لماذا الإصرار الإيراني على القنبلة النووية؟

انصب الاهتمام مجددا على التهديد النووي المحتمل الذي يتعاظم في إيران؛ فمنذ وقت طويل يسود اعتقاد بأن النظام يسعى إلى امتلاك قنبلة نووية كأحد أسلحة الردع، أو كوسيلة لبسط النفوذ في منطقة متقلبة. وربما بقدر أهمية هذه الاعتبارات، يبرز سبب آخر وهو أن الحسابات النووية الإيرانية التي تعتمد على حسابات داخلية جديرة بالملاحظة، وهي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدرك أنها قادرة على استعادة مكانتها في الساحة الدولية بصورة أفضل وهي تملك القنبلة، أكثر منها وهي لا تملك واحدة. وبدلا من الخضوع لقرارات الأمم المتحدة المتعسفة أو تعديل سلوكها بشأن الإرهاب والتخريب الإقليمي، يشعر قادة إيران بأنهم ما إن يحصلوا على القنبلة فسوف يتمكنون من العودة إلى المجتمع الدولي بشروطهم هم.

ويزعم المسؤولون الإيرانيون أن عداء واشنطن تجاه طهران يتجاوز القضية النووية. وقد قلل المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، من التوقعات بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية دبلوماسية، وزعم بأن واشنطن تستغل المسألة النووية أملا في توسيع نطاق العقوبات على بلدان أخرى، وقال خامنئي، في خطابه الذي ألقاه في أغسطس (آب) 2010: «تغيير السلوك الذي يريدونه (والذي لا يؤكدون عليه بالضرورة دائما) هو في الواقع إنكار لهويتنا». هذا الاتهام يشمل الدول الغربية، فضلا عن مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد صدور تقرير حاسم للوكالة الدولية، الشهر الماضي، ورفض مستشار بارز لخامنئي، علي أكبر ولايتي، إلقاء اللوم على إيران، وشدد على أن «الوكالة لن توافق أبدا على أنشطة إيران النووية السلمية».

ما يثير الدهشة هو أن حكومة الأقلية الدينية المحصورة في عقلية تحكمها المؤامرات والكراهية الشديدة للأجانب ترى التوسلات والعقوبات الأميركية تأكيدا لوجهة نظرها. وتعتبر عروض الحوار الدبلوماسي المعروضة بشروط مقبولة مؤشرات على الضعف الغربي، وتشجع النظام على مواصلة تعنته. من ناحية أخرى، ينظر النظام إلى التدابير القسرية كمؤامرات أميركية، لا لمجرد نزع سلاح الجمهورية الإسلامية، بل لتقويض حكمها أيضا. ويعتقد الإسلاميون أنهم عندما يحصلون على السلاح في نهاية المطاف فإنهم قد يجبرون الغرب على الاستجابة للمطامع الإيرانية في المنطقة. وقد صرح بذلك علي لاريجاني، رئيس البرلمان، الذي كثيرا ما يصور خطأ في الدوائر الغربية على أنه رجل براغماتي، بقوله إن «إيران إذا ما أصبحت دولة نووية، فلن يجرؤ أحد على تحديها، لأنه سيضطر لدفع ثمن باهظ».
 ربما لم تخطئ النخب الإيرانية في قراءة الدروس المستفادة من انتشار الأسلحة النووية. فتاريخيا، عندما كانت تبرز قوة نووية، بعد فترة من العقوبات وتوجيه اللوم، لا يذعن المجتمع الدولي فقط لقدرات البلاد الجديدة، بل ويستثمر أيضا في ديمومة هذا النظام – جزئيا بسبب المخاوف من المجهول. وإذا ما تمكنت إيران من إنتاج القنبلة، فسيؤكد البعض – ليس فقط في موسكو وبكين – على أن انهيار النظام أخطر من أن يتم التفكير فيه. وإذا لم يبرز خليفة لهذا النظام الثيوقراطي، فمن المتوقع أن تكون العقوبات الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية والمساعدات إلى القوات المنشقة موضع انتقادات. وأخيرا إذا كان على إيران أن تمر بفترة طويلة من الاضطراب، الذي يتميز بانهيار السلطة المركزية، والتوترات السياسية و/أو العرقية الانفصالية، فماذا سيحدث لترسانتها النووية والموارد والعلماء والفنيين؟ وقبل أن يؤدي الضغط الدولي إلى تقويض سلطة الدولة، سيسوق كثيرون حججا مماثلة لتلك التي تذاع نيابة عن الحكومة الباكستانية المثيرة للمشكلات، وهي أنها حارس صناعة الأسلحة النووية الخطيرة.

حالة الصين هي الأخرى موحية، ومربكة، فما إن فجر النظام الصيني الثوري قنبلته في عام 1964، أكد الكثيرون في أنحاء العالم على أن الصين أخطر من أن تترك بمفردها لتزيد من مظالمها، وكانت المهمة الأولى تتمثل في عدم الإصرار على نزع سلاحها، بل في إخضاع قنبلة الصين إلى هندسة الأمن الدولي. وتأمل إيران بالمثل أنه بمجرد أن تفجر قنبلة نووية، لن يوجه التركيز الدولي على القمع الداخلي أو المساعدات إلى الجماعات الإرهابية، بل على إعادة اندماجه في الاقتصاد العالمي كوسيلة للتخفيف من الآثار السلبية لقنبلتها.

ومن المؤكد أن هذا طريق محفوف بالمخاطر، فقد تواجه طهران مزيدا من العقوبات وضربة عسكرية محتملة. بيد أنه بالنسبة للمرشد الأعلى الذي تحدث عن خلق «اقتصاد المقاومة الحقيقية»، والذي يميل للتقليل من احتمالية الضربات العسكرية، فإن مكاسب التحدي تفوق مزايا تسوية الخلافات. والقيادة الدينية يخيم على شعورها بالثقة مخاوف وهمية ترى في القنبلة وسيلة للتغلب على ضعفها والهرب في الوقت ذاته من مأزقها دون تكلفة كبيرة 

السابق
عن الثورات العربية…و الإسلاموفوبيا
التالي
ربيع أميركا