اللبنانيون في اسرائيل بعد العفو العام.. سيعودون بخيانة أكبر

يرفض "لبنانيو إسرائيل" إقتراح "تكتل الاصلاح والتغيير" الذي أقرّ في مجلس النواب والقاضي بعودة العملاء السابقين لما يسمى بـ"جيش لبنان الجنوبي" الى لبنان، على أن يخضع هؤلاء للمحاكمة من القضاء اللبناني.
إمتعض أصحاب "القضية"، وأهاليهم أيضا، من هذا القانون، معتبرينه مجحفا، مطالبين بالعفو العام وفقاً للإقتراح الذي قدمه النائب سامي الجميل والذي ينصّ في مادته الاولى على التالي: يمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 31 كانون الأول 2000 المنصوص عنها في المواد 273 حتى 298 ضمناً من قانون العقوبات اللبناني.
إلا أن "قانون العفو" لم يحصل على إجماع سياسي، وإن تأتّى له شبه إجماع نيابي، بعد جدال طويل في شرعيته القانونية والأخلاقية تحت عنوان "استكمال المصالحة الوطنية". فقد تجاهل المطالبون به الحقوق المدنية لمن لم يتنازلوا عن حقهم بمعاقبة الخونة والتسبب في مقتل أفراد من عائلاتهم، أو هدم منازلهم.
"اللبنانيون في اسرائيل"، مصطلح برز في فترة ما بعد التحرير في العام 2000، ومن أصل أكثر من 7000 عميل لم يتبقّ أكثر من نصفهم في منطقتي طبريا ونهاريا، والباقون هاجروا إلى الولايات المتحدة الاميركية واستراليا واوروبا وكندا، وهؤلاء لا يندمون على ما قاموا به بل يعتبرونه من أجل
"الجمهورية اللبنانية"، ويتسلحون بحقهم في العودة إلى الوطن الأم من دون أي محاكمة استنادا إلى أنهم أجبروا على الهجرة والاقتلاع من جذور الوطن تحت سيطرة السلاح، أما عن قضية تعاملهم مع العدو الاسرائيلي فيبررونها بحجة الدفاع عن "الكرامة والارض والعرض". والقسم الباقي من العملاء فضلوا
البقاء على أراضي فلسطين المحتلة وفي ربوع المحتل الاسرائيلي على أن يعودوا للمحاكمة في وطنهم.
وقد أدرك هؤلاء العملاء أهمية الاعلام فخاضوا تجربتهم الخاصة بنقل "قضيتهم" إلى الرأي العام للدفاع عن أنفسهم وذلك من خلال موقع الكتروني وصفحة على الفايس بوك تحملان اسم "اللبنانيون في اسرائيل"، وهم يعبرون عن موقفهم الذي لم يتغيّر، بل ما زال على نفسه كما في السابق، وفقا لقولهم
الشهير "لا شيء معيب فيما نفعل او نقول، لأن كل مواطن لبناني شريف يؤمن بلبنان، ستتناسب افكاره وكتاباتنا".
 الغريب في هذا الموقع أن من يتابعه يجد "عزّة" و"كرامة" لدى هؤلاء العملاء لا تجدها في لبنانيي لبنان، فهم يتابعون الصحف العبرية وينقلونها إلى موقعهم، ويدافعون عن الدولة الاسرائيلية المهددة من "العدو" حزب الله، الذي لا يزال خصماً لأنه "بمشروعه وطروحاته يتناقض مع الكيان والهوية اللبنانية"، فيجهدون الى نقل أخبار عن الحزب المقاوم، ويجمعون الأخبار عن الصواريخ المنقولة من ايران وسوريا، صاروخا صاروخا. والأغرب من ذلك كله انهم يصرون على دحض ما يشاع بأنهم غير مرغوب بهم في المجتمع الاسرائيلي، موضحين ان اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية "حالها حال كل
مغترب لبناني"!!

كل كلمة في هذا الموقع تهاجم حزب الله، وتصف أمينه العام بكلمات نابية، وقد نقل خطابه الاخير في يوم الشهيد على الموقع تحت عنوان "ردّ على حسن نصرالله مشعوذ الحقائق والمعتلّ الذاكرة"، مع العلم ان موقف السيد بدا مغايرا، فبعد ما قيل عن أنّ مشروع العفو عن العملاء اللحديين إهانة كبيرة إلى تضحيات الشعب اللبناني وجهاد المقاومين، تغاضى سياسيا عن هذه المقولة مكتفيا بتذكير هؤلاء "الأبطال" بأنّه "لم يقتل احد لا من جماعة انطوان لحد ولا من المدنيين بل سقط شهداء من المقاومة، ولم يُقتل أحد ولم تُرتكب أي مجزرة ولم يهدم أي دار ولا أي مكان للعبادة، ولم تنتهك كرامة احد، والعملاء الذين اوقفوا تمّ تسليمهم مباشرة إلى القضاء اللبناني"، وأضاف السيد نصر الله: "أنا أظن أن هؤلاء الذين هربوا، وطبعا حقهم ان يفعلوا ذلك، لأن المناخ والصورة الذهنية التي كانت سائدة في ذلك الوقت تساعد على هذا الخيار، إلا أن معظمهم يعرفون أعمالهم فطبيعي أن يهربوا".

