الجنوب المتوحش

عشية الذكرى الثالثة لحملة رصاص مصبوب في قطاع غزة، يتلقى الجيش الاسرائيلي هدية من انتاج القطاع، «ارهاب» آخذ في التصاعد والتطور بوتيرة مقلقة في شبه جزيرة سيناء. لماذا هدية؟ لأنه بين غزة وسيناء لا يوجد رابط جغرافي فقط، بل اتصال ارهابي وثيق. في الماضي وجد هذا تعبيره أساسا في الوسائل القتالية التي كانت تهرب من الاراضي المصرية عبر الانفاق وتصل حتى خان يونس وجباليا، في الاونة الاخيرة اضيفت الى ذلك، بقوة أكبر، خطط العمليات التي تبدأ في القيادات في القطاع وتنتهي في طريق 12، مثلما في العملية في آب الماضي بجوار نتافيم.في اطار هذه الحرب توجد جملة من الاعتبارات الواسعة، المركبة والخطيرة البعيدة عن علم الجمهور: كيف يمكن العمل في القطاع لتشويش العملية في سيناء، وبالاساس – ما هي آثار حدث من هذا النوع. محظور علينا أن نرتبك، فهو وجع رأس غير قليل أن يتخذ القرار اذا كانت تصفية مخطط العملية في ايلات، مثلما رأينا في الاسبوع الماضي «تستحق المخاطرة في أن يدخل مئات الالاف في منطقة الجنوب في حالة تأهب لامتصاص الضرب».
هذه معادلة مع متغيرات كثيرة. هناك احداث تندرج ضمن «قواعد اللعب» ولا تحظى برد فعل؛ مثلا في الاسبوع الماضي ضرب الجيش الاسرائيلي خليتين للجهاد الاسلامي كانتا تستعدان لاطلاق الصواريخ من شمالي القطاع. في الجيش انتظروا بضع ساعات ورد الفعل لم يصل، وذلك لأن النشاط الهجومي للجيش كان نحو خلايا اطلاق صواريخ في زمن حقيقي؛ بمعنى أن احباط النار لا يتلقى رد فعل. أما الاحباط المركز – فهذه قصة اخرى.

في نهاية الاسبوع رأينا شبه تصعيد ينبع على ما يبدو من الانتماء التنظيمي لـ «المخرب» المصفى. ولما كان الحديث لا يدور عن رجل حماس او الجهاد، فقد كان رد الفعل الفلسطيني واهيا نسبيا. التشديد هو بالطبع على كلمة نسبيا، إذ إن من جعل بئر السبع واسدود أهدافا شرعية للنار لغرض تنفيس الغضب، يراهن بكل الصندوق مما هو كفيل بأن يؤدي الى رد فعل حاد من جانب اسرائيل. ومؤخرا اضيف الى جملة الاعتبارات جانب آخر: هل يمكن العمل هجوميا قبل أن تكون منظومة «قبة حديدية» جاهزة ومستعدة لاعتراض الصواريخ؟ في الجيش الاسرائيلي فهموا بأن للدفاع الجوي ثمة أهمية في مسألة كيف ستبدو جولة التصعيد، والان يتعين عليهم أن يأخذوا بالحسبان هذا المعطى ايضا.

لا ريب أن من ينظر من الجانب يرى أن ما يحصل ابتداء من شهر آذار من هذا العام بين غزة واسرائيل هو مثابة لعبة القط والفأر حيث إن كل طرف يتبادل الدور. أحد غير معني في ان يحمل الوعاء المتلظي هذا الى نقطة التفجير بل مواصلة اللعب حاليا حسب القواعد القائمة. مريح لحماس، الجهة الاقوى في القطاع، مسيرة التعاظم المتواصلة، مع تعميق قدرة الحكم في القطاع ومع الغمز لفتح على خلفية اتفاق السلام. صحيح ان لاسرائيل خططا لحملة في القطاع، ولكن القادة يفضلون ابقاءها عميقا في الدرج والانشغال ببضعة مواضيع اكثر اشتعالا. إذًا في هذه الاثناء ستتواصل ألعاب القط والفأر بين اسرائيل وقطاع غزة. وقد تكون هذه تبدو بسيطة، الا أنها عمليا مفعمة بالتوترات والمخاطر. ثلاث سنوات على رصاص مصبوب، والطريق الى حملة اضافية آخذة في القصر  

السابق
هل يمتد الربيع العربي إلى إيران ؟!
التالي
حملة ع وليد بك