حزب الله والتيار الحر: يربحان أو يخسران معاً!

لم يعد سراً أن شوائب باتت تعتري العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». ثمة كلام قليل فوق الطاولة، لكن الكلام الكثير يجري تحتها وفي الكواليس المغلقة، الأمر الذي يستدعي نقاشاً صريحاً بين الطرفين وعلى أعلى المستويات.
لقد مضى ما يقرب من ست سنوات على توقيع التفاهم بين الحزب والتيار في كنيسة مار مخايل، وذلك في اللقاء الشهير الذي جمع السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون. ويبدو ان هذا التفاهم بات يحتاج الى «تحديث» وتشذيب ما علق به خلال السنوات الست الماضية التي شهدت تطورات كبيرة جداً، تعرض خلالها هذا التفاهم لأكثر من اختبار وراهن البعض على انفراطه لكنه صمد بفعل الكيمياء الشخصية التي تجمع «السيد» و«الجنرال».. والأهم القضايا الاستراتيجية التي ما تزال تجمع الرجلين وحزبيهما.
في الأساس واهم من كان يعتقد ببلوغ التكامل بين الحزب والتيار في كل القضايا الداخلية والخارجية، حتى أن قيادة الطرفين تركت من البداية هوامش للاختلاف. لكن الإيجابيات والفوائد التي حققها الطرفان من هذا التفاهم اكثر من ان تعد وتحصى، وليس صحيحاً أن «حزب الله» وحده هو الذي استفاد من هذا التحالف، كما يحاول بعض غلاة التيار الإيحاء.
صحيح أن التيار أمّن للحزب قاعدة مسيحية احتضنت المقاومة سياسياً وشكلت غطاءً لها في الكثير من المواقف، لكن الحزب شرّع الأبواب أمام التيار في الكثير من المواقع والأماكن والمحطات. ويعرف العونيون جيداً أن السيد نصر الله كان وما يزال في المفاصل الداخلية الصعبة يبلغ الجميع بحزم: «اتفقوا مع العماد عون وخذوا توقيعي جاهزاً على بياض».
 يقدر الحزب تقديراً عالياً، وكذلك جمهور المقاومة، المواقف الجريئة والصلبة التي وقفها العماد عون في اللحظات المصيرية، وهو لا يمكن أن ينسى موقفه الذي بلغ حد المغامرة في حرب تموز، فبات «الجنرال» في قلوب المقاومين وعقولهم واحداً من عناوين المقاومة الكبرى. ويتفهم الحزب جيداً منهجية التيار في التعاطي مع القضايا الداخلية، خصوصاً أن العناوين التي يطرحها تكاد توازي العمل المقاوم ضد إسرائيل، لا سيما على صعيد بناء الدولة العادلة ومكافحة الفساد وإصلاح الإدارة وتحقيق إنجازات على المستوى العام تكرس تغييراً واضحاً في مسيرة البلد. ولا يختلف الحزب مطلقاً مع التيار في هذه العناوين، بل هو يحسد التيار على حريته المطلقة في طرح هذه القضايا والقتال في سبيلها من دون مراعاة «زيد أو عمر» من الناس او من القوى العاملة على الساحتين الداخلية والخارجية. وبالتالي فإن الحزب لم يتوان في معظم الأحيان عن دعم التيار قولاً وعملاً في هذه العناوين، لكنه في بعض الأحيان يجد نفسه مكبلاً بقيود تقض مضجعه وتحمله على التأني ومراعاة الواقع وتجرع الكأس المرة تجنباً للكأس الأمرّ.
على الحزب ان يراعي الحيثيات التي تدفع الضرر عن المقاومة بحيث لا يكون جسدها مشرعاً للعواصف، ولا رأسها تحت مقصلة الأعداء وهم كثر، فإذا سقطت المقاومة في هذه المرحلة، لن يكون هنالك حزب ولا تفاهم ولا تحالفات.
على الحزب أن يراعي الواقع داخل الطائفة الشيعية. فالصدام داخل الطائفة خط أحمر لأنه يعيد المقاومة الى نقطة الصفر ويكلف الكثير من المعاناة، ولذلك فهو حريص على التحالف مع حركة «أمل» والرئيس نبيه بري، الذي يعرف طبيعة العلاقة بينه وبين «الجنرال»، على الرغم من بعض الظواهر التي توحي بالتفاهم.
