ميقاتي يهزم نصر اللّه

ربح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جولات عدة ضد الأمين العام لحزب الله، وفي النهاية أعطي لميقاتي ما لم يتمنّه ولم يطلبه حتى. لقد كسر السيد حسن نصر الله رغم كل الزخم الذي قدم اللاعب الإقليمي نفسه من خلاله: الظهور العلني بين الجمهور، الخطاب العاشورائي، التعهّد بالوفاء للحليف الأبرز.

سبق أن تمكن نجيب من التغلب على حزب الله في عدة جولات: 1ـــ حصل على رئاسة الحكومة مقابل عمر كرامي. 2ـــ انتزع وزارة الداخلية بعد أشهر من المساومات مع ميشال عون. 3ـــ حافظ على تحالفه مع رئيس الجمهورية. 4ـــ فرض تشكيلة حكومية كأمر واقع. 5ـــ رفض التنازل عن مقعد وزاري سنّي فأعطي فيصل كرامي مقعداً شيعياً. 6ـــ رفض إمرار خطة الكهرباء فجرى تقطيعها إلى أجزاء. 7ـــ حصل على تمويل المحكمة بعد تأكيد عون وحزب الله استحالة تمويل الحكومة للمحكمة. 8ـــ لم يُقِل أياً من المديرين العامين المطلوب إقالتهم من حزب الله أو ميشال عون. 9ـــ سحب بعض الوزراء المحسوبين على حزب الله أو حلفائه (كما حصل مع فيصل كرامي الذي أبلغ ميقاتي أنه يؤيّده في ملف تمويل المحكمة في حال وصل إلى التصويت).
عاشراً وليس أخيراً، أقرّ مجلس الوزراء بتأييد وزيري حزب الله مشروع ميقاتي لزيادة الأجور، بدل الالتزام بكلام الأمين العام للحزب.

الجولات التي سبق ذكرها طرحت كلها أمام الإعلام، وجرى التفاوض عليها في العلن والسر، وأعلن كل طرف موقفه منها صراحة، ورغم ذلك خسر حزب الله وحلفاؤه كل الجولات، ولم يربح من الحكومة ومشاركته فيها إلا اسم «حكومة حزب الله» الذي تطلقه قوى الرابع عشر من آذار على الحكومة، فكسب الغرم وخسر الغنم. في الماضي القريب دفعت الولايات المتحدة (وحدها) نصف مليار دولار لشيطنة حزب الله، وتشويه صورة أمينه العام، والتقليل من صدقيته، بحسب وثائق ويكيليكس. واليوم، ومجاناً (والعلم عند الله)، نجح وزيران من الحزب، وربما بتغطية أو بعدم تغطية من لجنة العمل الوزاري، حيث فشلت الحملة الأميركية. الأمين العام يتحدث يوم الثلاثاء العاشورائي، وبعد إعطاء أكبر زخم لجمهوره عن الالتزام بالمطالب المحقّة للتيار الوطني الحر، يسقط مطلب التيار في مطبّ التصويت على الورقة يوم الأربعاء، رغم أنه لم يكن هناك حاجة إلى صوتي وزيري حزب الله، ولم يكن هناك من داع للاجتهاد، إذ إنه في الاستراحات التي يأخذها الوزراء لشرب القهوة أو التدخين، عادة ما «يُستأنس» بنصيحة من صديق على الجهة الأخرى من الخط الهاتفي، فلا داعي للتبرير بأن الأمر محض اجتهاد أو بعدم بحث احتمال طرح مشروع بديل خلال الجلسة.

كان خطاب الأمين العام يوم عاشوراء يطرح كالعادة النقاط الاستراتيجية: إسرائيل، الأحداث في سوريا، والتحالفات وعلى رأسها ميشال عون. وفي اليوم التالي أبدى وزيرا الحزب الحديد ترهّلاً فوق الطاقة على الاحتمال، صوّتا عكس كل بديهيات الحزب، وجرى التخلي عمّن مثّل، منذ عام 2006، حاضنة سياسية واجتماعية ونيابية وحكومية للمقاومة، فضاع الإصلاح وذهب التغيير، وانتهى حلم مكافحة الفساد، وربح المشروع الغربي مرة أخرى، ربح حتى في السياسة الاقتصادية الاجتماعية.
وها هم مؤيّدو الحزب والتيار الوطني وأنصارهما يتحدثون على الفايسبووك ويسألون عمّا حدا بالوزيرين وقيادة الحزب إلى اتخاذ هذا الموقف، ومن التيار يخبرك البعض عن الخديعة، ومن الحزب من يقول إن خللاً كبيراً قد حصل، أو «ثمة قرآن جديد نزل بين الثلاثاء والأربعاء ولم نعلم؟». فصار هناك شق بين القيادة وجمهورها الأوسع.

في مكان ما يمكن تخيّل كيف وقع شق بين جناحي الحزب: المقاوم والسياسي، علماً بأن الحزب كان إلى الأمس القريب واحداً في وجهه ووجهته، وفي اليوم التالي زاد الوضع إرباكا حيث باتت النقابات والإعلام الحزبيان في واد وموقف الوزيرين في واد آخر، فلم تعد المقاومة تقف في صورة ناصعة لتقول إن صدقيتها عالية، وخطاب سيّدها هو فصل الخطاب. وفي مكان يمكن توقّع الخلل الذي أصاب آلية اتخاذ القرار في حزب صورته مبنية على صلابته ووحدته وتماسكه واستحالة ضربه في مواطن ضعفه.
«نخدمكم بأشفار عيوننا» يقول الشعار الذي رفعه الأمين العام الراحل للحزب السيد عباس الموسوي وتحوّل عنواناً لعلاقة الحزب بالناس. ثم فجأة، بدا كأن قيادة الحزب تقف على التلة، وتنظر إلى مشروع تصحيح الأجور من بعيد، فقدت معه التركيز على ما إذا كان في الأمر مصلحة للجمهور الذي دفعت الدم من أجل تحرير أرضه وإعادته إلى قراه وأرضه واستعادت له كرامة هدرت يوماً.

شيء كبير قد حصل، أكبر من نصف مليار دولار دفعتها الولايات المتحدة لتشويه صورة الحزب وكسر صدقيته. شيء ما سيّئ يضاف إلى عملاء الـ«سي .آي .إيه»، وقبله فضيحة رجل الأعمال القريب من الحزب صلاح عز الدين. شيء لم يطلبه ميقاتي وليس بالضرورة أن يسرّ بالحصول عليه، ولكنه وقع. هل من آلية مصارحة للإصلاح…والتغيير؟ 

السابق
ما قصّة الخلافات والنقاشات داخل حزب الله؟
التالي
حرب توريط اختبارية؟