عن الثورات العربية…و الإسلاموفوبيا

راج مصطلح الإسلاموفوبيا مؤخرا” بكثرة حتى طاف مسامع العالم العربي من المحيط إلى الخليج، مع العلم أن ميلاده كان إبان هجمات 11 أيلول على أبراج التجارة العالمية في نيويورك و معهما مبنى البنتاغون، و شكّل الغطاء الأمثل لحروب النفط الأميركية، طبعا” بالتشارك مع ذريعة أسلحة الدمار الشاملة.

إذن، فالإسلاموفوبيا، او التخوف من الإسلام وصولا” إلى أسلمة المجتمعات هو الغطاء نفسه الذي خيضت الحروب على أساسه، و لكن اليوم، بصيغة مختلفة تتمثل في الإملاء الخارجي على الداخل و تحويل الأنظمة إلى أدوات متناحرة فيما بينها بعدما كانت أحجار دومينو في القبل و رأينا كيفية إسقاطها الواحد تلو الآخر، و طبعا”، دونما رحمة لأي من رؤوسها الذين اشتهروا بولائهم الأعمى لأميركا و تطبيق سياستها في الشرق الأوسط من جعل فلسطين قضية تفصيلية و المساهمة بدعم إسرائيل في حربها على المقاومة في تموز 2006، أو عبر حصار غزة لاحقا”، كل هذه الخدمات لم تشفع لأصحابها أبدا”، فلا فرعون مصر أورث الجمال و لا معمر إسراطين سلم الراية لسيف، بل تخلت عنهم أميركا كما تخلت في السابق عن عملائها في فيتنام إبان هزيمتها، و عن قوى 14 آذار يوم 7 أيار المشهود، لتعبر بالأنظمة نحو وجه جديد أشد إسودادا”. بدأت الحملة، أو ما يسمى الشرق الأوسط الكبير سودانيا” بأمر إعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئس السوداني عمر حسن البشير، و لكن سرعان ما إختفت بعد تقسيم السودان إلى شمال و جنوب، جنوب غارق في آبار النفط الخام، و الرافع علم إسرائيل بين أعلام الدول فيه، عدا عن عقود إستخراج النفط التي أبرمت، الديمقراطية الثانية بعد العراق.

تونس :

تونس كانت إعلاميا” الشرارة الأولى للربيع العربي، من جسد محمد بو عزيزي المحروق إلى العالم، تظاهرات و إعتصامات أسقطت أنظمة في طليعتها بن علي، حيث أن تونس لم تكن فاعلة عربيا” من قبل، لا بل غائبة لولا السياحة و أقصى ما سمع عنها هو أغان لطيفة و صابر الرباعي، ليأتي هذا الشاب الفقير، و من بعد صفعة ذهبت به إلى إحراق نفسه صافعا” النظام أجمع، لم يربك بو عزيزي نظامه فقط، بل الإدارة الأميركية التي وقفت موقف المتفرج قبل أن تستدرك الوضع و تغرز أنيابها في جسد الثورة الفتية و تركب موجتها تحت ستار إسلامي، و هو النهضة و الغنوشي، عند سماعي بنبأ وصول الغنوشي إلى تونس، لم أكتم فرحتي بل أعلنتها، هو صديق الشهيد “فتحي الشقاقي” مؤسس حركة الجهاد في فلسطين، يعني رأيت في تونس جناحا” جديدا” تطير به القضية الفلسطينية، لكن الغنوشي قبل دعوة منظمة إيباك الصهيونية، و أعلن أن الدستور التونسي لن يحمل أي إشارة إلى العداء لإسرائيل، لا بل و ذهب أكثر إلى إستجداء لقاءات مع اللوبي الصهيوني في أميركا، تمهيدا” لتركيز العداء غلى كل ما هو ضد الأسلمة الغنوشية، بإستثناء إسرائيل، ديمقراطية جديدة تضاف إلى اللائحة.

ليبيا :

لن أتحدث عن مراحل الثورة الليبية، بل سأدخل في نتائجها و أسماء قادتها مباشرة، لمع إسم القائد العسكري لمدينة طرابلس “عبد الحكيم بلحاج” كثيرا”، فمثل دور محمد الفاتح الذي قاتل و هزم الطاغية و دخل المدن، غير أن بلحاج ذاته كان ملاحقا” من قبل الولايات المتحدة التي إلتقته مؤخرا” في بن غازي بتهمة الإنتماء لتنظيم القاعدة و قيادة عمليات ضد قواتها في أقغانستان، أي أن بلحاج هو أحد أبرز رموز الأسلمة، و التي ظهرت في خطاب جبريل بعد قتل القذافي حول إرجاع العمل بتعدد الزيجات، و كأن شهداء ليبيا ماتوا لأجل تعدد الزوجات، لحد الأن، ليست ميول بلحاج و المحلس الليبي ذات خطر أو تهديد، لكن عندما تلمح اسم برنارد ليفي عرّاب السياسات الصهيونية يستدعي الامر التوقف مليا” عن ذلك، و حاصة بعد سماع رئيس أركان جيش الثورة الليبي يقول أننا نعمل لبناء جيش يواجه أطماع تونس و مصر الفقراء، لأننا أغنى منهم، قبل أن يزين الشاشات خبر أرسال سفير أو موفد إسرائيلي قريبا” إلى ليبيا.

