حزب اللـه يتحول شرطـي سـير بـين الـحـلـفـاء!

ربما كان الكثيرون، ولا سيما في صفوف فريق 14 آذار، لا يصدقون أن «حزب الله» هو بالفعل زاهد بالسلطة ومكتسباتها، والأرجح ان هؤلاء لم يأخذوا على محمل الجد كلام الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله، خلال إحدى خطب ليالي عاشوراء، حول الزهد بالحكومة والإدارة والمناصب والحصص.
ولعل اضطرار الحزب الى الاستغراق في ملفات الساحة الداخلية منذ عام 2005، لملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب السوري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ساعد على إعطاء انطباع بأن المقاومة لم تعد الأولوية الوحيدة لدى الحزب وأن هناك «طموحات مستحدثة» أصبحت تشاركها في استقطاب الاهتمام والجهد، خصوصا على مستوى توسيع النفوذ داخل الحكم والمشاركة في تقاسم مغانمه، وفق الصورة التي يجري ترويجها في سياق سعي البعض في لبنان والخارج الى «لبننة» أداء الحزب، بمعنى تحويله الى تنظيم عادي يشبه غيره في سلوكه وأهدافه.

ولكن العارفين بنمط تفكير قيادة الحزب، وعلى رأسها نصر الله، يؤكدون ان كلام «الأمين العام» ليس إنشائيا او نظريا، وإذا كان الحزب قد نزل فعلا بثقله الى الداخل، وتحول الى أحد أرقامه الصعبة، فإنما على قاعدة ان هذه إحدى وسائل خدمة الغاية الأصلية وهي الدفاع عن خيار المقاومة وعمقه الحيوي، وليس الإستحصال على بطاقة انتساب الى النادي السياسي التقليدي الذي لا يعيره الحزب اهتماما، وهو الذي انضم الى نادي اللاعبين الكبار في المنطقة وبات يشكل جزءا من موازين القوى فيها.
ويلمس المتواصلون مع قيادة الحزب ان هناك شعورا بالمرارة لديها، مصدره الواقع الداخلي الذي يفرض عليها حضورا اضطراريا واستغراقا في الكثير من التفاصيل التي لا تتناسب مع الوظيفة الاساسية المتمثلة في مواجهة العدو الإسرائيلي وتحقيق توازن الرعب او الردع معه.

والمرارة ليست متأتية فقط من الخصوم الذين يحاولون إلهاء الحزب عن دوره الإستراتيجي واستدراجه الى الزواريب ومستنقعاتها، بل هي نابعة أيضا من سلوك الحلفاء والاصدقاء الذين لا يسهلون مهمته ويحتاجون الى من يتفرغ لحل مشكلاتهم وأزماتهم، لا سيما تلك التي تنشب بينهم، كما هي الحال منذ ولادة الأكثرية الحالية التي كان يفترض بها أن تريح الحزب، فإذا بالعلاقات المعقدة بين مكوناتها تتحول الى عبء إضافي عليه.
وبرغم انه مضى أكثر من ست سنوات على انخراط «حزب الله» كليا في معترك الشأن الداخلي، إلا انه لم يصبح بعد جزءا عضويا من «تقاليده» التي كان ملزما بالتكيف معها، ولكنه لم يجد نفسه فيها، علما ان البعض، حتى في الصف الواحد، يعتبر ان حنكة الحزب على صعيد اللعبة المحلية وفنونها ما زالت غير مكتملة وأنها لا تعادل ما اكتسبه من حرفية في المقاومة.
 والمفارقة ان الحزب الذي يملك عشرات آلاف الصواريخ المتطورة وأسلحة للدفاعين البحري والجوي ويهدد بتغيير وجه المنطقة إذا شنت إسرائيل حربا على لبنان.. هو نفسه يضطر الى ان يتسلح بصبر استثنائي وتواضع كبير كي يستوعب خصوصيات شركائه وأمزجتهم وحساباتهم، ساعيا باستمرار الى منع تصادمها على مفترقات الطرق، مع ما يتطلبه ذلك من نفس طويل، لا بد من اكتسابه للركض في مضمار الوساطات المتنقلة، والتعايش مع «مزاجية» النائب وليد جنبلاط، وتحمل «تكتيكات» نجيب ميقاتي، وامتصاص انفعالات العماد ميشال عون، ومنع انفجار علاقة الرئيس نبيه بري بعون، وتفهم متطلبات الحلفاء السنة والدروز، وقبل كل ذلك التنازل عن الحجم المستحق في الحكومة لصالح تمثيل رمزي عبر وزيرين إفساحا في المجال امام مشاركة رفاق الدرب، علما ان الحزب كان مستعدا لو اقتضى الأمر للقبول بوزير واحد، ناهيك عن عدم مطالبته بحصص في الإدارة تتلاءم وحجمه الكبير.
وتحت سقف المعادلة ذاتها، اضطر الحزب الى ان يغض الطرف عن تمويل المحكمة الدولية، مراعيا الحاجة الى بقاء الحكومة في الظرف الراهن، ومسايرا اعتبارات الرئيس نجيب ميقاتي وضرورة تحصين موقعه دوليا وعربيا وداخل الطائفة السنية داخليا في مواجهة الضغوط الشديدة التي يتعرض لها من «تيار المستقبل» وعواصم القرار الدولي.

