الراي: جنوب لبنان استعاد حماوته على وهج … النار السورية

استعاد جنوب لبنان حماوته الامنية ـ السياسية مع اشتداد المواجهة الاقليمية، التي تشكل سورية ساحتها اللاهبة، فتدحرجت وعلى مدى اسبوعين ثلاثة احداث مثيرة آخرها ليل الاحد صاروخ كاتيوشا اطلق من الجنوب وسقط في الجنوب، اما اكثرها دراماتيكية فكان التفجير الذي استهدف القوة الفرنسية العاملة في «اليونيفيل» المعززة، وسقوط خمسة جرحى في صفوفها.
وعزز «التراشق» الديبلوماسي من فوق رأس جنوب لبنان بين باريس ودمشق الاعتقاد بان هذه الجغرافيا الامنية ـ السياسية الوعرة التضاريس في لبنان عادت «صندوقة بريد» للشظايا المتطايرة من الازمات الاقليمية المتفجرة وعواصمها «ذات الصلة» كدمشق وطهران وباريس وواشنطن وما حولها، خصوصاً مع وجود اكثر من عشرة آلاف رجل من المجتمع الدولي (اليونيفيل) في الجنوب.

ولم يحرف صاروخ الكاتيوشا، الذي اطلق قرابة الحادية عشرة من ليل اول من امس من مجدل السلم الجنوبية واخطأ اسرائيل، مصيباً حولا الجنوبية ايضاً، النظر عن تفاعلات الاعتداء على القوة الفرنسية، بعدما سارعت باريس الى اتهام دمشق بالوقوف وراء «الرسالة الدموية» ضد قوتها في جنوب لبنان عبر ذراعها العسكرية ـ اي «حزب الله» الذي نفى مساء امس اي دور له بهذا الاعتداء.
وكان وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه اعتبر الاحد ان سورية تقف «على الارجح» وراء التفجير الذي استهدف «اليونيفيل» ، الا انه اوضح ان لا دليل لديه على هذا الامر.
واضاف: «لدينا من الاسباب القوية ما يدفعنا الى الاعتقاد ان هذا الاعتداء جاء من هناك» في اشارة الى سورية، معتبرا ان دمشق تستخدم «حزب الله» في هذا النوع من الهجمات.

ولم يقلل النفي السوري الرسمي لاتهامات وزير الخارجية الفرنسية آلان جوبيه من وطأة «الغيوم الداكنة» التي تحوم فوق جنوب لبنان عقب ثلاثة احداث امنية في اقل من15 يوماً، وسط اسئلة عن مغزى هذا التصعيد وما اذا كان في اطار لعبة دفع الامور الى «حافة الهاوية» على وقع ما يجري في سورية؟ وعن مصير «اليونيفيل» في ضوء التقويم الاستراتيجي الذي تجريه الامم المتحدة لدورها في جنوب لبنان.
وشكلت دوائر مراقبة في بيروت في ان تكون اتهامات جوبية تنطوي على مجرد «تحليل سياسي»، خصوصاً في ظل معطيات امنية تحدثت عن ان «دوزنة» التفجير الذي استهدف القوة الفرنسية تعمدت وبحرفية ايذاء العناصر الخمسة من دون قتلهم، ما عزز الاعتقاد بان الامر يرتبط بـ «رسالة سياسية» اكثر مما ينطوي على عمل ارهابي بقصد القتل. 
وابدت اوساط واسعة الاطلاع في بيروت مخاوف فعلية على مصير قوات «اليونيفيل» التي يتم التعاطي معها كـ «رهائن»، مرجحة لـنا ان تضع الامم المتحدة لبنان امام خيارين في ضوء التقويم الذي تجريه، فاما تعديل قواعد الاشتباك، الامر الذي لن يروق لـ «حزب الله»، واما مغادرة جنوب لبنان وتركه للمجهول، وهو الامر الذي يحضر بقوة خلال المباحثات التي سيجريها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مع السلطات اللبنانية خلال زيارته المرتقبة لبيروت الشهر المقبل.
غير ان اوساطاً اخرى حليفة لسورية نفت اي علاقة لدمشق بما يجري في الجنوب، وقالت لـنا ان سورية ومنذ انشغالها باوضاعها الداخلية تنأى بنفسها عن التعاطي مع الاوضاع اللبنانية، لافتة الى ان لا مصلحة لـ «حزب الله» بالتوتر في الجنوب او برحيل «اليونيفيل»، مشيرة الى ان «البدائية» في اطلاق الكاتيوشا يؤشر الى ان لا صلة للحزب باعمال من هذا النوع، وهو ما اكدته اسرائيل اساساً».

