هل يعرض الأسد فكرة حكومة وحدة وطنيّة؟

الدوخان العربي والغربي في ملاحقة القضية السورية لن يفيد في كسر الصورة النمطية السائدة حيال ما يجري، بين من يحمّل النظام مسؤولية كل ما يجري، ومن يحمّل المعارضين مسؤولية أخذ البلد الى الخراب. إلا أن الأكيد هو أن الأمر سيطول، ما يجعل الحديث عن هدوء قريب في سوريا ضرباً من الخيال في المدى المنظور. لكن حالة النزف والمراوحة لناحية عدم حصول تغييرات سياسية نوعية، ستؤدي الى وضع السوريين في مواجهة استحقاقات إضافية لا تتصل فقط بعناوين الأزمة القائمة منذ أشهر طويلة. وستتحول عناوين تخصّ التعايش بين المواطنين وحدّة الانقسام السياسي والتشرذم الطائفي والأزمة الاقتصادية والمعيشية الى عناوين يومية، تحتل مكانة موازية للعناوين القائمة الحالية، والمتصلة بالحريات والديموقراطية والتغيير وإسقاط النظام وحرب التدخل الخارجي وخلافه. ويوماً بعد يوم، سيكون العالم، القريب أو البعيد، مضطراً إلى التعايش بدوره مع الوقائع السورية الجديدة، بمعزل عن كل أنواع التقديرات التي تضعها السفارات أو أجهزة الاستخبارات، وخصوصاً الغربية منها، والتي تشيع في أوساط إعلامية وسياسية بأن عمر النظام شارف على الانتهاء، علماً بأن هؤلاء يحاذرون هذه الفترة إعطاء مهل زمنية.

وإذا كان الخارج مهتماً بخلق كل ما يمكن أن يساعده على خطته بإسقاط النظام وإيصال مجموعة سياسية موالية له الى الحكم، فإن النقاش داخل المعارضة نفسها صار يتصل أكثر بكيفية دعم الخطط الغربية، لا بكيفية صياغة مشروع مستقل يجري جذب العالم إليه. وعندما نتحدث عن المعارضين، فهذا يخص معارضي الخارج، لأن من في الداخل لا يبدو أنه قادر على إعلان موقف موحد يلزم الشارع به، ما يعني أن المعارضة الخارجية استهلكت سريعاً ما عندها من مواقف وشعارات وأفكار، وصارت تعمل رهن الأجندة الخارجية. فإذا قرر العرب عقد اجتماع طارئ للجامعة بقصد ممارسة المزيد من الضغط على النظام، سارع المعارضون في الخارج الى تأدية الدور في رفع منسوب الكلام عن وضع غير عادي تعيشه سوريا، وعرض أرقام كبيرة جداً لضحايا المواجهات مع حصر المسؤولية في النظام، وبتجاهل غريب عجيب لجنازات يومية لعناصر من الجيش والأمن في سوريا، وكأن هؤلاء من المتظاهرين الذين قتلتهم قوات النظام.
لكن، هل من طريقة مختلفة للتفكير عند أهل القرار في سوريا؟ليس بمقدور أحد، أو هكذا يكون الاحتياط، بأن يقدّر وجهة واضحة حيال التعامل مع الأحداث الجارية. لكنّ ثمة تداولاً في أفكار يمكن القول إنها تعكس تغييراً في طريقة مقاربة القيادة السورية للأزمة، مع توضيح ضروري بأن من يقوم بهذا الأمر يتصرف بأنه ليس واقعاً تحت الضغط الذي يفرض خطوات دراماتيكية. بل على العكس، ثمة درجة عالية من الهدوء، لكن مع قدر عال من التهيب للمرحلة المقبلة، وفقاً لاعتبارات عدة، منها:

ـــــ أن القيادة السورية تتصرف على أساس أن الأزمة الداخلية قائمة، وأن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي عقد لقاءات شملت عدداً كبيراً من السوريين، ولدى قسم كبير منهم احتجاجات جوهرية، خرج بخلاصة ثابتة بأن الشعب السوري يريد، بقوة، تعددية سياسية تتيح المزيد من الحريات وتداول السلطة، وأن هذه التعددية تتيح تشكل مؤسسات لا تكون رهن فئة واحدة، وتتيح قواعد رقابة تحدّ بقوة من التدخل الكبير لمؤسسة الأمن في حياة الناس. وتحدّ بالتالي من موجة الفساد العامة.
ـــــ أن القيادة السورية تتصرف على أساس أن التعددية تلزمها بإلغاء المادة الثامنة من الدستور، وبالتالي السعي الى مشاركة آخرين من خارج حزب البعث في السلطة، وهذا يقود المتفكرين في الأمر الى اقتراح وحيد يقضي بالسعي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ مناصرين للنظام الحالي، ومعارضين له ومستقلين من الذين لا يعتبرون أنفسهم من صلب النظام، وممن هم غير منخرطين في تحركات المعارضة، على أن تكون لهذه الحكومة صلاحيات واسعة تتيح تحقيق إصلاحات حقيقية على صعيد الإدارة والاقتصاد، وتتيح الفرصة أمام إبعاد أجهزة الأمن بقوة عن الإدارة وعن حياة الناس اليومية.

ـــــ أن القيادة السورية تتصرف مع المعارضين المنضوين في المجلس الوطني السوري في الخارج على أساس أنهم في واقعهم الحالي لا يمكن أن يتحولوا الى شريك فعلي، ولذلك يبدو أن الاتصالات غير المعلنة عادت بين مسؤولين في النظام ومعارضين من الداخل، ولو أن من في النظام يعتقدون بأن هؤلاء يبدون حذراً كبيراً وخشية من أن يطيحهم الشارع، من دون إقفال الباب أمام وساطات خارجية مع بعض الأطراف أو الشخصيات المنضوية في المجلس الوطني.
ـــــ أن القيادة السورية حسمت أمرها لجهة أنها في مواجهة تحالف عريض يضم عدداً من الدول العربية والغربية الى جانب تركيا، وأنها تعمل بوتيرة تستهدف تثبيت علاقاتها بروسيا والصين وإيران ودول أخرى مثل العراق، من دون إقفال الباب أمام دول أخرى، وهي تهتمّ، على وجه الخصوص، بمحاولات جارية مع السعودية.

وبانتظار تبلور الصورة، وهو أمر سيحتاج الى وقت طويل، فإن المشهد الداخلي في سوريا يتجه، يوماً بعد يوم، نحو التركيز على نتائج الحصار الاقتصادي والمالي وانعكاس ذلك على الناس، كما على الحكومة، علماً بأن الحديث عن بؤر التوتر الطائفي والعسكري يقود حكماً الى انتظار قرار للقيادة السورية في إطار المواجهة مع خصومها المسلّحين.  

السابق
مبادرة جنبلاط
التالي
أحمد الحريري: عدم التمديد للمفتي الرفاعي يمحي انجازات ثورة الارز