ما قصّة الخلافات والنقاشات داخل حزب الله؟

تعتبر أوساط أنّ على رغم المواقف الرسميّة التي تصدر عن قيادة «حزب الله» والتي تعلن تأييدها للنظام السوري، وتصوير ما يجري في سوريا على أنّه مؤامرة خارجيّة عليها كونها «دولة ممانعة وداعمة للمقاومة»، إلّا أنّ موقف غالبيّة القاعدة الحزبيّة مغاير تماما لمواقف القيادة.

تعترف الأوساط بوجود حال انقسام في الرأي داخل الحزب حيال الموقف من تطوّرات الأوضاع في سوريا، الأمر الذي دفع بالمسؤولين إلى إجراء دراسة استطلاع حزبيّة داخلية تولّاها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق التابع للحزب لمعرفة حقيقة رأي القاعدة الحزبية حيال الوضع السوريّ منذ انطلاقة "ثورة التغيير" في منتصف آذار الماضي، وتوصّل المركز إلى تقويم شبه أوّلي أظهر أنّ هناك تيّاراً كبيرا داخل الحزب يدعو إلى التفاعل مع مطالب الثورة السوريّة وتأييدها، وأن لا يكون "حزب الله" حاجزاً أو عائقاً أمام مسيرة الشعوب ونضالها، وهو الحزب المقاوم الذي ولد من رحم المعاناة، والاضطهاد والحرمان، وبات في وقت من الأوقات رمزاً لحركات التحرّر.

تناقضات القيادة

وتبيّن من خلال الاستطلاع أنّ شريحة كبيرة من جماهير "حزب الله" أبدت استغرابها من التناقضات التي وقعت فيها قيادة الحزب، بحيث أعلنت هذه القيادة في السابق تأييدها الثورات التي انطلقت في الدول العربيّة من تونس إلى مصر والبحرين وصولا إلى ليبيا واليمن، لا بل نظّمت عدداً من الأنشطة الداعمة لهذه الثورات. وذهب قياديّون في الحزب، كما نقل مصدر قريب منهم، إلى اعتبار "أنّ ما يجري في الوطن العربي ستكون له نتائج وتداعيات كبرى على صعيد المنطقة، وسينعكس إجمالاً لمصلحة قوى المقاومة، ولا يمكن تحديد المدى الذي ستصل إليه هذه الثورات…"، إلّا أنّ موقف "حزب الله" انقلب رأساً على عقب بعد اندلاع الثورة في سوريا، وذهب إلى وصف ما يجري بأنّه "مؤامرة أميركيّة ـ إسرائيليّة، لتقسيم سوريا وضرب المقاومة… وغيرها من تعابير باتت مجرّد شعارات جاهزة معلّبة ومكرّرة".

ذاكرة لم تصدأ

ولفتت الأوساط إلى أنّ ذاكرة القواعد الحزبيّة داخل "حزب الله" لم تصدأ، وهي ما زالت مليئة بالمواقف والصور السلبيّة العائدة لفترة الوصاية السوريّة في لبنان، والتي تضرّر منها الحزب، والتي كانت بتحريك سوري، من معارك إقليم التفاح بين "حزب الله" وحركة "أمل"، ومعارك الحزب مع القوميّين والشيوعيّين في بيروت والجنوب والبقاعين الغربي والشمالي، إلى مجزرة "فتح الله"، التي سقط فيها عشرات المقاتلين من الحزب برصاص الجيش السوري وبأوامر مباشرة للّواء غازي كنعان".

وأضافت الأوساط: "يدرك الجميع أنّ عودة النظام السوريّ فيما بعد إلى دعم المقاومة تمّ بتفاهم سوري – إيراني ونتيجة لانهيار الاتّحاد السوفياتي الذي كان الداعم الأوّل للنظام في سوريا، وفي إطار الاستراتيجيّة السياسية السوريّة القاضية بامتلاك كثير من الأوراق لاستخدامها في إطار "لعبة الأمم"، وفي إطار سياسة "حافة الهاوية"، التي لطالما تغنّى بها أركان النظام السوري، وإلّا فإنّ "جبهة الجولان" أولى وأقرب بالنسبة الى هذا النظام !!!".

إلّا أنّ النقاشات الداخليّة التي يجريها الحزب دوريّا بين قيادات الصفّ الثاني ومسؤولي الحزب في المناطق، أظهرت وجود فئة كبيرة تؤمن بأنّ الثورات الشعبيّة، وخصوصا في سوريا، انطلقت بفعل انهيار جدار الخوف الذي كانت تفرضه الأجهزة الأمنيّة السوريّة على الشعب، وبسبب عدم تحمّل الناس الضائقة الاقتصاديّة والاجتماعية والضغوط الأمنية والنفسية وحالات الفساد والسمسرات والمحسوبيات المتفشّية في الجهاز الإداري السوري، وهذا ما اعترف به الرئيس بشّار الأسد شخصيّاً، مُعلناً عن خطّته الإصلاحيّة في هذا المجال.

