشقون الحجارة، هذا لا يعني انك انت ايضا ملزم بأن ترشقها. والاهم – اذا كان الآخرون يتجاوزون القانون، فإن هذا حقا لا يمنحك الشرعية لعمل ذلك ولا يهم كم مقدسة القيمة التي تكافح في سبيلها.
في الوقت الذي يخيل لكل واحد منا بانه «يكافح في سبيل البيت»، وان هذا أمر جد مهم يستحق عمل كل شيء من أجله، فإننا نفقد قليلا قدرة الحكم العقلي. إذًا في المرة التالية التي نعطي لانفسنا فيها الاذن للقيام بعمل متطرف، باسم الدولة أو باسم الانسانية فلعلنا نحاول التفكير قبل ذلك كيف كنا سنستقبل هذا اذا كان فعلنا قام به أحد آخر.  

السابق
وداعا يا عراق
التالي
الحل الوحيد هو الخروج من أكثر المناطق