شكرا لمشاغبي اليمين

لو استطعت لأرسلت باقة أزهار متواضعة للمشاغبين على لواء أفرايم، شكرا لهم على عملهم. فقد نجحوا في فعل ما فشل فيه آخرون وهو أن يوقظوا ولو للحظة الرأي العام في اسرائيل، وربما ايضا الجيش والحكومة لمناهضة المستوطنين. صباح الخير يا اسرائيل، هل استيقظت؟ لم تثر سنين من الشغب على السكان الفلسطينيين وعمليات الاقتلاع والتخريب والحرق والهدم والسلب والسرقة، والحجارة والفؤوس، أي اهتمام هنا. وأحدث حجر واحد على رأس نائب قائد لواء الفرق.
ضجيج فظيع: يوجد «ارهاب يهودي»؛ وتوجد عصابات مسلحة في المناطق، ومستوطنون – مخربون في الارض المشاعة. وكل ذلك بسبب حجر أراق بضع قطرات دم من يهودي مقدس. ها هو ذا مرة اخرى التكبر والقومية: كيف يمكن ان ينشأ من داخل «الشعب المختار» ارهاب، وكيف تزعزع بضع قطرات دم أكثر من جداول دم آخر. وكيف يدوي الحجر الذي خدش جبهة نائب قائد اللواء، تسور هرباز، أكثر من قنبلة يدوية هشمت جبين مصطفى التميمي الذي قُتل قبل ذلك بأربعة ايام على يدي جندي من الجيش الذي يخدم فيه هرباز.

لا، لم يعرض شباب التلال دولة اسرائيل للخطر بل لم يشوهوا صورتها، كما أصبح من المعتاد الصراخ الآن. ماذا تريدون منهم؟ ألم يعودوهم ان كل شيء مباح. ويكفي فرقعة الألسن التي تدعي البر وتكفي «التنديدات» والتعبير عن الزعزعة المتأخر والوهمي. فلا جديد البتة تحت شمس المستوطنين ولا يوجد «ارتفاع رتبة» ولا «خط احمر». فقد يكون الخط الوحيد الذي اجتيز هو خط عدم الاكتراث: فقد أبلغنا هنا مدة سنين عن افعال المستوطنين اسبوعا بعد اسبوع؛ وتحدثنا كيف يهددون الفلسطينيين ويضربون أبناءهم في طريقهم الى المدارس، ويرمون القمامة على أمهاتهم ويغرون كلابهم بشيوخهم ويخطفون رعاة ضأن، ويسرقون أمتعتهم وينغصون عيشهم ليلا ونهارا في السهل والجبل، ويغزون ويسيطرون ولا يؤثر هذا في أحد. وتثور فجأة بغتة – زعزعة.

صباح الخير يا اسرائيل. لماذا، ماذا حدث؟ لا يمكن الغضب على صغار المستوطنين بعد سنين لا من عدم الاكتراث فقط من أفعال آبائهم بعد الاحتضان الدافئ والودود من قبل أكثر المجتمع وتأييد كاسح من الجيش الاسرائيلي وحكومات اسرائيل كلها. لا يمكن الحديث اليهم بلغة مزدوجة بأن يروا اخوة طلائعيين وتحول اليهم ميزانيات ضخمة ويتم وعدهم بأن يبقوا الى الأبد في مواقعهم وبأن يروا جزءا شرعيا ولن نقول «قيميا» من المجتمع – ثم يدار الظهر لهم فجأة، ويتم التنديد بهم ويهاجمون، وكل ذلك بسبب حجر. أيها الأوغاد، لا يمكن تغيير القواعد هكذا في يوم صاف واحد. وقد تم تحديد القواعد منذ زمن – هذه ارضهم، ارض المستوطنين وهم أسيادها ويجوز لهم فعل كل شيء فيها. ان أخلاقا ازدواجية معوجة فقط يمكن ان تغير هذه القواعد لأنهم أصابوا الجيش الاسرائيلي اصابة طفيفة، ويمكن باسم الأخلاق المزدوجة المعوجة الآن ان تزعزعنا اعمالهم الأخيرة التي لم تكن بأية حال من الاحوال أخطر اعمالهم وأكثرها قسوة.

لاسرائيل الحق (والواجب) بالطبع في ان تغير القواعد لكن هذا التغيير يمكن ان يكون تغييرا شاملا وثوريا فقط بالنظر الى مشروع الاستيطان كله بحيث ينهيه ويغير الواقع غير القانوني وغير الاخلاقي الذي لا يطاق الذي يجري وراء بيوتنا. لا تريد الحكومة الحالية هذا التغيير، ولا يريد الجيش الاسرائيلي هذا التغيير، ونشك في ان يكون أكثر الاسرائيليين يريدونه. وكل شيء أقل من هذا ليس أكثر من نفاق فارغ، وضربة طفيفة في جناح الطائرة التي تحمل في بطنها هذا المشروع منذ عشرات السنين.
حتى ذلك الحين دعونا ندعهم وشأنهم. فلا حاجة البتة الى اجلاء ساكن عن متسبيه يتسهار في الوقت الذي أصبحت فيه أفرات تلحس ظاهر بيت لحم. ولا داعي الى شن حرب على البؤر الاستيطانية «غير القانونية» في الوقت الذي بنيت فيه عوفره «القانونية» على اراض مسلوبة. ولا داعي الى اصدار أوامر إبعاد لقلة قليلة من المشاغبين في الوقت الذي لا يخطر فيه ببال اسرائيل ان تصدر أوامر مشابهة على اخوتهم جميعا. ان المتظاهرين العنيفين في منطقة أفرايم هم الضد من الفوضويين كما عرفهم رئيس الحكومة. انهم يريدون فقط الحفاظ على النظام الراهن كما يريد أكثر الاسرائيليين ورئيس الحكومة في مقدمتهم، بالضبط. هل نقدم أزهارا للمشاغبين؟ نرى اذا أعدنا التفكير أنهم لم يفعلوا شيئا.  

السابق
أقعد ولا تعمل
التالي
حملة تشجير في تل العسكر بالنبطية