نصرالله والسلاح الذي لن يُستَعمل بعد اليوم!

ضبطَ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ساعته جيّداً على التوقيت السوري، وبدا أكثر من أي يوم مضى، مُدركاً أنّ بقاء «الستاتيكو» السوري الراهن بات مستحيلا. لكنّ ذلك لا يبرّر القراءات التي حصرت خطابه العاشورائي الأخير في خانة التصَلّب، وإقفال باب الحوار حول السلاح.

ثمّة مَن قرأ في الخطاب، وفي عرض القوة بالجماهير والحضور الجسدي المفاجئ للسيد نصرالله، رسالة مباشرة هي الآتية: "نحن هنا، وأقوياء، بالأسد ومن دونه، وسلاحُنا يتجدّد ولن نفاوض عليه". لكن هناك رسالة أخرى غير مباشرة، تبدو أكثر انسجاما مع المعطيات السورية، وهي الآتية: "إذا كان أحد يفكّر في التعاطي معنا بأسلوب المواجهة، فانظروا إلى قدراتنا. وإذا كان الخيار هو المساومة، فنحن نمتلك حجما كبيرا جدا، ولن نقبل بالتخَلّي عن السلاح إلّا بعد الحصول على مقابلٍ يُناسِب هذا الحَجم".

في هذا المعنى، رسالة السيد نصرالله ليست مُتصلّبة في المطلق. إنها "تذكيرية": نحن هنا! وهي تجيب مرّة أخرى عن السؤال: ماذا سيفعل "حزب الله" إذا ما سقط نظام الرئيس بشّار الأسد ؟

وينسَجم خطاب نصرالله عن "تجديد السلاح" ونوعيته مع المعلومات الواردة من دمشق عبر بعض الأقنية، والتي نشرت بعضها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وتحدّثت عن نقل أسلحة صاروخية من مخازن في سوريا إلى لبنان، احتياطاً لإمكان سقوط النظام. وإذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فثمّة مَن يطرح أسئلة عن طبيعة هذه الأسلحة وحجمها، وهل هي مُلْك حزب الله في المخازن السورية، أم إنها أسلحة سورية يجري نقلها إلى مخازن "الحزب" في لبنان احتياطاً لتطوّرات محتملة ؟
. الفرصة الأخيرة

والسياق السياسي للملف السوري يضع خطاب نصرالله في موقعه المناسب. فنقطة الضوء الوحيدة الباقية للنظام هي الوساطة التي تخوض غمارها موسكو لإنجاز تسوية تنقذ الرئيس بشّار الأسد، حليفها الوحيد المتبَقّي على ضفة البحر المتوسط. وتريد موسكو أن تكون النهاية في سوريا على الطريقة اليمنية لا الليبية، أي أن يتمّ نقل السلطة موقتاً إلى طرف يقبل به النظام والمعارضة معاً، ولاحقاً تجري انتخابات ديموقراطية تُنتِج سلطة جديدة. وفي هذه الأثناء، يضمن الروس لجوءاً سياسياً على أرضهم يحفظ السلامة الشخصية للأسد.

لكنّ موسكو، في مفاوضاتها مع واشنطن حول التسوية، تريد ضمان استمرار مصالحها الراهنة في أيّ تسوية. وهذه مسألة يصعب تحقيقها، لأنّ ذهاب الأسد سيعني ذهاب نظام كامل بتحالفاته الإقليمية والدولية، ولذلك تتأخّر التسوية. كما أن القوى الداخلية في سوريا لم ينضج لديها الاستعداد لتسوية على الطريقة اليمنيّة. فحتى الآن لا الأسد وافق على هذا المقدار من التنازلات، ولا المعارضة أبدَت استعداداً لأنصاف الحلول مع النظام. ولكن الجميع، أي الجامعة العربية وتركيا وروسيا وواشنطن والأوروبيون يتعاطون مع الملف السوري من منطلق إعطاء الفرصة مَداها، وكأنها الخيار الأخير قبل الدخول في المواجهة النهائية.

خطاب للمقايضات؟

وفقاً لهذه المعطيات، يستعدّ "حزب الله" لمواجهة التحديات المقبلة، أي لاحتمالات النماذج كلها في سوريا: الليبي أو اليمني أو الحرب الأهلية، أو أي نموذج تفرزه طبيعة الصراع في سوريا. وهناك دلائل إلى أنّ "الحزب" الذي تعاطى بواقعية في عَيّنة صغيرة هي تمويل المحكمة، لن يتخلّى عن هذه الواقعية في القضايا المصيرية كالملف السوري، وهو سيكرّر أسلوب التعاطي إيّاه.

ومن هنا، يبدو التصعيد في الخطاب العاشورائي الأخير تكتيكاً ودعوة إلى المقايضة بسِعر مرتفع. ولعلّ المقايضات التي يطمح إليها "الحزب" هي تلك التي تخرجه من كل مآزقه وإحراجاته، والمحكمة في طليعتها.

لكن "حزب الله" قد يَجد أنه وصلَ متأخراً، وأن السلاح الذي لن يكون جاهزاً للاستعمال العسكري بعد اليوم، سيفقد أيضاً جهوزيّته للاستعمال السياسي!.. 

السابق
إفرح أيها اللبناني وحّدنا لك الوصفة!
التالي
عين التينة