الموسوي يملك الحقيقة، كل الحقيقة، ومن يخرج عن هذه القناعة سيكون عرضة لما تعرض له اللبنانيون بالأمس. نعم، هذا ما يشعرنا به نائبنا المنتخب كلما شاهدناه على التلفزيون. الحقيقة التي تفيض عن جسمه وعن وجهه، والتي يتعالى بها عن أمثالنا نحن خصومه العاديين والخائفين والخونة. إنه الحق وقد تجسد برجل، وهو إذ ينعم علينا بظهوره في التلفزيون أو في مجلس النواب، فإن من المفترض بنا أن نصغي إلى المعرفة المتدفقة على نحو ما يتدفق نهر الفرات مخترقاً الصحراء المقيمة في عقولنا.
حين تنعقد الشتيمة على مقدار من الاعتقاد المطلق والإيمان بامتلاك الحق والمعرفة، تتحول إلى شحنة عنف لا تقل فتكاً عن أشكال العنف المباشر. فنحن في حالة حزب الله حيال سلطة تشعر بالحاجة إلى عنف الخطاب. هذه ليست مثلاً حال حزب البعث خلال ممارسته عنفاً على السوريين وقبلهم العراقيين. هناك يشوب العنف صمتاً مطلقاً، وهنا يتوسل العنف الخطاب المعلن في سعيه لضبط التناقضات في محيطه.
قد يفسر الفارق بين شكلي العنف فوارق بين المضامين الأيديولوجية لنوعي السلطتين اللتين تمارسهما. سلطة البعث هرمة، والعنف "الناضج" الذي تمارسه، ليست هي نفسها سلطة حزب الله المترعة بقناعات شمولية طازجة وعير مختبرة. فنحن في حالة حزب الله حيال حزب أيديولوجي ديني من المفترض أنه في طور تجريب العنف وفحص ردود الأفعال عليه، وهو إذ يقدم على ذلك سواء على مستوى الممارسة (7 أيار) أو على مستوى الخطاب (عمار الموسوي وعلي عمار وعبرهما)، إنما يظهر كمن يجري تجارباً على أشكال ردود أفعالنا.
لا شك في أن الأمر يتطلب تأملاً بما يتعدى ما قاله الموسوي في مجلس النواب، فثمة خطاب يمارس عنفاً بحقنا منذ أكثر من خمس سنوات. هناك كتاب يفعلون ذلك، وسياسيون طبعاً، وناشطون في الشارع، ومصدر العنف واحد. فلنتأمل قليلاً بالأسباب التي تدفع نائباً في البرلمان إلى أن يقول: "صباطي أشرف منك". السبب المباشر سياسياً وفق ما قال النائب، لكن الحدود النفسية لأي تصرف ترسمها عادة مشاعر أعمق من السياسة. أنواع من الاستجابات الداخلية غير المدركة لشطط النفس وقد تلبّسها شعور بامتلاك المطلق. الأرجح أن الموسوي ندم على فعلته، لكن القابلية لقوله ما قال مقيمة في منطقة من وعيه أو لاوعيه، ذاك أن النفس لا تأتي بتصرف من خارج منظومة الممكن.
إنها الأيديولوجيا المؤسِسة لشعور الحق والمعرفة. الأيديولوجيا الكثيفة والتي تمنع الشك والخفة وتعيق الخيال. لكنها من جهة أخرى أيديولوجيا غير نخبوية على الإطلاق، وهي لم تُبدع قاموسها وخطابها. أيديولوجية عامية تتوسل في مواجهاتها لغة متداولة ابتذلتها العامة.
نعم، علينا أن نقبل اعتذار الموسوي، لكن قبولنا به يجب أن يشفع بالقول بأننا تعرضنا للعنف نتيجة سماعنا ما سمعنا في المجلس النيابي.