التحديات الأمنية في حقبة ما بعد القذافي

كما توضح موجة العنف الأخيرة في ليبيا بجلاء، فإن مصير المليشيات التي أطاحت بنظام القذافي ينبغي أن يُعالَج بعناية خشية أن يعرّض المرحلة الانتقالية في ليبيا للخطر.

"المحافظة على وحدة ليبيا: التحديات الأمنية في حقبة ما بعد القذافي" ، وهو أحدث تقارير مجموعة الأزمات الدولية، يدرس التحديات الناشئة عن وجود عدد كبير من القوات والميليشيات المحلية التي لعبت دوراً حاسماً في الإطاحة بنظام القذافي لكنها باتت تشكل الآن تهديداً كبيراً لأمن البلاد. بعد أن حظي المجلس الوطني الانتقالي بسرعة باعتراف دولي واسع، فإنه أصبح بسرعة أيضاً وجه الثورة. إلاّ أن الصورة مختلفة على الأرض. لقد تميزت الانتفاضة بقدر كبير من اللامركزية وبوجود ألوية عسكرية مستقلة وذاتية التسليح والتدريب في شرق البلاد وغربها على حد سواء وتشكيلة واسعة من القوات في طرابلس. اليوم، يذكر أن ثمة 125,000 ليبي مسلح ينتظمون في عضوية أكثر من مئة ميليشيا. وهذه الميليشيات في طريقها لمأسسة أنفسها، مقلّدة التنظيم المتبع في الجيوش النظامية وتنخرط في أنشطة مستقلة (تسجيل الأشخاص والأسلحة؛ واعتقال وحبس الأشخاص) تترسخ بشكل متزايد.

يقول وليم لورانس، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات، "تم تحرير ليبيا على أجزاء، غالباً من خلال ثورات محلية ومجموعات عسكرية شكلت في كل حالة على حدا واستعملت الوسائل العسكرية والمفاوضات على حد سواء في تحقيق أهدافها". ونتيجة لذلك، فقد نما عدد كبير من القوات المحلية والميليشيات التي يمكن أن تدعي بأنها جزء مشروع من حركة التحرر الوطنية".

المشكلة التي تطرحها الميليشيات تعكس حقائق صعبة حول المشهد السياسي الذي أنتجها في الأصل. المنشقون عن نظام القذافي، الذين لعبوا دوراً محورياً في تشكيل المجلس الوطني الانتقالي والجيش الوطني التابع للثورة، يتهمهم مقاتلو الثورة بالانتماء إلى النظام القديم. وتسهم الخلافات بين المناطق وكذلك بين الإسلاميين والعلمانيين في تشكيل هذه الديناميكية. الأسلحة متوافرة بكثرة وتسود الشكوك بين المقاتلين المسلحين. الأهم من كل ذلك هو أن المجلس الوطني الانتقالي ورث بلداً يتمتع بإرث طويل من الإدارة المحلية ووزارات منقسمة وغير حاسمة تعزز الشكوك حيال السلطة المركزية.

إلى أن يتم تشكيل هيئة حاكمة مشروعة وإلى أن يتم تطوير مؤسسات وطنية ذات مصداقية ، خصوصاً في مجالات الدفاع، والشرطة، وتقديم الخدمات الحيوية، من المرجح أن يظل الليبيون متشككين إزاء العملية السياسية، ويصرون في نفس الوقت على الاحتفاظ بأسلحتهم والمحافظة على الهيكلية الحالية للألوية المسلحة غير النظامية. إن محاولة فرض حصيلة مختلفة ستكون بمثابة اللعب بالنار، وليس هناك كبير أمل في نجاحها.

لكن ذلك لا يعني عدم القيام بشيء. على المجلس الوطني الانتقالي أن يتواصل بوضوح، وأن يعمل بشفافية وأن يتشاور بشكل وثيق مع المجالس العسكرية المحلية وقادة المجتمعات المحلية حول جميع القضايا المرتبطة بنزع السلاح، وحل هذه الأولوية وإدماجها. ينبغي أن يتفق الجميع على جملة من القواعد والسلوكيات المشتركة لجميع المقاتلين – خصوصاً من حيث معاملة المحتجزين – ومضافرة جهودهم من أجل إدماج الثوار المسلحين، خصوصاً أصغرهم سناً، وذلك من خلال تقديم وظائف مدنية بديلة. وينبغي على المجتمع الدولي أن يقدم المشورة والمساعدة الفنية.

يقول روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات، "سيكون لقيام جهاز تنفيذي يفتقر إلى الشرعية بعملية نزع السلاح وحل الألوية من أعلى أثر عكسي. ركّز القذافي السلطة في يديه دون أن يبني دولة مركزية. ينبغي أن يقوم الذين حلوا محله بالعكس تماماً".

السابق
قباني: باسيل خالف القانون في مشروع مقدمي الخدمات
التالي
الأشغال الشاقة 20 عامًا لمروان فقيه لتعامله مع اسرائيل