هل يدفع لبنان فاتورة الربيع السوري··؟

لا خوف على انتفاضات وثورات الربيع العربي··· فمسيرات التغيير انطلقت في أكثر من بلد عربي نحو الحرية والديمقراطية··· وما تشهده بعض بلدان الربيع من مخاضات وتنافسات ومناقشات يعتبر ظاهرة صحية، بدأتها أم الثورات في التاريخ الحديث: الثورة الفرنسية، وخاضتها الثورة البلشفية ضد قيصر روسيا، وتكرّرت مع العديد من الثورات الكبرى في التاريخ!>·

ليس من السهل أن نختصر بمثل هذه الكلمات حوارات وسجالات دارت على هامش مؤتمر <الفكر العربي العاشر> في دبي، مع نخبة من أهل الفكر والثقافة في الوطن العربي، ومع مجموعة بارزة من صنّاع القرار، وفي طليعتهم الأمير خالد الفيصل، الرئيس فؤاد السنيورة، الأمير تركي الفيصل، عمرو موسى، وزير الثقافة الأردني صلاح جرار، ووزيرة الثقافة البحرينية مي خليفة، وآخرين··· وكان <الربيع العربي> هو محورها، وكانت ملامح الأنظمة الوليدة هي شاغلها، وبقيت تكهنات وأمنيات الغد الجديد مدار تحليلاتها·

مشاعر الحماس والترحيب بـ <الربيع العربي> هي السمة المشتركة بين أهل القلم والفكر القادمين من مختلف بلدان المغرب العربي، وإخوانهم القادمين من مصر واليمن والعراق وسوريا ولبنان، على اعتبار أن تغيير الأنظمة التي تجاوز معدل أعمارها الثلث قرن، من شأنه أن يفتتح الأبواب أمام رياح التحديث والتطوير عبر المسالك الديمقراطية التي كانت غائبة في بلدان عديدة، ومصادرة من قبل الحاكم والنظام في بلدان أخرى·

غير أن مشاعر الترحيب شابها عند البعض شيء من القلق على النسيج الاجتماعي في دول ذات حساسية قبلية وعشائرية وجهوية، مثل ليبيا، أو الخوف على زعزعة الوحدة الوطنية في بلدان تتميّز بالتعددية الطائفية أو العشائرية مثل مصر واليمن، الى جانب طبعاً الترقب والحذر مما يجري في سوريا من مواجهات دموية شبه يومية، وما يعني ذلك من مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية تطيح بإحدى أبرز دول محور النظام العربي·

في حين يتوقع بعض <صنّاع القرار>، من خلال تجربتهم وخبرتهم، استمرار بعض المخاضات في أكثر من بلد عربي لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات، حتى يتمكن النظام الجديد من إرساء مرتكزاته على قواعد صلبة، تكرّس مبادئ التعددية السياسية والحزبية والإعلامية من جهة، وتبلور الممارسة الديمقراطية الشعبية عبر صناديق الاقتراع، بعد إتاحة الفرصة لانتظام الحياة الحزبية، بعد سنوات طويلة من غياب النشاط الحزبي العلني·

ولكن الوضع المتأزم في سوريا كان الشغل الشاغل للجميع من سياسيين ومسؤولين ومثقفين، الذين جمعتهم مشاعر الخيبة والمرارة من ضياع الفرص التي أتيحت للرئيس بشار الأسد لإعادة الإمساك بالمبادرة، وقيادة مرحلة الإصلاح والتحديث التي يسعى لها الشعب السوري الشقيق·

والإجماع على اعتبار النظام السوري ساقطاً، بعدما نفد مفعوله، واستهلك كل قدراته، لا يقابله إجماع مماثل على انتهاء دور بشار الأسد، وبالتالي ضرورة تنحيه ورحيله·

وفي حين يعتبر أصحاب الرأي الأوّل أن سقوط النظام النهائي ورحيل رئيسه هي مسألة وقت ليس إلا، فإن أصحاب الرأي الآخر يرون إمكانية لمعالجة الأزمة السورية عبر المبادرة العربية التي تنص على وقف أعمال العنف، وإرسال بعثة مراقبين إلى المدن والمناطق السورية التي تحدث فيها المواجهات الدموية، ثم الجلوس إلى طاولة حوار تجمع الرئيس بشار الأسد شخصياً مع المعارضة·

ويرى أصحاب هذا السيناريو أن اعتماد الحوار والمعالجة السياسية للأزمة السورية يحفظ للطائفة العلوية دورها في النظام الجديد، كما يؤدي إلى انتقال سلس للسلطة يحفظ للرئيس الأسد مكانته في التاريخ، ويؤمّن له مخرجاً ديمقراطياً مقبولاً، سواء خرج من السلطة أم قرّر خوض الحياة السياسية الجديدة في سوريا في إطار التعددية السياسية والحزبية، بعد طيّ مرحلة <الحزب الحاكم>·

وطبعاً، الوضع اللبناني لم يغب عن حلقات الحوار والنقاش بعيداً عن جلسات المؤتمر· ورغم الربط الحاصل بين الأحداث المتصاعدة في سوريا والوضع السياسي الهش في لبنان، فقد كان شبه إجماع بين صنّاع القرار والمثقفين، على ضرورة تجنّب وطن الأرز إقحام نفسه في الأزمة السورية، وعلى أهمية العمل على إبقاء الجبهة الداخلية بعيدة عن تداعيات التطورات السورية، حتى لا تتم تصفية حسابات اللاعبين الإقليميين والدوليين على الأرض اللبنانية، عندها يعود الوطن الصغير إلى ما كان عليه في فترة الاضطرابات والحروب الداخلية، أي ساحة مفتوحة أمام تصفيات <لعبة الأمم>!·

بضعة أيام فقط فصلت بين كلام أحد أبرز المخضرمين في السياسة العربية، وحادثة التفجير للدورية الفرنسية العاملة في قوات <اليونيفل> أثناء مرورها قرب البرج الشمالي في منطقة صور، والتي يمكن اعتبارها بمثابة رسالة واضحة، ليس لفرنسا وحسب، بل للمجموعة الغربية برمتها، قرّر أصحابها اعتماد الساحة اللبنانية كصندوق بريد، وذلك بعد رسالة <الكاتيوشا> التي أطلقت باتجاه المستوطنات الإسرائيلية عبر الحدود اللبنانية·

فهل المطلوب أن يدفع لبنان <فاتورة> الربيع السوري، من أمنه واستقراره، بعدما سبق له ودفع عدّة مرات أثمان مواسم الخريف والنزاعات العربية – العربية أكثر من مرّة على مدى العقود الأربعة الماضية؟·  

السابق
الجامعة العربية بين التباطؤ والتواطؤ
التالي
قنبلة بالقرب من منزل مسؤول في جند الشام في عين الحلوة