الراي: لبنان الرسمي لا يخشى اضطراباً دراماتيكياً في الجنوب

رغم المخاوف التي اثارتها الحوادث الامنية الاخيرة في منطقة الجنوب ولا سيما منها الاعتداء بالتفجير على جنود فرنسيين عاملين في القوة الدولية «اليونيفيل»، لا تبدي المراجع الرسمية اللبنانية قلقاً استثنائياً حيال تداعيات هذه الحوادث وتستبعد تالياً نشوء واقع مختلف في الجنوب الان على الاقل.
وهذه القناعة التي يخرج بها زوار العديد من المراجع الرسمية تستند الى اعتبارين: الاول ان وضع النظام السوري لم يصل بعد الى نقطة الخط الاحمر التي تسمح بتخوف جدي عليه، ما يجعل ان احداً قد لا يكون بمنأى عن اثار مثل هذا او انعكاساته. ولكن معظم المراجع اللبنانية في السلطة الحالية يتلقون معطيات عن وضع لا يزال متماسكاً وقوياً للنظام السوري ولا يسمح بتوقع انهيارات امنية كبيرة في لبنان. ومعنى ذلك ان ما جرى في الجنوب يبقى في اطار محدود وموضعي ولو اثار الكثير من الخشية والخوف من اعادة توظيف الساحة الجنوبية في الصراعات الدائرة على خلفية الازمة السورية.

اما الاعتبار الثاني فيتصل بتقدير المراجع اللبنانية، بان المناخ الاقليمي لم يصل بعد الى مرتبة من الغليان تضع الجنوب فعلاً عند محك مغامرة عسكرية ضخمة، ولو ان هذا الاحتمال قد يصبح وارداً عند تدهور غير عادي بسبب تطور امني خارج عن السيطرة. فالاتصالات التي اعقبت اخيراً الاعتداء على القوة الفرنسية في «اليونيفيل» ومن ثم سقوط صاروخ خاطئ في بلدة حولا ابرزت معطيات ديبلوماسية لا تزال تُدرج ما جرى في اطار الرسائل السلبية المتصلة بتداعيات مواقف دول معينة، كفرنسا، من الازمة السورية اكثر منها بانزلاق الساحة الجنوبية الى متاهة مواجهة. وهذا الواقع على حساسيته الفائقة، لا يزال في تقدير المعنيين قابلاً للاحتواء لان قدرة القوى الدولية والاقليمية على تلقف الرسائل تبقى كبيرة ما دام الامر لا يزال في اطار «البريد» الذي اعتاد الجنوب اللبناني ان يشكل مسرحه في ظروف محكومة بخطوط حمراء.

لكن المعنيين انفسهم يؤكدون ان هناك مراجعة دولية جارية الان في الامم المتحدة وعلى ارض الجنوب معاً للبحث في خطة عملانية مختلفة يتكيف معها «اصحاب» القبعات الزرق» والجيش اللبناني مع كل ما افرزته الحوادث المتعاقبة التي حصلت في الاسبوعين الاخيرين، والتحوط لكل الاحتمالات المفتوحة في المدى المتوسط والبعيد. وحتى لو حصل تخفيض لعديد القوات الفرنسية، وهو امر كان مطروحاً قبل الاعتداء الاخير وتعزز بعده، فان ذلك يجب ان لا يُفهم خطأ. اذ ان الدول الاوروبية ولا سيما فرنسا لا تبدو في وارد اظهار اي تراجع في التزاماتها حيال «اليونيفيل» ولبنان خصوصاً مع التحدي الذي يستدفها. وثمة كباش قد يكون محفوفاً بالاخطار في المرحلة المقبلة لكن قواعد اللعبة هذه المرة تظهر تغييراً واضحاً في عدم الركون للترهيب او «الرسائل النارية».
وكانت تقارير في بيروت اشارت الى أن فرنسا قررت خفض عديد افراد كتيبتها العاملة في جنوب لبنان، لافتة الى أن التشاور يجري على المستوى العسكري الفرنسي لتحديد العدد قبل تبليغه الى قيادة قوة حفظ السلام في نيويورك التي تجري مراجعة استراتيجية لعمل «اليونيفيل».

