حسنات التظاهرات اليتيمة

متظاهرو امس كانوا وحدهم يصرخون بوجع كل اللبنانيين. لا جديد في الامر. ففي العادة، يفضل اللبنانيون انتظار موقف القيادات السياسية للاتجاه يميناً او يساراً، تظاهرة او اعتصاماً او حرق اطارات، او حتى اجتياحات محدودة لمناطق نفوذ الطوائف الاخرى. وبانتظار اوامر القيادات العليا، فإن جزءاً من المعلمين المستقلين وبعض النقابيين صرخوا امس بمطالب كل المواطنين.

الانسان اللبناني مسكون بهاجس الطوائف، وبهمّ انتمائه الى فئة دون غيرها، ويعيش فوبيا الخوف من الآخر، وعقدة الظلم الدائم من الآخر ايضاً. وحين يشعر بالجوع يكتفي بالتذمر، وهو يعلم ان الحل ليس بالتضامن او العمل النقابي او الصراخ في الشارع والضغط على السلطات، بل بالانتماء الى نظام الزبائنية، اي ان يلجأ الى وساطة ما تتيح له الحصول على حق من حقوقه، سواء في الطبابة او ايجاد وظيفة افضل او تعليم ابنه، مقابل الانصياع الكامل للنظام السياسي وتقسيماته القائمة.
الاتحاد العمالي العام مشغول بتظاهرة واضراب ضخم، يعد لهما لفترة ما بعد الاعياد، وهو يسعى راكضاً ما بين القوى السياسية عله يحظى بجرافة او اثنتين لاغلاق الطرقات، وبضع شاحنات من الاطارات لاشعالها عند الاوتوسترادات الرئيسية، وبضع عشرات من الشبان ليجلسوا في المفارق، وآلاف من المتظاهرين يحملون لافتاته، حتى يتمكن القياديون النقابيون من السير في طليعة التظاهرة.

لكن من المشكوك فيه أن يقنع الاتحاد العمالي القوى السياسية بإغلاق الطرق، فليس هناك من داع لذلك، اذ يبدو ان التنسيق الفوقي وصل الى النتائج الحميدة، ويمكن تجزئة الحل الى قطع وتمريره مفككاً عبر مجلس الوزراء، تماماً كما حصل مع خطة الكهرباء، وبالتالي من المستحسن ان ينام الاتحاد العمالي وقياداته، خصوصاً ان الاضراب المقترح في السابع والعشرين من الشهر الجاري يأتي في ظرف دقيق وحساس تنصرف الجماهير فيه الى اشكال الاحتفال.
الحزب الشيوعي، من ناحيته، استطاب تظاهرات اسقاط النظام الطائفي، لكنه لا ينظر ــــ كما يبدو ــــ بكثير من الثقة الى شركائه في اسقاط الزودة الجديدة، وهو لذلك لم يبذل جهداً كبيراً في الحشد لتظاهرة امس. طبعاً، المعلمون الشيوعيون والعديد من الشبان المتحمسين لا ينتظرون اشارة للنزول الى الشارع، فهم يعرفون درب النضال سلفاً، لكن قيادة الحزب لم تكن على ما يظهر على الموجة النضالية نفسها.الحزب التقدمي في واد آخر، البحث اليوم عن مصير بلاد الشام بأكملها، والمعلمون وزودة الاجور في لبنان من سفاسف الامور، ليس الآن وقت البحث في التفاصيل بينما العاصفة تهب مرتين وثلاثاً وأربعاً عند قائد الحزب (الذي لن يجدد رئاسته بحسب ما تعهد). ولذلك تُرك المتظاهرون النقابيون وحدهم امس امام السرايا الحكومية.
حزب الله لا يستسيغ عادة التحركات المطلبية المختلطة. يفضل، عادة، ولأسباب تعنيه، ان يكون وحيداً في تحركاته، وهذا أمر ليس جديداً، هكذا جرت العادة وهكذا ستستمر الامور، علماً ان مجموعة صغيرة من معلميه شاركت رمزياً امس رافعة لافتة «تضامن مع المطالب» وكأن هؤلاء المعلمين الذين شاركوا لا تعنيهم هذه المطالب، بل يتضامنون مع اصحابها فقط لا غير.

التيار الوطني الحر غاب، رغم ان من المفترض انه صاحب المظلمة، ومشروعه هو ما تم تجاهله في مجلس الوزراء. ثم ان التيار لطالما احب المظاهرات السلمية والحضارية، لكنه هذه المرة غاب الا من جزء من معلميه الذين حضروا مع رفاقهم الاساتذة الآخرين، من دون ان يكون هناك حشد وتنسيق بين اساتذة التيار المليء بالاساتذة والموظفين الرسميين.
الا ان اكثر ما يثير الاستغراب هو غياب قوى فريق 14 آذار، وكأن المطالب الاجتماعية لا تعنيهم اساساً، وهم يكتفون ببعض العبارات المرتبكة كلما وصلت الامور الى المواضيع العمالية والمطلبية والاجتماعية. ربما يعتقد القيمون على قوى 14 آذار أن الأزمة الاقتصادية في البلاد هي نتيجة للوجود السوري، وان التضخم المالي ناتج من تكديس حزب الله للسلاح المقاوم، ويبدو أن التغطية الصحية الشاملة، بحسب رأي هذا الفريق، مرتبطة مباشرة وعضوياً بشبكة اتصالات المقاومة التي تشوش على صحة المواطنين وتعوق عمل الضمان الاجتماعي.

علماً انه لم تكن هناك فرصة افضل امام تيار المستقبل وملحقاته من قوات وشخصيات من مناسبة التظاهرات العمالية لإسقاط «حكومة حزب الله» برئاسة نجيب ميقاتي، وكان الاجدر بالرئيس السابق فؤاد السنيورة ان ينتهز المناسبة ويتصدر التظاهرة، ليشعر ميقاتي بخطاياه تجاه الفئات اللبنانية الفقيرة، الا اذا شعر السنيورة للحظة بأسباب فقر هذه الفئات، وهو امر مستبعد.
بكل الاحوال، واحدة من فوائد تظاهرة امس انها كانت مطلبية كلها، لا الوان طائفية فيها، وظهر من الذي يؤيد حياة افضل لمواطنيه، ومن يدعمهم جزئياً، ومن لا يعنيه مطلبهم بالحياة الافضل لا من قريب ولا من بعيد.  

السابق
شبايطة: نتخوّف من إعادة تجربة نهر البارد
التالي
اللبنانيون في اسرائيل بعد العفو العام.. سيعودون بخيانة أكبر