بلبلة في ترتيب أولويات المعالجة وملف أمن الجنوب مفتوح على أربعة احتمالات

 تسود الدوائر الرسمية العليا، السياسية والعسكرية والأمنية، بلبلة واضحة، غير مسبوقة، في ترتيب الأولويات للمعالجة، وعجز فاضح في فصل «الأمني» عن سائر الملفات السياسية والادارية (التعيينات) والمعيشية الضاغطة، مع تقدم هذا الأخير الى واجهة الحدث اليومي في الحراك الشعبي على الارض وتمدده ليطاول مرافق حيوية بالغة الأهمية (التعليم والمدارس ولاحقاً الجامعات)… مشفوعاً بتصدعات في البنية الحكومية، استدعت مشاورات ولقاءات سريعة بين «الثلاثي»، «أمل» و«حزب الله» و«تكتل التغيير والاصلاح» (العوني)، لم تظهر نتائجها بعد الذي حصل في طريقة مقاربة ملف «تصحيح الأجور» وعدم التزام وزراء «أمل» والحزب، بتعهداتهما، حيث جرى التصويت داخل مجلس الوزراء لصالح اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي، خلافاً لما جرى الاتفاق عليه مع الجنرال عون، وخلافاً لما أعلن بعد إعلان «هيئة التنسيق النقابية» الاضراب والتظاهر…
إلى الآن، لم تتوصل اللقاءات والاجتماعات الى اتفاق مبرم يصح الارتكاز عليه للقول بعودة المياه الى مجاريها في العلاقات بين أفرقاء التحالف الثلاثي»… وإن كان الجميع متفقين على طي الصفحة باعتبارها «غيمة صيف عابرة…» ليس إلا… (؟!) وذلك بالنظر الى ما ينتظر لبنان من ملفات واستحقاقات في ضوء عودة الملف الأمني الى صدارة الحدث، بكامل ثقله وتعقيداته التي تتوزع بين الدولي والاقليمي والمحلي، الذي بدوره لا يخلو من تعقيدات تعكس بدقة الحسابات والمصالح والأدوار الدولية والاقليمية، التي لا تقل تعقيداً وتأزماً…

«حزب الله» المحرج
وفي هذا، يبقى الوضع الناشىء في الجنوب، في دائرة الاهتمامات المتقدمة خصوصاً مع التسريبات المدروسة، والمنسقة التي تتحدث عن «خيارات معينة» قد تفضي اليها المشاورات الجارية على مستوى الأمم المتحدة بشأن مستقبل القوات الدولية «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان بعد الاعتداء الذي تعرضت له دورية للوحدة الفرنسية العاملة في هذه القوات، وبعد إطلاق صواريخ الكاتيوشا من غير التوصل – بعد – لمعرفة الجهة التي نفذت هذه الاعتداءات ومن يقف وراءها ولأية أهداف، (بعيداً عن القراءات السياسية). وهي سيناريوات، تنصح مصادر متابعة بالنظر اليها نظرة جادة، وعدم الاكتفاء بتقييمها على أنها مادة ضاغطة وحسب… على رغم ان الحكومة اللبنانية، و«حزب الله» وحركة «أمل» بادروا الى إدانة ما جرى، وأعلنوا تمسكهم بدور «اليونيفيل» وإقامة أفضل علاقات التعاون والتنسيق معها…
لا يخفي «حزب الله» حرجه مما حصل في الجنوب، وبحسب قراءة مصدر قيادي، «فإن الاعتداء الذي تعرضت له الدورية الفرنسية لم يكن صدفة، كما ان الصواريخ التي أطلقت لم تكن معزولة عن الحملة التي يتعرض لها الحزب منذ فترة غير قصيرة تحت عنوان «فوضى السلاح» و«انتشار السلاح غير الشرعي»… على رغم إدراك المتحاملين ان مسألة على هذا القدر من التعقيد والخطورة، لا يمكن معالجتها بالاعلام وبالتعبئة الميدانية والتحريض الدولي والاقليمي والمحلي… إلا اذا أريد من هذه الاثارة ان تخدم أغراضاً أخرى…» في ظل أوضاع إقليمية ضاغطة وحساسة للغاية تترافق مع الانسحاب الاميركي من العراق، والعلاقات شبه المتوترة بين دول الخليج وإيران، والأحداث الناشئة في سوريا وما يمكن ان تؤول اليه في ضوء دخول العراق على خط الوساطة والمقاربة…

أربعة احتمالات
يستبعد المصدر – حالياً – امكان التوصل الى معرفة الجهة التي نفذت الاعتداءات، على رغم ان هذه المعرفة تبطل الكثير وتكشف الكثير، وتلقي الضوء على أشياء كثيرة… كاشفاً ان إمكانات الجيش اللبناني و«اليونيفيل» و«المقاومة» جنوب الليطاني تجهد في هذا السبيل، وان كانت المعطيات ماتزال عند نقطة يستحيل معها قراءة ما حدث بغير التحليل السياسي… ما يؤكد ان ما جرى، لا بد وان يكون في خدمة أهداف من بينها وضع الحكومة اللبنانية، وبالتالي لبنان أمام خيارات ضيقة جداً من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
– تنظيف منطقة جنوب الليطاني من كل سلاح ومسلحين خارج الجيش و«اليونيفيل»…
– إعادة تجميع القوة الدولية وتخفيض عديدها.
– التوسع في المهمات…
– او الانسحاب… وهو أمر تنفيه ظاهراً مصادر «الأمم المتحدة» و«اليونيفيل»، لكنه بات احتمالاً وارداً بالنسبة الى الفرنسيين، حيث لا يحتمل الرئيس نيكولا ساركوزي هذا الضغط وهو يخوض معركة تجديد ولايته في الرئاسة الفرنسية… إضافة الى عوامل أخرى يجري التنسيق بها مع الادارة الاميركية…

… القرار النهائي رهن التطورات
في رأي المصدر، ان الاحتمالات الأربع واردة وهي قيد الدرس على أرفع المستويات الدولية، والقرار النهائي موقوف على جملة اعتبارات بعضها على ما ستؤول اليه التطورات في سوريا، التي لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها أياً آلت اليه… الأمر الذي أدى بأطراف عديدين الى إعلان الحذر والقلق مما يمكن ان يحصل، على نحو ما ذهب اليه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، في موقفه الأخير اللافت، والذي قرأ فيه كثيرون «استدارة كاملة» عن مواقف سابقة، بدعوته «الحكم الى ان يحزم أمره ويتحمل مسؤولية أمن المواطنين عامة وقوات حفظ السلام الدولية… والعمل الجدي من أجل جمع السلاح وحصره بالقوات الشرعية اللبنانية وإخضاع كل المهام الدفاعية والأمنية لقرار السلطة السياسية…» لافتاً الى أنه «لم يعد مقبولاً على الإطلاق ان يظل أمن البلاد رهينة في أيدي أحد، تحت أي شعار…». 

السابق
لنقرأ التاريخ على إيقاع الأزمة السورية
التالي
لا عودة لسياسات الإلغاء