مصر :

مصر كانت أجمل حكاية في ربيع الثورات، و لطالما شدت الأبصار إلى ميدان التحرير و شوارع الإسكندرية التي أطاحت بشخص مبارك لا نظامه، بل أبقت خرق المجلس العسكري البالية في الحكم، لا بل و شرّعت إنتخابات ترشح عليها رموز النظام المنحل، أو ما اصطلح تسميته بالفلول، لتنتهي بفوز الإخوان و حزبهم، يتلوهم السلفييون، طبعا”، هذه الديمقراطية التي نريد و طالبنا بها و يجب قبول النتائج حتى و لو دفعت قطر ملايين الدولارات لترجيح كفة طرف على آخر، لكن، حتى تكتما الحرية، ألا يجب التخلص من هيمنة المجلس العسكري و تاريخ الأبيض و الأسود مع أشخاص كالجنزوري؟

المشكلة في مصر ليست فقط مشكلة نظام غير وجهه و قلبه، بل مشكلة أيديلوجيات كقول السلفي “المسلم الباكستاني أقرب إليّ من القبطي المصري”، أو الهجوم على مجالس عاشوراء و منعها، هنا تبدأ الفوضى تحت شعار الأسلمة، و حرص الإخوان كما المجلس على العلاقات مع إسرائيل و مدّها بالغاز الطبيعي، في حين يمدّ المتظاهرون و المعتصمون بالغاز السام.

سورية :

سورية بالتاء المربوطة هي الأصح لا سوريا بالألف، كما أن الأصح هو تقسيم حراكها إلى مراحل، مرحلة الأشهر الثلاث الأولى، حيث كان الحراك شفافا” مطالبا” بالحرية و الخبز و العدالة الإجتماعية، إلى أن ينحرف مساره بظهور المستغلين، جيش حرّ لا يفقه من الحرية شيء غير طائفيته التي تحملها أسماء مجموعاته، من الفاروق إلى خالد بن الوليد و التي أرعبت الأقليات من دروز و علويين و مسيحيين مما جعلهم يتمسكون بالنظام خوفا” من أن يصيبهم ما أصاب أقليات العراق، أو أقباط مصر في ماسبيرو، عدا عن مجلس إنتقالي يجاهر رئيسه بالعداء للمقاومة و الركوع أما إسرائيل و لن أطيل بالكلام عن سورية، تاركا” البقية لمقالة الرفيق خضر سلامة و الذي أسهب في شرح نقاطها الإعتراضية.

الأسلمة كوجه جديد للأنظمة :

لا شك أن التجارب الإسلامية السابقة كإيران و السعودية أثبتت فشلها في تحقيق العدالة الإجتماعية، و لكن تعميم هذا الوجه الجديد على المجتمعات يشكل سابقة في فرض القوانين يإسم الرب مما يضيق المساحة أمام المعترضين و ينبذهم إجتماعيا” حتى و لو كانوا على حق، هذا في حال كانت الأسلمة ليست ذات وجه متطرف ملتحي، فكيف بها إذا كانت كذلك؟

تنصيب الإسلاميين امراء على الثورات اليوم هو إرساء لقواعد مشكل مستقبلي، فمن سيقبل الكبت مستقبلا”؟ هل ستكون أفغانستان أو إيران نموذجا” يحتذى به؟ أم أن فتاوى السعودية و قوانينها ستفرض في مصر؟ هل نموذج منع المرأة من القياة أو تناول الخيار كي لا تثار جنسيا” هو الحرية المنشودة؟ أم تحجيب النساء و قتل غير الإسلاميين و تكفيرهم؟ إنما هي أساس لثورة مستقبلية تصور الإسلام كدين مفسد و رجعي يجب محوه، أي أنه قبر يحفر للإسلام الحقيقي و للحريات، و تمحو فلسطين من القاموس و تغييب قضيتها، لا ثورة عربية ما دامت لا تتخذ من فلسطين بوصلة. 

السابق
اوغاسابيان: الصاروخ الذي سقط في حولا هو رد مباشر على مواقف جوبيه
التالي
لماذا الإصرار الإيراني على القنبلة النووية؟