حرب توريط اختبارية؟

نمت في جنوب الليطاني في السنوات الخمس الاخيرة التي اعقبت حرب تموز 2006 الاسرائيلية على لبنان معادلة شديدة التعقيد لم يعد يصح معها اطلاق التوقعات المسبقة على عواهنها حيال سيناريوات المواجهة التي ايقظتها بقوة الاختراقات الامنية الاخيرة في هذه المنطقة. فهي سنوات قياسية في معايير الاستقرار غير المعهود سابقا في كل حقبات المواجهة في ظل القرار 1701 بما لا يمكن التنكر له، ولكنها ايضا سنوات قياسية في ارتفاع منسوب توازن الرعب الحربي والتحشيد القتالي لدى طرفي المواجهة، أي اسرائيل و"حزب الله".

مع دخول بصمات انعكاسات الازمة السورية بقوة على خط تحريك جنوب الليطاني لا يبدو حتميا وعلى رغم كل شيء ان ينساق طرفا الصراع الى مواجهة عسكرية كاسحة ماسحة لمجرد "تحريك ورقة" تهديد بانفجار توازن الرعب هذا. فالمصالح والحسابات والارتباطات والتقديرات الكبرى أضحت، في ظل الترسانة الهائلة للحزب والاستعدادات الهائلة المقابلة لاسرائيل ، اكثر تعقيدا وصلابة من ان تنفجر لمجرد تطاير بضعة صواريخ او استهداف لقوة "اليونيفيل". ومع ذلك فإن افراطا في احتساب مدى أي عمل ارهابي يستهدف القبعات الزرقاء او أي جنوح في تطيير صواريخ مجهولة – معلومة المصدر من شأنه ان يفقد في لحظة كل القدرات على السيطرة ويشعل الجحيم النائم في برميل البارود ومستودعات المعادلة الحربية.
خطورة ما بدأ يجري في الجنوب لم تبلغ بعد الحد الذي يبعث على الخشية من حرب تبدأ منه وربما لا تقف عند ايران. فموازين القوى والحسابات الدفينة للقوى مالكة القدرة تختلف بمعاييرها عن الخوف اللبناني الفطري والطبيعي من استباحة الجنوب وتسخيره مجددا لحساب مواجهة سيعرف الجميع متى تبدأ واين وسيعصى عليهم معرفة متى تنتهي وكيف وبأي كلفة.

وجوهر هذه الحسابات السرية وكلمة المرور اليها لن يعرفا حتما لارتباطهما بما يدور في الغرف المعتمة من سيناريوات وخطط حيال مصير النظام السوري حصرا. ولعل المفارقة الاختبارية التي تثير كل الاهتمام والانشداد الى المعادلة الجديدة الناشئة تتمثل في معرفة ما اذا كانت محاولات تفجير جنوب الليطاني تهدف الى توريط طرفي المعادلة الحربية في مواجهة غير مجدولة الآن، ام ان الامر لا يعدو كونه تبادلا للرسائل مع المعسكر الاوروبي حصرا الذي يشكل العمود الفقري لليونيفيل. هو سؤال يُعصى الجواب عليه سلفا لارتباطه بلحظة الحقيقة المتصلة بحسابات القوى حيال "الانهيار" المحتمل للنظام السوري او مدى صموده وامتلاكه لاوراق خارج الحدود السورية وفي مقدمها لبنان.
بدأ الاختبار المخيف إذاً من دون قدرة احد على التكهن بما يفضي اليه. وبدأ معه ايضا، وهنا الاهم، امتحان مصيري ساحق للبنان وقواه السياسية في القدرة على الحماية تحت وطأة العودة الى السليقة القاتلة، سليقة القفز الى حفرة النار.  

السابق
ميقاتي يهزم نصر اللّه
التالي
المشرق العربي والمتغيّرات الإستراتيجية