وفيما كانت العيون شاخصة على التحقيقات المستمرة في استهداف الوحدة الفرنسية يوم الجمعة الماضي، ووسط التحريات التي كانت جارية عن تداعيات اتهام باريس لدمشق بالوقوف وراء هذه العملية، جاء صاروخ مجدل سلم «اللقيط» ليعزّز الاقتناع بان الجنوب استعاد دوره كـ «ملعب نار» وهذه المرة على خلفية الأزمة السورية.

وفي التفاصيل انه قرابة الحادية عشرة والنصف من ليل الاحد، أطلق صاروخ من وادي القيسية في مجدل سلم وسقط عن طريق الخطأ في منطقة حولا، وتحديداً على منزل عبد الله محمود، ما أدى الى جرح المواطنة نظيرة علي عباس التي نقلت على الأثر الى مستشفى ميس الجبل الحكومي للمعالجة.
وفور سقوط الصاروخ تجمّع اهالي حولا في المكان داعين الجيش اللبناني لكشف من يريد العبث بأمن الجنوب واطلاق الصواريخ «التي لا علاقة لمطلقيها بالمقاومة».

من جهته، باشر الجيش اللبناني امس عملية تمشيط وبحث واسعة لأودية في خراج بلدة قلاويه والتلال المحيطة بها بحثا عن مطلقي «الكاتيوشا» وعن المنصة التي أطلق منها، وترافق ذلك مع تحليق للطيران الحربي الاسرائيلي فوق مناطق جنوبية عدة.
وفي حين شوهدت تحركات آلية ـ اسرائيلية على الطريق العسكري الاسرائيلي الذي يربط مستوطنتي المطلة بمسكافعام وعلى طريق الغجر ـ العباسية، ذكرت تقارير ان الجيش اللبناني وقوة «اليونيفيل» قاما بدوريات على الجانب اللبناني من الحدود وصولا حتى بلدة حولا واقيمت حواجز ثابتة بين صور والناقورة للتدقيق (من الجيش اللبناني) في هويات المارة ومحاولة تحقيق اختراق في كشف الفاعلين الذين لا يزالون كـ «الأشباح»، رغم تكرار عملياتهم، وكانت جولتها ما قبل الاخيرة ليل 28 – 29 نوفمبر حين تم اطلاق صواريخ من خراج بلدة رميش على شمال اسرائيل، وحينها صدر بيان عن مجموعة مرتبطة بـ «القاعدة» تطلق على نفسها اسم «كتائب عبد الله عزام – قاعدة الجهاد» تبنى العملية على «مستوطنات صهيونية في شمال فلسطين»، قبل ان تعود هذه الجماعة الاسبوع الماضي وتنفي في بيان نُشر على مواقع اسلامية الكترونية مسؤوليتها عن هذه العملية متهمة حزب الله «وازلام (الرئيس السوري) بشار الاسد» بالوقوف وراءها.

وتزامن «صاروخ حولا» مع تقارير اشارت الى وقوع اشتباك بين عناصر من الجيش اللبناني وقوة كوماندوس اسرائيلية قرب بلدة الطيبة في الجنوب، الا ان مصادر أمنية سرعان ما نفت هذه التقارير التي سببت الهلع والخوف بين أبناء المنطقة.
وفيما كانت أصداء «الرسالة الصاروخية» التي «اخطأت الهدف» تتفاعل، كان قائد الجيش اللبناني جان قهوجي يعقد اجتماعاً في المقر العام لـ «اليونيفيل» في الناقورة مع قائد القوة الدولية الجنرال البيرتو اسارتا جرى خلاله عرض التطورات على ضوء الاحداث الاخيرة في الجنوب.

ويذكر ان مسؤولاً امنياً كان اشار الى ان المحققين في الانفجار الذي طاول الوحدة الفرنسية يبحثون عن مشبوهين اثنين شوهدا في سيارة مرسيدس قرب موقع الاعتداء قبل ساعة من حصوله، موضحاً ان القنبلة التي كانت مخبأة الى جانب الطريق ومحشوة بأربعة الى خمسة كيلوغرامات من مادة الـ «تي ان تي» فجرت بجهاز تحكم من بعد قبل وصول سيارة «اليونيفيل» ما أدى الى تدمير قسمها الامامي. وأكد المسؤول الامني انه لو فجرت القنبلة لدى مرور السيارة لم يكن أي من الجنود بقي على قيد الحياة، مشيراً الى ان هذه العبوة هي «نسخة طبق الأصل» من التي استُخدمت في الهجوم على الآلية التابعة للكتيبة الفرنسية في صيدا في يوليو الماضي. 

السابق
اللواء: العمالي يهدِّد بأيار جديد نهاية السنة وهيئة التنسيق تحشد للإعتصام والإضراب الخميس
التالي
العرب وروسيا اليوم