هذه الأمور دفعت قسما كبيرا من أنصار "حزب الله" الى الإقرار بأنّ إذا كان للولايات المتّحدة الأميركية والدول الأوروبّية مصالح حيال ما جرى ويجري في الدول العربية، فهذا طبيعيّ في إطار "لعبة الأمم"، وفي إطار التنافس الاقتصادي والسياسي والعسكري وتحقيق المصالح الدوليّة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ هذه الدول هي التي تقف وراء هذه الثورات، لأنّ داخل الدول العربية ما يكفي من عوامل وأسباب ومعاناة لتغيير أنظمة وبنى سياسية واندلاع ثورات واضطرابات، من دون تناسي دور وسائل التواصل الاجتماعي و"أمميّة وسائل الإعلام" التي كانت عاملا أساسيّا في اندلاع ثورات الربيع العربي.

تمويل … وعملاء استخبارات!!

النقاشات التي يشهدها "حزب الله" لم توفّر حتى طرح تساؤلات عن حقيقة ما يتردّد في كلّ مرّة في وسائل الإعلام عن دور ما للحزب في مساندة أجهزة النظام السوريّ في بعض العمليات الأمنية، وخصوصا في لبنان الذي شهد عددا من عمليّات خطف بعض المعارضين السوريّين وتسليمهم للسلطات السوريّة.

وتعترف الأوساط بوجود إرباكات داخل حزب الله بسبب كثير من التطوّرات التي حصلت أخيرا، وأبرزها موضوع سكوت الحزب و"تطنيشه"عن موضوع تمويل المحكمة الدوليّة، فـ"القاعدة والجماهير الحزبية" بغالبيتها لم تقتنع بالتبريرات التي أعلنها السيّد نصرالله في خطابه الأخير، لأنّه تحدّث عن هذا الأمر من ناحية الشكل، إنّما الواقع يظهر أنّ فعل التمويل قد حصل لمحكمة طالما اعتُبِرت وما زالت "محكمة أميركيّة – إسرائيلية"…

وإلى جانب "تمويل المحكمة"، فإنّ قضية اكتشاف عملاء لـ"سي آي إيه" ضمن صفوف الحزب، ساهم في زعزعة الثقة وإثارة الشكوك داخله. هذه الانقسامات والنقاشات الداخلية، دفعت بمسؤولين في أجهزة استخباراتية وتعبوية وإعلاميّة إيرانية إلى المشاركة في الاجتماعات والنقاشات التي تجري بمشاركة مراكز أبحاث ودراسات واستطلاعات تابعة للحزب خوفاً من أن تتطوّر هذه النقاشات والخلافات إلى حالات انقسام فعليّة داخله تكون نتيجة واقعية لمواقف قيادته من التطوّرات الدراماتيكيّة في سوريا.

الشيعة والأنظمة

وأكّدت الأوساط أنّ "بالتوازي مع النقاشات التي تجري داخل حزب الله، فإنّ هناك شريحة كبيرة من تنظيمات وشخصيّات إسلاميّة وسياسية وفاعليّات شيعية قريبة من الحزب بدأت تجاهر في نقل تحذيراتها الى قيادة الحزب، وتدعوها إلى ضرورة الانتباه لما يجري في المنطقة، والاستعداد لكلّ الاحتمالات والتوقّعات، لأنّ الثورات الشعبيّة ستغيّر خريطة الواقع العربي، ومن الاستحالة أن يتمكّن "حزب الله" من مواجهة مسيرة التغيير أو الوقوف في وجهها، إذ إنّ مواقفه هذه ستجعل الشيعة في لبنان خصوصا، في مواجهة الأنظمة التي ستنشأ نتيجة هذه الثورات، وخصوصا في سوريا، وأبلغ دليل إلى ذلك تلك الرسالة غير المباشرة التي وجّهها رئيس "المجلس الوطني السوري" برهان غليون بقوله: "إذا تمكّن المجلس من تشكيل حكومة جديدة، فهو سيقطع علاقات دمشق العسكريّة مع إيران ويوقف توريد الأسلحة الى "حماس" وحزب الله".

براغماتيّة وعقلانيّة

وتختم الأوساط مؤكّدة أنّ على رغم كلّ المواقف الناريّة التعبوية التي يطلقها "حزب الله"، فإنّه في الواقع يميل إلى السياسة المنطقيّة والعقلانيّة، وأبلغ دليل إلى ذلك سكوته عن "تمويل المحكمة الدوليّة"، لأنّه أدرك أخطار وأبعاد رفض التمويل، وبالتالي فإنّ الحزب الذي يعي أنّ ظهوره على ملعب الساحة اللبنانيّة كان نتيجة تحالف بين إيران وسوريا، فإنّه يدرك في الوقت نفسه أنّ سقوط أحد أركان هذا التحالف سيدفع الحزب تلقائيّا إلى التعامل بواقعيّة وبراغماتية مع التطوّرات الطارئة، وهذا ما يسعى إليه ولو كان ذلك في شكل غير معلن.  

السابق
الراي: لبنان الرسمي لا يخشى اضطراباً دراماتيكياً في الجنوب
التالي
ميقاتي يهزم نصر اللّه