تجدر الإشارة إلى أن التاريخ شهد على العديد من الحالات المشابهة، فبعد تحرير فرنسا من القوات النازية وسقوط حكومة فيشي العميلة، نظّمت المقاومة الفرنسية محاكمات وأعدمت الآلاف من العملاء في الساحات العامة حتى من دون أن يقول القضاء الشرعي كلمته في نزاهة الأحكام الصادرة في حقهم، ومن أفلت منهم من القصاص الشعبي، حوكم في محاكم رسمية وجرّم بأفعال العمالة والخيانة. وحدث الشيء نفسه في المغرب بعد الاستقلال، حين أعدمت قوى المقاومة وجيش التحرير عملاء فرنسا وإدارتها الاستعمارية، بينما التمست الدولة براءة لبعضهم ممن سيُلحقُون بأجهزة الأمن والجيش. أما في الجزائر،
فقد اضطر عشرات الآلاف من "الحركيّين" إلى الهروب من جيش الاحتلال الفرنسي على مثال هروب العملاء اللحديين من الجيش الصهيوني خشية الاقتصاص الوطني منهم، وما زالوا حتى اليوم، وبعد ثلاثة وأربعين عاماً، خونة وعملاء في نظر الدولة لا يجرؤون على دخول الجزائر.
لكن في لبنان يعود ملف الهاربين الى اسرائيل الى واجهة الاهتمامات اللبنانية، فبين رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع وبين حزب "الكتائب اللبنانية"، بحث الطرفان عن مكسب في الوسط المسيحي مع إقرار هكذا قانون، ف ظلّ احتدام الخلاف بوجود معارضة رافضة وبشكل قاطع هذا القانون على قاعدة أن العميل يبقى عميلا مهما مرّ من قت ومهما تغيرت الاجواء السياسية الراهنة.
ويستند هؤلاء في رفضهم إلى المعلومات التي ترد من الداخل الاسرائيلي عن اوضاع العملاء، وكيفية مقاربتهم للامور والمدافعة عن السياسة الاسرائيلية في المنطقة، كذلك وجود أكثر من 70 شابا لبنانيا يخدمون في الجيش الاسرائيلي او بما يسمى في "الخدمة المدنية"، إضافة إلى أن معظم من ولدوا في اسرائيل لا يجيدون اللغة العربية، وقد جاءت رسالة أطفال لبنان في اسرائيل إلى أصحاب القرار في دولتهم الأم لتقول: "نحن ضحية حرب الغير على أرض لبنان"، وكأن من استشهد قبل التحرير دفاعا عن جنوب لبنان استشهد دفاعا عن ايران او افغانستان وربما عن سوريا او السودان!!
لا يمكن لأحد أن يجادل في نزاهة المقاومة غبّ التحرير، حين لم يصب أي لحدي برصاصة او تلقى شتيمة، بل سلموا إلى القضاء اللبناني الذي أصدر بحقهم أحكاما رمزية مخالفة للاعتبارات القضائية والعرفية لأسباب سياسية. وتلك بطولة لم تُسجّل لغير لبنان ومقاومته في هذا المضمار، حتى أن قسماً
من الشعب اللبناني أصيب باليأس من الرأفة المتزايدة مع المتعاملين ضدّهم وضدّ بلادهم، وكأنهم عصابات لسرقة الخبز والسيارات!

غريبة هي الذاكرة اللبنانية، فهؤلاء اللبنانيون في اسرائيل قتلوا وشردوا آلاف اللبنانيين، وقدموا معلومات وتفاصيل عن أرض لبنان وشعبه بحجة "إهمال الدولة لهم"، وبعد كل هذا يهون على القسم الاكبر من سياسيي لبنان استسهال أهوال تلك الصفحة السوداء من تاريخ لبنان. وكأن مفردات العفو والصفح والمعالجة الإنسانية لملف اللاجئين في فلسطين المحتلة ليست إلا كلمات من معجم اللغة العربية، غير آبهين لعشرات الآلاف من اللبنانيين الذين سقطوا قتلى، وعذبوا في السجون نتيحة لمعلومة او إشارة من هؤلاء العملاء.
وإذا ما قدّر على لبنان إعتماد السياسة العوجاء نفسها وإصدار قانون العفو في حق هؤلاء الخونة، فيكفيه أنه ومقاومته قد أنتجوا أرقى أشكال المقاربة الإنسانية والقانونية العادلة لملف للعملاء في تاريخ الإنسانية المعاصر. 

السابق
حسنات التظاهرات اليتيمة
التالي
الموسوي والجميل: الصبّاط بين الريف والمدينة