خريف الديموقراطية في تركيا

قال «إدريس نعيم شاهين»، وزير الداخلية التركي: «إنني أجد صعوبة كبيرة في فهم هؤلاء الذين يقولون إنه لا يجدر بنا أن نعتقل أستاذاً جامعياً في حين يُعتقل الآلاف غيرة في تركيا».
هذا الكلام يعني أن الوزير شاهين يريد القول إن الأستاذ الجامعي لا يحق له ان يطالب بمعاملة خاصة في ظل القانون. وهو يوضّح الواقع التركي الجديد، حيث أصبح أي معارض عُرضة للاعتقال والسجن، دون أي سبب أو تهمة. ولذلك، أصبحت المحاكم الخاصة، المكلّفة بمحاكمة الإرهاب والجرائم ضد الدولة، تعمل بنشاط ملحوظ من أجل توجيه اتهامات سخيفة، لا أساس لها في أغلب الحالات، مثل الأحكام بالسجن بحق صحافيين زعمت السلطة أنهم نشروا مقالات بطلب من منظمة إرهابية «وهمية» تدعى «أرغينيكون»، التي لم يثبت وجودها بعد، بالرغم من مضي سنوات من التحقيقات.كذلك، تم توجيه الاتهامات إلى ضباط عسكريين بناء على وثائق مزوّرة، تحتوي على مغالطات واضحة. وها هو اليوم، أحد كبارمفوّضي الشرطة، يقبع في السجن بتهمة التعاون مع متشددين يساريين، أمضى حياته المهنية في ملاحقتهم. وقد وقع في شباك هذه الاتهامات العديد من الصحافيين والكتّاب والأكاديميين، والضباط العسكريين والناشطين الأكراد.
إلى ذلك، أصبحت الرقابة الذاتية أمراً روتينياً، لدرجة جعلت الحريصين على ردّ جميل رئيس الوزراء، رجب طيّب أردوغان، يذهبون إلى فصل العديد من الصحافيين الذين يتجرأون على انتقاد نظامه. كما توسّعت سلطة وسيطرة الحكومة إلى ما هو أبعد من الإعلام والقضاء والجامعات، لتصل إلى عالم المال والأعمال، وحتى الرياضة.

ويبدو أن «أردوغان» يبقى بعيداً عن الانتقاد، وذلك بفضل نجاحه في توسيع مدى الرعاية الصحية والتعليم والإسكان، بالإضافة إلى تحييد الحرس العسكري القديم وتغيير التركيبة السياسية التركية، وتحويل تركيا إلى قوة اقتصادية إقليمية.
أما بالنسبة لأصدقاء تركيا في الخارج، فإن الوقت قد حان لاتخاذ مواقف صارمة. ومن الواضح ان ردّات فعل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، إزاء سقوط تركيا في الاستبداد، ليست أكثر من مجرد تصريحات، غامضة تُعرب عن القلق والانزعاج، بل استمرت تقارير هذين الكيانين، بشأن تركيا، على نحو يثير الدهشة الشديدة. وها هي أنقرة الآن، تبدو كأنها أقرب إلى الاتجاه نحو الاستبداد في الداخل، واعتماد المغامرة في الخارج، علماً بأنه لم يمضِ وقت طويل على بروز تركيا كمنارة مشرقة للديموقراطية والاعتدال، في منطقة اعتادت على الاستبداد والتطرّف.
وإذا كان من المفهوم ألا يرغب الأوروبيون والأميركيون في الاصطدام بقوة إقليمية، فإن مجاراة لعبة أردوغان لن تُسفر إلا عن تعزيز شعوره بأنه لا يُقهر. وهذا لن يخدم مسألة الديموقراطية في بلد أتاتورك، ولن يجعل منه حليفاً جديراً بالثقة والاحترام.  

السابق
بشار الأسد ودرس عبد الناصر
التالي
اوغاسابيان: الصاروخ الذي سقط في حولا هو رد مباشر على مواقف جوبيه