صراع الجنرالين يشلّ دور الرئـيس

لا يستطيع سياسيٌ أن يُعطي إيجابيّة واحدة لرئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. وحين يُطرح اسم الرئيس في اللقاءات، تظهر سريعاً علامات الاستغراب على الوجوه، لأن الحسابات السياسيّة تخلو منه إلّا عندما يصل الأمر إلى تعيينات إداريّة أو وزاريّة،
أو مطلب لميشال عون

غادر رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان بيروت من دون أن يلتقي نائب وزير الخارجيّة الأميركيّة جيفري فيلتمان. من المرات القليلة التي لا يكون فيها ردّ فعل سليمان في وجه رئيس تكتّل الإصلاح والتغيير ميشال عون. رفض رئيس الجمهورية استقبال فيلتمان، أتى رداً على عدم استقبال وزيرة الخارجيّة الأميركيّة هيلاري كلينتون لسليمان خلال زيارته نيويورك في أيلول الماضي.
إذا استثني هذا الأمر، فقد لا يكون هناك شيء مثير للاهتمام في الحركة السياسية لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة. بعض من يلتقون به، أحياناً أو دائماً، لا يملكون جواباً عن خيارات الرئيس السياسيّة. كثيرون لا يعرفون ما الذي يُريده. وأحد الذين يعرفونه جيداً يقول إنه لا يُريد سوى مناكفة الجنرال ميشال عون. هو «صراع الجنرالين» كما يقولون.

يسرد أحد السياسيين القضايا السياسيّة التي طرحها سليمان. يبدأ بملف تمويل المحكمة الدوليّة. لطالما طالب الرئيس بضرورة التزام لبنان بالقرارات الدوليّة، وردّد أمام زوّاره بأنه يُريد تمويل المحكمة. لكن عندما وصل الموضوع إلى الجدّ، لم يسجّل له سوى اتصاله بالرئيس نبيه بري بعد إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن تمويل المحكمة مهنئاً على جهوده في حلحلة الأزمة الحكوميّة. لم يكن لسليمان دور في حلّ الأزمة، رغم أنه، نظرياً، المؤتمن على تطبيق الدستور والحكم بين اللبنانيين.
ينتقل الرجل إلى موضوع الحوار الوطني. دعا رئيس الجمهورية بنحو غير رسمي إلى الحوار، لكن أجوبة القوى السياسيّة كانت سلبيّة تجاه دعوته. ويقول أحد المؤيّدين لانعقاد طاولة الحوار إنه فعل كل ما يستطيع فعله لتهيئة الأمور لانعقاد هذه الطاولة، «لكن المشكلة هي أن سليمان لا يقوم بدوره ولا يُبادر إلى حلّ أي عقبة أمام انعقاد الطاولة، ولا يملك القدرة على ابتداع حلول واقتراحات لتسوية الثغر والوصول إلى هذا الاجتماع الذي تتركّز أهميّته في تهدئة المناخات الشعبيّة، والخطاب السياسي الحاد».
واللافت هنا، ما قاله مستشار سليمان، وزير البيئة ناظم الخوري، لناحية تأكيده أن «رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان لن يدعو إلى الحوار إذا لم تكن الظروف في البلاد ناضجة لهذا الموضوع». لم يتحدّث الخوري عما يُمكن فعله حتى تنضج الظروف، أو أن الأمر متروك لبري والنائب وليد جنبلاط.ثم يتبنى رئيس الجمهوريّة النسبيّة. يتهكّم أحد العارفين جيداً بسليمان، وهو من الداعمين الكبار له، إعلامياً، أن كلّ ما يُريده سليمان من هذا النسبيّة هو تأمين ورثته السياسيين، وبالتحديد صهره وسام بارودي، إذ يعتقد رئيس الجمهورية أن النسبيّة ستضمن لبارودي مقعداً نيابياً، «فسليمان بدأ بحصر الإرث السياسي» يقول الداعم السياسي له متهكماً.
وعند ذكر الوزراء، لا يجد هذا السياسي نقطة إيجابيّة عن وزراء رئيس الجمهوريّة الثلاثة. فلا وزير البيئة ناظم الخوري استطاع أن يقوم بحدٍ أدنى من العمل في وزارته، ولا وزير الداخليّة مروان شربل يستطيع أن يمارس مهامه، وهو الذي لا يستطيع أن يقبل بأن يوجه «مدني» أمراً «لعسكري» حتى لو كان هذا المدني أعلى رتبةً إدارياً من العسكري. كما أن الخوف كلّ الخوف هو من انعدام القدرة عند شربل على إدارة ملف الانتخابات النيابيّة. أما نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، فلا داعي، برأي هذا السياسي، للحديث عنه، بل الأفضل سؤال عينة من اللبنانيين عن اسم نائب رئيس مجلس الوزراء.

لا يبقى لرئيس الجمهوريّة سوى دور وحيد يقوم به: مناكفة ميشال عون. يرفض سليمان كل ما يُريده عون. في مرحلةٍ يتسلّح بموقع الرئاسة، ثم بموقعه حكَماً بين اللبنانيين، ثم يعود للعرف (رفضه تعيين القاضي طنوس مشلب رئيساً لمجلس القضاء الاعلى، يستند إلى العرف كما يقول سليمان، رغم أن هذا العرف غير مثبت)، ولا ينسى أن يقول إنه يُمثّل الموقع المسيحي الأوّل.

تزداد القناعة لدى عدد من السياسيين بأن الشغل الشاغل لرئيس الجمهوريّة هو إضعاف عون. لكن هذا الدور لا يقف عند حدود الإضعاف، بل إنه بات مسؤولاً عن تجميد الإدارة اللبنانيّة عبر تأخير التعيينات طويلاً، لأن فريق الرئيس ميقاتي يُكرّر أن المشكلة هي في توافق سليمان وعون. ولا ينسى فريق رئيس الحكومة أن يضيف أن ميقاتي يقف إلى جانب سليمان لأن الأخير رئيس الجمهوريّة. تجميد التعيينات اليوم، سبقه تأخير تأليف الحكومة قبل أشهر. ويرى السياسيون الذين يلتقون سليمان دوماً أن «أسوأ ما جرى في تلك المرحلة هو أن سليمان ضحّى بالوزير زياد بارود يوم أراد منع عون من الوصول إلى وزارة الداخليّة». في مفارقة بارود ـــ شربل، تكمن مشكلة رئيس الجمهوريّة، بحسب السياسيين أنفسهم: «الرئيس وزّر شربل، حتى لا يُقال إنه خسر، لكن في الواقع، هناك من خسر كثيراً جداً. إذ يُمكن انتقاد زياد بارود كثيراً، لكن بلا شكّ هو أقدر من مروان شربل. وهذا ما سيظهر عندما يُدير شربل انتخابات نيابيّة؛ هذا إذا جرت».  

السابق
5 إصابات خطيرة الحصيلة الاولية لانفجار برج الشمالي الذي استهدف الكتيبة الفرنسية في اليونيفيل
التالي
حزب اللـه يتحول شرطـي سـير بـين الـحـلـفـاء!