الحريري وانتظار الثمار تحت شجرة “تويتر”

يبدو "الزعيم" إفتراضيا في فضاء الكتروني مسترخيا ومكتفيا بتبشير اللبنانيين بسقوط الاسد.
يستوي على كرسي الزعامة السنّية في نظام ستذريه رياح الخريف ان لم تكن نسائم الربيع

قد يعتبر الرئيس سعد الحريري أنّه قام بواجبه حين صرّح من منفاه الإختياري، ومن منبره "التويتري" قبل يومين، أنّ مخاصمته حزب الله ليس سببها "شيعية" الحزب… لكنّه لن يستطيع أن يقنعني، كلبناني بالدرجة الأولى، ومن خلال أدائه السياسي، في أنّه جاد او منهمك في محاولته النأي بالبلد وتحصينه من الفتنة السنية – الشيعية.
فهذا الاداء الانتظاري، والركون (الثقيل) لدى زعيم تيار المستقبل يعبر عن استسلام لمنطق الفتنة، ان لم يكن استخداما يعبر عن عدم تحسس مخاطر الفتنة من جهة، إلى جانب طمأنينة موهومة تبرّر استرخاءه السياسي والشخصي، ربما لاعتقاد لديه بأن العصبية المتنامية سنيا وشيعيا هي بوليصة تأمين لزعامته، على الطائفة السنية في الحد الأدنى.
وربما اكتشف اللبنانيون بشكل صريح، بل فاضح، ان تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كان ثقيلا على تيار المستقبل وحلفائه في "14 اذار"، ليس بسبب نجاح الرئيس نجيب ميقاتي في ابتداع وسيلة التمويل، وبالتأكيد ليس بسبب الاحراج الذي وقع فيه حزب الله مع نفسه، بل لفقدانهم سلاحا بدا شبه وحيد في وجه الحكومة، ليبقى التصويب على سلاح حزب الله وسبل تنظيمه منفذا وحيدا يرفع على منابر المعارضة اليوم.
فالرئيس الحريري وفريقه ومن والاهم في المعارضة لم يولوا اي اهتمام او انهماك جدّيّ باستنهاض مشروع سياسيّ يعبر بالوطن وناسه الى الدولة، ويقدّم مبرّرا إلى المواطن اللبناني كي ينحاز الى هذا الفريق الآذاري باعتباره قادرا على النهوض بالبلد خارج العصبيات المذهبية والطائفية. انها معركة وحيدة وهي في مواجهة تهميش زعامة السنّة في السلطة، وهي معركة شبيهة لما خاضه حزب الله وحركة أمل قبل اربع سنوات تحت عنوان الميثاقية في الحكومة اثر انسحاب وزرائهم من الحكومة، مع الاختلاف طبعا بين الخروج طوعا من الحكومة او بالاكراه والتعسف.
ليس بعيدا من هنا ها هي الثورة السورية، او الربيع العربي عموما، يجد مكانته في المشهد اللبناني، ليس في التقاط المضيء بهذه الثورة وهذا الربيع، بل في محاولة التكامل مع نزعات فئوية وسلطوية تريد حرف هذا الربيع نحو صراع مذهبي او غلبة مذهبية.
في هذا المعنى تغيب اي محاولة جدّية وعملية لدى الحريري ومن والاه لاسقاط الذرائع المذهبية، او لجم بعض التيارات السياسية والسلفية، التي لا ترتوي الا من بئر المذهبية والطائفية. ربما اظهر نموذج الشيخ احمد الاسير في صيدا وجها من حقيقة ما يجري على ارض الواقع، اذ يتسلل أمثال الاسير وسواه الى واجهة المسرح ويتقدمون على الجميع عبر العزف على وتر الاصطفاف المذهبي، ورفده بأسلحة يعرف مستخدمها كيف تستنفر بسطاء الناس وعامتهم، ساعيا الى ترسيخ الصراع على منابع العصبية التي لا تنفد وقودها. ويبدو الرئيس الحريري مطمئنا، ليس إلى نموّ مثل هذه الظواهر لدى الشيعة ايضا، بل لأنها تثبت بظنه ان ما يجري ليس الا وجبة سامة على مائدة حزب الله، ايا كان طابخها معتقدا انه بمنأى عن السم.
هكذا، وفي منفاه الاختياري، يبدو الزعيم إفتراضيا في فضاء الكتروني مسترخيا ومكتفيا بتبشير اللبنانيين بسقوط الرئيس السوري بشار الاسد، فاتحا فمه تحت الشجرة منتظرا سقوط ثمرتها دون ان يبذل جهدا من اجلها، ومعتقدا أنّ سقوط النظام السوري سيعني سقوط حلفائه اللبنانيين معه، من دون ان ينتبه ربما إلى أنّ سقوط النظام السوري سيعني قبل كل شيء سقوط نموذج من العلاقات السياسية محكومة بثقافة النظام الامني السياسي التي حكمت العلاقات داخل النظام ومؤسساته الدستورية والقانونية وفيما بين قوى سياسية نمت وترعرعت في ظل نظام كهذا، بقي صامدا في لبنان رغم خروجه العسكري منه.
على ان سقوط هذا النظام وانهياره لبنانيا لا يعني بالضرورة انتاج نظام عادل ومتطور على مستوى ادارة الحياة السياسية والمصالح العامة، خصوصا إذا لم تبذل الجهود المخلصة والاستثنائية. في حين نشهد بالمقابل نزوعا وميلا وجهدا نحو استنفار العصبيات يستثمره الجميع، مدركين انه سلاح فعال وفتاك.
هكذا يقدّم الاسلام السياسي أو المذهبي، بشعبتيه السنية والشيعية، أو شعبتيه الحاكمة والمعارضة، فهمه للربيع العربي، بما هو فهم مذهبي وفئوي وصل، بالممارسة، الى المسيحيين السياسيين، فتمظهر نزوعا نحو المزايدة الفارغة في تبنّي أو الترويج لنظام انتخابي لا ينسف اتفاق الطائف ومبدأ المواطنة فحسب بل يهدّد أصل وجود الدولة إذ يجاهر بالدعوة إلى التقسيم المذهبي بعد سقوط مقولة التقسيم الطائفي.
الحريري ينتظر الثمرة تحت شجرة "تويترية"، ثمرة "سنّية" في حين أنّ المطلوب منه، كزعيم ليبرالي لـ"ثورة أرز" أريد لصورتها أن تكون جامعة لا طائفية، هو أن يقرأ الربيع العربي وأن يحاول التقاط نبضه، من حيث "تناثر" أسس وجود النظام الطائفي والزبائني الذي يعيق الديمقراطية الحقيقية في لبنان، بدلا من الإسترخاء والقبول بـ"كرسيّ" الزعامة السنّية ورئاسة الحكومة ضمن نظام ستذريه رياح الخريف، إن لم تكن نسائم الربيع، العربي.

السابق
تجمّع لبنان المدني يبدي قلقه من اللغة التي سادت لقاء بكركي
التالي
المربعات الامنية ترسم خارطة عين الحلوة