البحرين·· في خضم الصراع الخليجي – الإيراني

 أبرز ما تتميز به البحرين عن غيرها من دول المنطقة ان عاهلها، حمد بن عيسى آل خليفة، يقود اليوم حركة اصلاحية من نوع آخر تتركز على اصلاح أو تعديل القوانين السائدة في البلاد بحيث تتماشى مع المعايير الدولية، فأقدم مؤخراً على انشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان كجهاز مستقل وليس تابعاً للحكومة تعمل حسب مبادئ باريس التي تجسّد المعايير الدولية لحقوق الإنسان·
وجاء إعلان العاهل البحريني في أعقاب تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة التي يرأسها المصري محمود شريف البسيوني أكدت فيه ان السلطات الأمنية في البحرين استخدمت <القوة المفرطة> في اخماد التظاهرات التي اندلعت في 14 شباط الماضي أسفرت عن سقوط 35 قتيلاً من المدنيين وعناصر من الأجهزة الأمنية·

وبسبب الضجة الواسعة التي اثيرت حول ضحايا الاضطرابات واستخدام وسائل العنف ضد المحتجين والتي أدت تداعياتها إلى توجيه أسهم الانتقاد إلى سلطات البحرين أوعز العاهل البحريني بتأليف لجنة تقصي الحقائق لمعرفة ما جرى في 26 شباط الماضي·

لم يتردد ملك البحرين في اتخاذ الخطوات التي من شأنها معاقبة المسؤولين عن سفك الدماء فأقصى رئيس جهاز الأمن الوطني الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة من منصبه رغم انه من العائلة المالكة واستبدله بتعيين عادل بن خليفة الفاضل الذي لا ينتمي للأسرة، كما كلف هيئة بتطبيق التوصيات التي تضمنها التقرير·

وكشف بسيوني في سرده حقائق الوضع في البحرين ان للأزمة السياسية التي تعانيها ذات بعد طائفي مذهبي واضح بعيداً عن السياسة بمعناها الحقيقي، مشدداً في الوقت ذاته على ضعف الثقة بين السُنّة والشيعة في البلد·

عوّدنا العديد من المسؤولين العرب على تبرير استخدام القوة ضد المحتجين على الأوضاع المتردية التي يعيشون فيها، فأما اتهامهم بأنهم ارهابيون أو غوغاء واهمال الاعتراف بمطالبهم المشروعة بل ان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لم يتردد في وصف معارضيه بأنهم <جرذان> وليسوا متعلمين ومثقفين·

عاهل البحرين لم يوجه أوصافاً سيئة للمتظاهرين الذين استمروا في تظاهراتهم من شباط حتى آذار بل استعان بقوات <درع الجزيرة> ليس في إخماد الفتنة بل في حراسة الأماكن الحساسة بعدما دخلت مسافة 26 كلم فقط وأقامت في معسكرات خاصة طبقاً لما جاء في التقرير وتولت قوات الأمن قمع التظاهرات ومن ثم إعلان حالة الطوارئ لفترة ثلاثة اشهر·

الشيخ حمد بن عيسى تعهد بمحاسبة المسؤولين عما حصل معترفاً بأساليب التعذيب التي مورست وبإستخدام القوة، موقف لم يتخذه أي مسؤول في أي بلد كان حرصاً على أمن البلد واستقراره·

وزير خارجية البحرين عقب على تقرير تقصي الحقائق قائلاً ان إيران ضالعة في التحريض الإعلامي حيث ان صحافتها وإذاعاتها وقفت مع المتظاهرين في انتقادها للسلطة البحرينية· ولا يخفى على أحد مطامع طهران في المنامة· بعض مسؤوليها لم يتردد في الدعوة إلى الحاقها بإيران بين الفينة والفينة·

البحرين رغم صغر حجمها حيث تبلغ مساحتها 678 كلم2 ونفوسها يقدرون بـ 730 الف نسمة موزعون على عدة جزر فانها تتمتع بأهمية استراتيجية كبرى· وكانت خاضعة للوصاية البريطانية حوالى قرن ونصف انتهت عام 1971 بحصول البحرين على استقلالها·v وقد اعقب الاستقلال اتفاق البحرين مع الولايات المتحدة على اقامة قاعدة بحرية ضخمة لتكون مقراً للأسطول الخامس الذي يضم 40 سفينة و30 ألف مستخدم حالياً·

ويتفق مراقبون على ان هذا الأسطول يعمل في بقعة صعبة وخطيرة للغاية من العالم· أما مهمته الرئيسية فهي توفير الأمن لمضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 40% من النفط الذي تصدره دول الخليج إلى مختلف المناطق·

إضافة إلى الأسطول الأميركي، لدى البحرية البريطانية مدمرات وكاسحات ألغام متمركزة في جانب آخر من القاعدة· كما ان غواصاتها تزور البحرين في المناسبات ما يضفي أهمية البحرين بالنسبة للغرب·

عليه، فان أي عدوان لإيران على البحرين يفجر حرباً في المنطقة بل يرى محللون ان تهديدات طهران بغلق مضيق هرمز في حال وقوع عدوان اميركي عليها بسبب برنامجها النووي لا تعدو أن تكون تهديدات فارغة غرضها تعزيز سياستها لدى الرأي العام الإيراني، مضيق هرمز ليس ملك إيران ولا البحرين ولا دولة الإمارات العربية المتحدة أو سلطنة عُمان فهو مضيق دولي مثل <باب المندب> يستخدم لأغراض إقتصادية وسلمية لكافة البلدان·

