الدين والصراع السياسي

القيم الدينية في المسيحية والإسلام قيم توحيدية جامعة مفتوحة لكل الناس، غير مغلقة على طائفة أو مذهب أو على جماعة إتنية، ولا على شعب محدد أو "مختار".
هذه القيم موجهة أساساً ضد الظلم والظالمين، وضد الطغيان والطغاة، ضد الاحتكار والاستئثار. وهي دعوة الى الرحمة والمحبة لكل الناس، وحضّ على التسامي الأخلاقي والارتقاء النفسي والتسامح مع الجميع، وعدم مبادلة الشر بالشر.
هي تأكيد على فعل الخير لكل محتاج مهما كان لونه ودينه وجنسه وجماعته.

هي ثورة روحية تعمل على كبح الغرائز والشهوات وضبطها لتصرف إيجابيا بما يعزّز وحدة الجماعة ووحدة المجتمع ومصالحها الاساسية في الأمن والاستقرار، الامر الذي ينعكس إيجاباً لمصلحة كل فرد.
تاريخياً، جرى الاستخدام السياسي للدين وفي معظم مراحل التاريخ بطريقة بعيدة كلياً عن جوهر القيم الدينية، ان لم نقل بعكسها تماما. وشهدنا في العديد من الانظمة والتنظيمات العربية كيف تسخّر المؤسسات الدينية وكيف يستخدم رجال الدين في خدمة السلطة السياسية والمشاريع السياسية التي لا علاقة للدين بها. واليوم نشهد بشكل فاقع هذا التوظيف السياسي المبتذل الذي يتم ترويجه على المحطات الفضائية ومن خلال شخصيات دينية مشهورة وشخصيات باحثة عن الشهرة لكنها استطاعت من خلال هذه الوظيفة تحقيق ثروات طائلة.
 ميدان السياسة هو ميدان صراع وتصادم وتنافس. ميدان حرب باردة أو ساخنة، معلنة أو مستترة. حرب يستخدم فيها السياسيون كل أنواع الأسلحة التقليدية والمحرّمة، وكل أنواع الخداع والحيل والأساليب الملتوية وغير الشريفة للوصول الى غاياتهم وتحقيق أغراضهم. لا يمكن ضبط حركة الصراع السياسي داخليا كي لا تصبح حركة تدمير وانتحار إلا من خلال مسألتين:
– تأمين حرية العمل السياسي لجميع المواطنين وفق ضوابط وآليات محدّدة، بما يؤمن تداول السلطة وانتقالها سلمياً وفق ما تمليه الإرادة الشعبية التي يجري التعبير عنها بالانتخابات من خلال الأحزاب السياسية التي ينتظم فيها الناس على أساس افكارها وبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحسن سيرة ممثليها وأدائهم.

-التمييز بين الداخل الوطني والخارج الأجنبي.
أي عمل يستهدف وحدة الداخل الوطني لا يمكن ادراجه في خانة العمل السياسي، بل يصبح عملاً حربيا عدوانياً ضد الوطن والمواطنين ويجب مواجهته بحزم.
أي عمل سياسي يرتبط بالخارج الأجنبي لفئة ما أو شخص ما هو عمل خيانة يجب محاكمته وإدانته.
يقوم بعض رجال الدين المشهورين في العالم العربي بعمل خياني مزدوج :
– يعملون على تقسيم وتفتيت المجتمع من خلال دعوات تكفير الجماعات الدينية التي لا تنتمي الى مذهبهم، ويدعون الى القتل والثورة ضد الأنظمة التي لا تعجبهم، ويسكتون عن أنظمة أخرى دون وجود أي معيار منطقي للثورة وللسكوت.
– يدعون الى التعامل بحكمة وتعقّل مع العدو الصهيوني، بدلاً من.
أن يدينوا التآمر الدولي والعربي ضد سورية الذي يساهمون فيه بكل ما أوتوا من حقد وتعصب وجاهلية.

ان قبول بعض رجال الدين بأن يُستخدموا لتحقيق سياسة بعض الأمراء المرتبطين بمشاريع أميركية عمل يحط من قدرهم ومن قدر الرسالة الدينية التي يدّعون حملها.
الصراع السياسي يستهدف تحقيق مصالح ملموسة هي ذاتها لجميع الناس، مؤمنين وغير مؤمنين ولا علاقة للدين فيها. فلا مصالح سنية ومصالح شيعية ومصالح مسيحية…..
ان دخول المؤسسات الدينية ورجال الدين في الصراع السياسي الداخلي هو ردّة جاهلية خطيرة وعمل مناقض لجوهر الدين.
نحن في صراع قومي مصيري ضد العدو الصهيوني وضد الغرب الاستعماري بقيادة أميركا، لأنه صراع على قضايا وجود الأمة ومصيرها ومستقبلها. في هذا الصراع، على كل المؤسسات والشخصيات الدينية في العالم، المسيحية والاسلامية، أن تقف الى جانب الحق ضد الظلم، اذا كانوا منسجمين مع الدين الذي يدّعون الانتماء اليه.

البعد الديني للقيم يستلزم الوقوف الى جانب الحق القومي ضد الظلم والظالمين.
إن تدخل رجال الدين في الصراع السياسي الداخلي هو إجرام في حق الأمة والوطن.
فماهو حال الذين يتخلون عن القيم الدينية في مواجهة الظلم والطغيان ويعملون أبواقاً للخيانة؟  

السابق
اسطفان دويهي: اجتماع بكركي يؤسس لوحدة الموقف
التالي
رعد: لاهل المقاومة مصلحة بالحفاظ على الاستقرار خصوصا في ساحات المواجهة