لا شماتة بأعداء سوريا

لم يحن أوان الشماتة بالمتربصين بسوريا، فالمعركة ما زالت قائمة، وأدوات المتربصين بها لم تنكسر حتى نهايتها. مع ذلك، فشل الهجمة المعادية واضح، ما يعني أن إمكانات الشماتة مرتفعة، قياساً بذي قبل، وباتت متاحة لمن يريد. أضعف القوى المعادية للنظام السوري، بوصفه مقاومة، قوى 14 آذار في لبنان. القوى التي قامرت وبنت مستقبلاً وردياً من ناحيتها، على إمكان انكسار سوريا، إلا أنها خسرت المقامرة. مع ذلك، هذه القوى قاصرة عن إدراك حجم الخسارة وشدة تداعياتها، وعلى أي حال، القصور التقديري هي عادة متبعة ومتأصلة في كل حراك 14 آذار، ضد المقاومة ومحورها عموماً. إسرائيل أيضاً، الشريكة في الرهان، وربما أيضاً المقامرة، تفقد «النعمة» التي وعد بها وزير دفاعها، إيهود باراك، الإسرائيليين والمنطقة. البيئة الاستراتيجية من دون الرئيس بشار الأسد، من ناحية إسرائيل، والتي تُعدّ خلاصاً من بيئة استراتيجية مغايرة ومشبعة بالتهديدات ضد تل أبيب، يبدو أنها في طور التبدد، وباتت الغلبة لأعدائها، بعد اتضاح فشل الشركاء والحلفاء في ضرب سوريا. أما دول «الاعتدال» العربي، بمالها وتحريضها وعقوباتها، والتي أدت دور الخيار البديل للحرب العسكرية الغربية المتعذرة ضد سوريا، أُصيبت أيضاً بخسارة، وباتت في موقف أضعف مما كانت تسعى إلى الحؤول دونه، عبر ضرب سوريا، استباقاً لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، وانضمام بغداد إلى المحور الممتد من إيران إلى غزة، مروراً بلبنان.ما تقدم لا يعني أن المعركة قد انتهت، ولا أن سوريا ستستعيد سريعاً استقرارها. القدر المتيقن، هو أن ذروة الرهانات الغربية وبعض الإقليمية، قد بدأت بمسارها الانحداري، وهناك من يرى أن المقاربة المعادية استقرت نهائياً على الاستسلام والسعي نحو إيجاد مخرج ملائم للانسحاب من الهجمة. لكن في الوقت نفسه، الأطراف المعادية لسوريا، ستعمل جاهدة على تزخيم وزيادة معدلات التخريب الأمني في هذا البلد، وبمستوى قد يكون مسعوراً، في محاولة لمنع النظام من ترجمة انتصاره (صموده) المحقّق.
أما إسرائيلياً، فلم تطل الفترة لإيضاح أن ما بشّر به باراك، وآخرون من القادة الإسرائيليين، هو نوع من المكابرة، أكثر من كونه تقديراً تفترضه إسرائيل للحالة السورية؛ إذ صدرت مؤشرات دالة على تقديرات مغايرة داخل المؤسسة العسكرية في إسرائيل، حيال منعة النظام أمام الهجمة، وقدرته على الاستمرار والبقاء، إلى حد وصفه بأنه «مستقر جداً». بدا التقدير الاستخباري في تل أبيب، المسرّب أخيراً، نوعاً من الرد الاستدراكي، على ما وصف إسرائيلياً، بـ«رفع إبطي باراك» تهوّراً، حيال مآلات الوضع في سوريا، وتحديده فترة أسابيع، قبل انهيار النظام، «النعمة» التي تنشدها تل أبيب.

لكن ما معنى أن يوصّف باراك، سقوط الأسد، بالنعمة؟ وقبل ذلك، ما يعني أن «يبارك» الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، حصار العرب وعقوباتهم و«الإجراءات الجريئة للجامعة العربية ضد سوريا»؟. الجواب، لبعض من يتربص بسوريا، وما زال يُعلن أنه معاد لإسرائيل، رغم أنه يسعى إلى تحقيق مصلحتها، أن تل أبيب ترى في بقاء نظام الأسد، نقمة عليها. تفسير النعمة الإسرائيلية، يعني أن الأسد كان عبئاً ثقيلاً أمام مساعي إسرائيل والغرب للسيطرة على المنطقة، بدءاً من لبنان، مروراً بفلسطين، وصولاً إلى العراق، المنتصر أخيراً، بمعونة من الأسد، على الهيمنة والاحتلال الأميركي.

في مرحلة ما بعد تجاوز الهجمة على سوريا ذروتها، وبدء مسارها الانحداري. قد يكون أمام القيادة السورية تحدٍّ من نوع آخر، يفرض عليها الارتقاء بالوضع الداخلي إلى مستوى يسد كل الثُّغَر ويسحب الذرائع من المتربصين بدور سوريا المقاوم. القيادة السورية التي أثبتت جدارتها في كل التحديات المفصلية في العقد الأخير، تملك من المؤهلات التي تمكنها من الوصول إلى الهدف المنشود، رغم توقع استعار الهجمة التخريبية داخلياً.  

السابق
ماذا دار بين الجميل وجنبلاط
التالي
تهديدات بثينة النووية..ونهاية نظام الفضائح؟