وعندما يتحدث وزير خارجية البحرين عن تحريض إيران الإعلامي فهو لا يجافي الحقيقة، فقد اثبت العملاء ذلك فهم رفعوا صور الخميني حين جرت تظاهرات شباط وقاموا بتفجير حافلة قرب السفارة البريطانية في المنامة في 4 كانون الأول مستغلين توتر العلاقات بين بريطانيا التي قلصت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بسبب ملفها النووي ورداً على العقوبات الدولية الجديدة التي فرضها مجلس الأمن الدولي عليها مؤخراً، علماً ان <الباسيج> اقتحموا مقر السفارة البريطانية في طهران واحرقوا سيارة تابعة لها وأعلاماً بريطانية وأميركية وإسرائيلية ما أدى إلى مغادرة 25 دبلوماسياً إيرانياً لندن بناء على طلب الحكومة البريطانية·

في إنتخابات 23 تشرين الأول الماضي فاز اعضاء جمعية <الوفاق> الشيعية بـ 18 مقعداً من أصل 40 يتألف منها برلمان البحرين إلا ان الجمعية سحبت ممثليها في محاولة لأرغام السلطة على الاستجابة لمطالبها في الاصلاح، وقد تمت الموافقة على استقالة 11 منهم ما دعا الحكومة إلى إجراء إنتخابات فرعية لتثبت انها لا تنصاع للضغوط المحلية التي تتلقى الايحاء من الخارج·

لكن الملاحظ ان النظام الملكي في البحرين سبق المعارضة في الإعلان عن استعداده لبحث مطالبها· هكذا استبق تظاهرات 26 شباط باطلاق سراح عدد من المحكومين السياسيين وايقاف دعاوى جنائية ضد ناشطين شيعة بلغ عددهم 25 كانوا يحاكمون بتهمة الارهاب·

ودعا ولي عهد البحرين المعارضة إلى الدخول فوراً في حوار وطني لبحث مشاكل البلاد وإيجاد الحلول لها إلا ان المعارضة رفضته مصرّة على إقالة الحكومة قبل إجراء الحوار·

ولأن البحرين ليست دولة نفطية حتى يمكنها القيام بمشاريع مختلفة إذ ان انتاجها اليومي يبلغ نحو 40 ألف برميل، فانها تسد حاجتها من الطاقة من المملكة العربية السعودية التي سبق ان انجزت بناء أطول جسر في المنطقة يربطها بالمنامة في ثمانينات القرن الماضي يبلغ طوله عدة كيلومترات يستخدم في الحركة التجارية وتنقل الأشخاص·

إلا ان البحرين عوّضت عن انتاجها النفطي باتباع سياسة اقتصادية ليبرالية ما جذب العديد من الاستثمارات· يكفي ان لديها أكبر مصنع لانتاج الالمنيوم في الخليج· هناك أكثر من أربعمائة مؤسسة مالية ومصرفية تعمل فيها انشئ أغلبها برؤوس أموال سعودية وخليجية واجنبية·

غراهام أي· فولر، نائب الرئيس السابق لمجلس الاستخبارات القومي في وكالة الاستخبارات الأميركية ومساعد أستاذ في التاريخ في جامعة <سيمون فريزر> ومؤلف كتاب <عالم بدون إسلام> قارن بين البحرين ودول الخليج الأخرى· قال ان الجزيرة تحررية في حرياتها الاجتماعية ويشعر الأجانب الذين يعملون فيها كأنهم في أوطانهم· يمكن للشخص تناول المشروبات والذهاب إلى النوادي الليلية والشاطئ وإقامة الحفلات، لكن لو نظرت خلف البنايات الشاهقة لرأيت الأحياء الفقيرة التي يقطنها أغلبية شيعية وهي مهملة من قبل الدولة·

وبدا ان عاهل البحرين التفت إلى هذه الناحية فأعلن عن عزم الدولة بناء 50 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الخمس المقبلة بكلفة تقدر بحوالى 5 مليارات دولار تموّل من صندوق المساعدات الذي قررت دول الخليج انشاءه لمساعدة البحرين في تنفيذ مشاريع تنموية·

رئيس لجنة تقصي الحقائق، شريف بسيوني، أبدى أسفه مما عليه الأوضاع في البحرين قائلاً ان الجمعيات السياسية البحرينية المعارضة لم تنتهز فرصة صدور تقرير اللجنة للبدء بخطوات نحو الوفاق الوطني وإعادة تقرير اللجنة للبدء بخطوات نحو الوفاق الوطني وإعادة اللحمة الوطنية والمصالحة·

واعترف بسيوني ان الأزمة السياسية البحرينية طائفية مذهبية وان <الثقة مفقودة بين فئات الشعب البحريني وبناء الثقة أمر مهم جداًَ وهو يتطلب وقتاً واستراتيجية وأسساً علمية تستفيد من الخبرات العالمية>·

والثقة المفقودة تعود دون شك إلى الإنقسام الطائفي الذي يجري التحريض عليه من خارج الحدود، ولا بد للعقلاء ان يستجيبوا للدعوة إلى حوار وطني يتم خلاله التفاهم والتوافق· تخطيء إيران إذا كان تحريضها سيؤدي إلى تغيير النظام فالبحرين تعد بمثابة لؤلؤة الخليج لا يمكن لمجلس التعاون الخليجي ولا الغرب الاستغناء عنها مطلقاً· هروع قوات درع الجزيرة لمساعدة النظام على تقوية سيطرته وأمنه واستمرار بقاؤها لأقوى دليل على أهمية البحرين وموقعها الاستراتيجي· 

السابق
هل يدفع بوتين ثمن تأييده الأسد؟
التالي
الشيعة… والدرس الأول والأهم!