وإذا كان مذاق التمويل مرّا، بالنسبة الى «حزب الله»، إلا انه كان حلوا في فم المدعي العام الدولي دانيال بيلمار الذي عكست أجواؤه المتسربة الى بيروت، ارتياحه وسروره للالتزام بالتمويل الذي يعني برأيه الاعتراف بالمحكمة، «وبالتالي لم تعد توجد أي قيمة للمعركة التي يريد فريق الدفاع خوضها بشأن عدم شرعية المحكمة ودستوريتها».
واللافت للانتباه أن أصداء تعليق بيلمار، بلغت آذان بعض الأوساط الحقوقية اللبنانية المقربة من فريق الدفاع، فقررت ان ترد عليه بتسريب مناخ مضاد يفترض ان يكون قد بلغه وفحواه ان هناك فارقا كبيرا بين شرعية الالتزام بتسديد حصة لبنان على قاعدة تفسير رئيس الحكومة للأمر، وبين شرعية تأسيس المحكمة التي لا تتأتى بأي حال من الأحوال عن هذه الطريق.
وتضمن الرد غير الرسمي للأوساط الحقوقية على بيلمار، الأسئلة الآتية: لماذا لا تتوقف عند دلالات اعتراف الأميركيين أنفسهم بأن شبكات تجسس كانت تعمل لصالحهم ولصالح «الموساد» الاسرائيلي في الاراضي اللبنانية منذ سنوات قبل ان يتم توجيه ضربة إليها، ولماذا لا تأخذ بالاعتبار احتمال ان تكون هذه الشبكات قد تجسست على الرئيس رفيق الحريري علما ان أعمال التجسس تسبق عادة تنفيذ عمليات أمنية من نوع الاغتيال وغيره، وما الذي يمنعك من ان تدرس هذه الفرضية وتثبت ان لا علاقة بين التجسس الأميركي والاسرائيلي في لبنان وبين اغتيال الحريري إذا كنت مقتنعا بذلك، وما سر تجاوزك لكل الإشارات التي تحوم حول إسرائيل من وجود العميل غسان الجد في مسرح الجريمة مرورا بالقرائن التي كشفها السيد حسن نصر الله وصولا الى اختراق «الموساد» المثبت لخطوط الاتصالات الهاتفية وتفكيك العديد من شبكات العملاء في لبنان؟ 

السابق
صراع الجنرالين يشلّ دور الرئـيس
التالي
الانفجار نتيجة قنبلة يدوية ومعظم الاصابات في الراس والاعضاء