على الحزب أن يراعي واقع الساحة الإسلامية بما يحول دون إغراقه في فتنة مذهبية دفع الكثير من الأثمان من أجل تجنبها، ومع ذلك يبدو خصومه في هذا المضمار أطول باعاً منه وأكثر قدرة على استفزازه ودفعه الى وحول هذه الفتنة.
على الحزب أن يراعي العلاقة مع رئيس الدولة الذي كانت له وما تزال مواقف مشهودة الى جانب المقاومة على الرغم من الضغوط الدولية والعربية الكثيرة التي تمارس عليه، وهو يعرف في الوقت نفسه أن علاقة رئيس الجمهورية برئيس التيار ليست على خير ما يرام.
على الحزب أن يراعي الواقع الحكومي وهو يعرف أن استقالة الحكومة في هذه المرحلة إنما هي قفزة في المجهول في ظل التركيبة النيابية غير المضمونة للأكثرية الحالية.
على الحزب أن يراعي نجيب ميقاتي من موقعه كشريك سني، وعلى الحزب أن يراعي وليد جنبلاط من موقعه كشريك درزي أيضاً.
على الحزب أن يراعي الوضع في سوريا والتغيرات العربية المتسارعة التي يدفع ضريبة بعض مواقفه تجاهها. وعلى الحزب أن يراعي الكثير من الظروف المحيطة بواقعه، والتي يبدو التيار متحرراً منها. لقد خسر الحزب معركة تمويل المحكمة الدولية وآثر الانحناء أمام العاصفة التي كان يمكن ان تلفه بجناحيها وتدفعه الى أتون معركة ليس الأوان أوانها ولا الظروف مؤاتية لخوضها.
قد يكون الحزب أخطأ او تسرّع في معركة تصحيح الأجور داخل مجلس الوزراء بموافقته على القرار الذي تمخضت عنه الجلسة، من دون أن يرفض مشروع التيار الذي قدمه وزير العمل شربل نحاس، لكنه بدا في اليوم التالي وكأنه أحس بالخديعة فاندفع رافضاً القرار عبر مؤسساته النقابية والتربوية. إلا أن هذا الخطأ لا يستوجب بعض المواقف المتوترة التي يتم تسريبها عبر الإعلام على لسان مصادر في التيار الحر الذي لم يعمد إلى نفيها او تكذيبها. لكن الحزب يؤمن أن العماد عون لا يستسيغ هذه التسريبات, وأن ما يربط «السيد» و«الجنرال» أكبر من أن تهزه التفاصيل الصغيرة.
في المقابل، لا يستطيع «التيار الحر» أن يستمر في المعارك الخاسرة داخل الحكومة بفعل التسويات التي تطبخ على نار حامية ويصار الى إخراجها في اللحظات الأخيرة, لأن الرصيد الذي حققه خلال السنوات الماضية في طريقه الى التآكل, وهو يفضل ألف مرة أن يخوض معاركه من موقع المعارضة على أن يكون عاجزاً عن تحقيق ما يصبو اليه من داخل السلطة. وعليه يتطلب الوضع الحكومي وقفة جدية من كل أقطابها لوضع خريطة طريق واضحة تخرجه وتخرج البلد من حالة الجمود التي راحت تضغط على الأكثرية وجمهورها والمواطنين بشكل عام… والمدخل الى ذلك رزمة مشاريع إصلاحية وسلة تعيينات إدارية تحدث صدمة إيجابية في التيار وعند جمهوره الكبير.
في أي حال لم يعد مناسباً أن يدفن الحزب والتيار رأسيهما في الرمال ويتغاضيان عن الشوائب التي تعتري العلاقة بينهما. ثمة نقاش صريح يفترض أن يبدأ بين الطرفين على اعلى المستويات, يقوده السيد نصر الله والعماد عون، للتفاهم على مقتضيات المرحلة المقبلة بجميع تفاصيلها. فمعادلة المقاومة والإصلاح معاً هي المدخل الأساس لبناء الوطن, وواهم من يعتقد أن الفكاك بين الحزب والتيار يستفيد منه طرف على حساب الآخر, كما يحلو للبعض ان يتصور. فبعد ست سنوات على هذا التحالف، يربح الحزب والتيار معاً.. أو يخسران معاً. 

السابق
حقه ..!
التالي
نائب حزبي في 14 آذار