المعادلة الأميركية :ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم

مما لا شك فيه أن الدكتور برهان غليون قد قطع الشك باليقين وأعلن بوضوح أن ما يجري في سورية هو مؤامرة ذات أهداف أميركية وصهيونية. كما أنه أعلن بوضوح أيضاً انحيازه الى الغرب قوى ومخططات وأهدافا وتصورات. إن هذا التصريح الذي يقول فيه بأنه عندما يتسلم الحكم سيغير سياسة بلده تجاه إيران وحزب الله وأنه سوف يحرر الجولان بمفاوضات مع العدو الصهيوني متناسياً أن لبنان عانى الكثير من أجل تنفيذ القرار 425 ولما يصل إلى نتيجة حتى حرر أرضه بقوة السلاح. هذا التصريح على خطورته له وظيفة ظاهرية كبرنامج لحكم مستقبلي، ولكن المسألة الأهم هي في وظيفته الخفية التي تتعلق بالانخراط في الحرب الجارية في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً: أقطاب هذه الحرب هم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا من جهة ومن جهة أخرى بلدان البريكس وهي الصين وحلفاؤها. إن هذه الحرب الاستراتيجية تتخذ في منطقة الشرق الأوسط عنوانا هو نوع من الحرب الباردة بين هذه الأقطاب يسعى كل منها الى تأمين مصالحه فيها. لا يمكن للدكتور برهان غليون أن يجهل كل ذلك أو يتجاهله، وآثر أن يتحول إلى أداة صغيرة في الصراع الفعلي، هذا الصراع الذي يجعل من سورية بحكم موقعها الجيو ـ ستراتيجي بلداً موضع تصارع وتنافس. سورية هي اليوم نقطة تقاطع بالغة الأهمية لا يعادلها بلد آخر في المنطقة، فإن جنحت الأمور فيها إلى حروب من أي نوع، فستلحق بها دول الجوار من العراق والأردن ولبنان وحتى تركيا، ولن تسلم منها دول الخليج بما فيها السعودية. وبذلك يكون الدكتور برهان غليون قد أدى خدمة جليلة للغرب المستعمر الجديد وللطامعين في المنطقة لأسباب شتى. إن الأزمة السورية طويلة ومعقدة والصراع يدور حولها وحول هذا المحور الممتد من إيران والعراق إلى سورية ولبنان. فالأزمة في سورية هي من ثلاثة طوابق (كما وصف ذات يوم الأمين العام للجامعة العربية السابق السيد عمرو موسى الأزمة اللبنانية). الطابق الأول سوري الواقع وحله يجب دائماً أن يكون سورياً عبر الحوار على قاعدة قبول المبادرة العربية بما يلبي التعديلات السورية خاصة تلك التي تمس سيادتها، والسوريون هم المؤهلون لإجراء هذا الحوار الوطني الذي يحقق الاستقرار والبدء بعملية إصلاح كبيرة تتناول كل ما يؤمن هذا الاستقرار. الطابق الثاني هو الوضع العربي الذي تمثله الجامعة العربية بقيادة دولة قطر ودول الخليج، فلن نقول فيه أكثر من أنه تابع ويأتمر بأوامر الطابق الدولي. أما الطابق الثالث فهو الطابق الدولي، الغرب فيه عاجز عن التدخل العسكري، ولا يستطيع تمرير ما يقال عن ممرات إنسانية ومناطق عازلة في سورية وعزل طيران وحماية مدنيين وما شابه. لذلك فهو يستعمل الدبلوماسية الذكية بدفع الجامعة العربية الى لعب دور في الأزمة السورية.

إن الولايات المتحدة والغرب يسعيان في هذا الصراع في الشرق الأوسط لتحقيق أولويات أميركا وهي أمن "إسرائيل" والثروة البترولية. أي صفقة مع خصومها سوف ترتكز على معادلة ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم، أي أنها وقد وضعت يدها على بترول المنطقة في دول الخليج من الكويت إلى السعودية مروراً بالإمارات وقطر وليبيا وتصارع على بقية منطقة الشرق الأوسط محاولة السيطرة عليها أيضاً، وهي محور يمتد من إيران والعراق إلى سورية ولبنان. من هنا تتضح خطورة الأزمات اللبنانية والسورية والأردنية والعراقية والإيرانية التي تتعرض للضغوطات والتدخلات الأميركية والغربية عموماً، وعقد تحالفات مع قوى تنساق في سياساتها والتي قد تبدأ بقلاقل مزعجة إلى حروب أهلية وفتن طائفية وتقسيم إلى دويلات. يتعين حل الأزمة السورية داخل سورية وبيد سورية واتخاذ مواقف جريئة منها على سبيل المثال: حل القيادة القطرية وتشكيل قيادة موقتة تستطيع لعب دور هام كبقية الأحزاب الوطنية، وإعفاء الحكومة الحالية من مهامها وتشكيل حكومة جديدة قادرة على لعب دور في حل الأزمة، وملاحقة الإرهابيين الذين اتضحت علاقتهم بالمخطط الخارجي بلا هوادة، وضبط الحدود اللبنانية والأردنية والتركية ضبطاً دقيقاً لمنع تهريب السلاح والمسلحين، ومحاسبة المسؤولين عن الأخطاء التي ارتكبوها، ثم الاستمرار في الخطوات الإصلاحية التي بدأها رئيس الدولة.

إننا في لبنان معنيون أكثر من أي كان في المنطقة بالابتعاد عن كل تدخل في الشأن السوري، والسعي الى تحصين جبهتنا الداخلية بوحدة وطنية قوية ومتراصة نقف فيها بوجه كل تداعيات الأزمة السورية والصراع الذي يدور حولها.  

السابق
رئيس البعثة البابوية يجول في الحنوب
التالي
العدو يحضّر سيناريوهات عديدة للخروج من مأزق استخباراته في غزة