وبالتوازي، لفت كلام القائد العام لـ»اليونيفيل» الجنرال ألبيرتو أسارتا الذي عبّر فيه بعد إطلاق الصاروخ الذي سقط في حولا عن «قلقه الشديد إزاء التصعيد الأخير من الحوادث التي تنطوي على خروق أمنية خطيرة في جنوب لبنان»، ملاحظاً «أنّ هذا الحادث هو الثالث الذي ينطوي على خرق أمني خطير في جنوب الليطاني في غضون أسبوعين، وهذه الحالات تبيّن أنّه على رغم كلّ جهودنا ما تزال هناك أسلحة وعناصر مسلّحة عدائية مستعدّة لاستخدام هذه الأسلحة داخل منطقة عمليّاتنا». وذكّر بـ «أنّ أحد أهم بنود قرار مجلس الأمن 1701 هو ضمان عدم وجود أيّ أفراد مسلّحين أو معدّات أو أسلحة، باستثناء ما يخصّ حكومة لبنان واليونيفيل، في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني»، مؤكّدا أنّ «القرار 1701 ينصّ بوضوح على أنّ من مسؤولية الحكومة اللبنانية تنفيذ هذا القرار، في حين كُلِّفت اليونيفيل مساعدة القوّات المسلّحة اللبنانية في هذا الصدد». في هذه الأثناء، كرر «حزب الله» بلسان وزيره محمد فنيش نفي اتهامه وسورية من وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه سورية باستهداف الوحدة الفرنسية في الجنوبن واصفاً هذا الاتهام بانه «سخيف ولا ينمّ عن مسؤولية، ويُظهر حجم التدخّل السياسي الخارجي في لبنان ولا شكّ في أنّه جزء من الحملة السياسية المعدّة سلفا على «حزب الله».
وكان «حزب الله» ردّ عل جوبيه اول من امس فاستغرب «هذا التصرف المستهجن الذي لا يليق بوزير خارجية دولة مهمة مثل فرنسا»، ودعاه «إلى تصحيح موقفه والانتباه إلى خطورة هذا النوع من الاتهامات التي تشكّل ظلماً كبيراً، والتي نرفضها جملة وتفصيلاً».

ومن المقرر ان يحضر ملف الجنوب وتداعياته على القمة المارونية الموسعة التي تُعقد بعد غد في بكركي برئاسة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ويشارك فيها القادة الموارنة الاربعة: الرئيس امين الجميل ورئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية والنواب الموارنة وعدد من المطارنة، والتي سيتخللها ايضاً نقاش يناول التطورات الداخلية والخارجية في ظل ما تشهده الدول العربية من ثورات وانعكاساتها على لبنان.
كما سيخيّم العنوان الامني على جلسة الاسئلة والاجوبة التي يعقدها البرلمان اليوم والتي على جدول اعمالها ستة اسئلة خمسة منهم لنواب في كتلة الرئيس سعد الحريري والسادس لنائب حزب الكتائب سامي الجميل، وسط معلومات عن جهود يبذلها رئيس مجلس النواب نبيه بري لحصر النقاش في الجلسة بموضوع الاسئلة وتفادي اي «مفاجآت»، علماُ ان مصادر عدة استبعدت نجاح بري في مهمته.
وتأتي جلسة مجلس النواب عشية موعد الاضراب الذي دعت اليه هيئة التنسيق النقابية غداً والذي سيشلّ القطاع التعليمي احتجاجاً على قرار تصحيح الاجور الذي اتخذته الحكومة الاسبوع الماضي والذي يتحرك ضده ايضاً الاتحاد الاعمالي العام الذي اعلن الاضراب العام والتظاهر في 27 الجاري اي بين عيديْ الميلاد ورأس السنة.

ويتزامن هذا التحرك العمالي مع استمرار محاولات «حصر أضرار» سير «حزب الله» بمشروع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتصحيح الاجور وتخليه عن المشروع الذي كان يحمله وزير العمل شربل نحاس، وهو ما أحدث «صدمة» في صفوف فريق العماد ميشال عون الذي وجد نفس في «العراء» وفي حضرة «حلف خماسي» يضمّ رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة و«حزب الله» والنائب وليد جنبلاط ما وضعه امام «أسئلة صعبة» واحتمالات أصعب في ضوء «ضيق الخيارات».
وفيما لم يتأكد اذا كانت «القمة الثلاثية» بين عون والامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله وبري انعقدت ليل اول من امس في اطار محاولة «تصحيح الوضع» ورسم خطة عمل جديدة تأخذ في الاعتبار ملاحظات زعيم «التيار الوطني الحر» على أداء الاكثرية الجديدة ومآخذ حلفائه عليه، فقد بدا واضحاً ان «حزب الله» أراد ترجمة قراره بتعويض عون عبر مطالبة وزيره حسين الحاج حسن خلال جلسة مجلس الوزراء اول من امس بإعادة درس ملف تصحيح الأجور، وقال إن قرار الحكومة الأخير كان خاطئاً «والتراجع عن الخطأ فضيلة».
تجدر الاشارة الى ان «حزب الله» كان اعلن غداة سيره بمشروع ميقاتي المشاركة في التحركات النقابية ضد هذا القرار. 

السابق
النظام السوري والربع ساعة الأخيرة
التالي
ما قصّة الخلافات والنقاشات داخل حزب الله؟