الحل الوحيد هو الخروج من أكثر المناطق

يسأل المرء نفسه احيانا كيف يستطيع الناس ان يسلكوا كما يسلكون. ما الذي يخطر ببالهم حينما يتعدون السلوك المعتاد لمواطنين يحافظون على القانون ويصبحون شيئا آخر، ويبيحون لأنفسهم ان يشاغبوا ويكسروا ويهدموا ويسلبوا بل أن يصيبوا ويقتلوا. في هذه الحالة الخاصة يمكن ان يكون هذا عدم سلامة عقلية مؤقتا. وحينما يكون الحديث عن جماعة فمن شبه المؤكد ان هذا ليس فقدانا جمعيا للعقل بل شيء آخر: فقد أقنعوا أنفسهم بأن أهداف الاصابة ليست في الحقيقة كما تبدو. لأنه اذا كان اليهود جرذانا لا بشرا فيجب التخلص منهم بكل طريقة وتطهير المعسكر. واذا كان كل فلسطيني مخربا فيجوز المس بكل فلسطيني. واذا كان الجنود نازيين فمن الواجب المس بهم. واذا كانت الحكومة هي حكومة انتداب فيجوز خداعها واحباط مبادراتها.

ان ما حدث بعد وقت قصير من النصر المدهش لحرب الايام الستة هو ان مجموعات من الجمهور الاسرائيلي سلمت – مدة 19 سنة استقلال – لحدود الهدنة، وعادت الى حرب التحرير وشعرت بأنه حدث عدل تاريخي بأن احتلت اسرائيل المناطق وجندت نفسها لضمان ألا تتخلى سياسة اسرائيلية مستخذية عن الانجازات كما حدث على أثر حرب التحرير وعملية سيناء. وكانت هي في الأساس المجموعة المتدينة – القومية وناس «وحدة العمل» الذين آمنوا بـ «سلامة البلاد» ولم يغفروا لبن غوريون ما عرفه بأنه «بكاء لأجيال» – ألا وهو تخليه عن احتلال الضفة الغربية لاسباب سكانية.كانت طريقة العمل استيطان المناطق فورا. وكان الحديث عن عمل «طلائعي»، بلا موافقة من الحكومة عن أمل ان تجيز الحكومة بعد ذلك الحقائق التي أقرت. وكي تسوغ لنفسها الاستيطان بمبادرة ذاتية، كان عليها ان تؤمن بأن الحديث عن عودة لحكومة الانتداب، ومن المعلوم ان الواجب محاربة هذه الحكومة. وكانت الفكرة ان تعاد أيام «سور وبرج»، التي استعان فيها الطلائعيون باختراع مهندس العمارة شلومو غور ونجحوا في ان يبنوا في الليل سورا، وفي المنطقة المسورة – بنوا ايضا برجا وجعلوا حكومة الانتداب تواجه حقيقة.

وقد بني غير قليل من البلدات على هذا النحو وأنشئ كثير من مستوطنات الضفة الغربية بنفس المنطق. ولم تشوش عليهم أو على جزء منهم على الأقل حقيقة أنه نشأت دولة في اثناء ذلك وتحقق حلم الاستقلال اليهودي، وأنشئ جيش وأنه توجد محاكم وكنيست ومراقب دولة ومستشار قانوني، لم يشوش عليهم كل هذا ان يؤمنوا بأن الحديث عن سلطة اجنبية تنكيلية ولهذا من المباح الاضرار بها. ان قتل رابين بعض ذلك وشارة الثمن بعض ذلك، والمس بالجيش الاسرائيلي بعض ذلك. ان شباب التلال جيل ثان بل ثالث من المحاربين الشجعان في مواجهة حكومة الانتداب، ومن هذه الجهة لا فرق في نظرهم بين حكومة يسار ويمين. يمكن اعتقالهم اعتقالا اداريا واصدار أوامر إبعاد لقسم منهم واحتجازهم في المنازل واعلان أنهم منظمة ارهابية.
لكن شيئا واحدا فقط سيحسم هذه الظاهرة حقا ألا وهو الخروج من أكثر المناطق وانهاء سني الغرب المتوحش حيث كل عنيف يعتبر رجلا، وتحديد حدود دائمة لدولة يهودية وديمقراطية، وسيحاولون مكافحة هذا بل سيحارب بعضهم هذا حربا حقيقية، لكن اسرائيل قوية بقدر كاف لتواجههم ولتحقق مصلحتها القومية. فليس الحديث بعد كل شيء عن حكومة انتداب هنا.  

السابق
نحن طبيعيون وكل الآخرين لا
التالي
أقعد ولا تعمل