حرب الأدمغة بين لبنان وإسرائيل!

قد لا يصدق البعض حقيقة ربما تخفى على الكثيرين منا, أو قد يعتبرها ضربا من الجنون, وهي أن لبنان في عام 1960 كان أول بلد شرق أوسطي يطلق صاروخاً من ابتكاره وتصنيعه, وقد عد هذا الحدث في حينه فخراً لبنانياً وأصدرت الدولة طابعا بريدياً خاصاً بهذا الانجاز الذي سبقت فيه اسرائيل.

وللتذكر أو لمن فاجأته هذه الحقيقة, كان ذلك عندما تمكن طلبة لبنانيون في جامعة »هايكازبان« اللبنانية من اطلاق أول صاروخ لبناني أطلق عليه اسم »الأرز« ولكنه سقط في المياه الاقليمية قبالة قبرص, ثم توقفت بعد ذلك صناعة الصواريخ اللبنانية بسبب انفجار وقع جراء خطأ بشري, وهو خبر تصدر »مانشيتات« بعض الصحف اللبنانية في ذلك الوقت, بينما تسربت معلومات أخرى تشير الى نصيحة قاسية قدمها الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول لصديقه الرئيس اللبناني فؤاد شهاب, والذي أخذ بالنصيحة, وهي أن على لبنان أن يكتفي بما أثبته من قدرات عالية في هذا المجال, ولكنه يرى أن لا داعي لأن يعرض أمنه لأخطار هو في غنى عنها! وخصوصاً في تلك الفترة التي كان فيها السوفيات والأميركان يتصارعان للسيطرة على الكون في حرب استخباراتية وتكنولوجية فيما كان يعرف بالحرب الباردة.ورغم أن الأدمغة العبقرية اللبنانية لها سجل زاخر بالانجازات قديما, فإنها لازالت تحقق الانجازات تلو الانجازات ضمن ما يمكن أن نطلق عليه حرب الأدمغة مع اسرائيل, فبعد انسحابها من حرب لبنان عام 2000 بدأت إسرائيل بشن الحرب الباردة عليه, ونجح جهاز »الموساد« الاسرائيلي في تجنيد عشرات الشبكات التي تعمل لصالحه ومكنته من تحقيق اختراقات خطيرة في الكثير من القطاعات اللبنانية المهمة بدءاً من السلك العسكري والأمني مروراً بالقطاع المصرفي, ووصولاً الى قطاع الاتصالات الخليوية, ولكن يبقى الأخطر من ذلك كله اختراقه لبعض الحلقات القريبة من بيئة المقاومة أو التي تنشط في صلب عملها, ولكن لبنان تصدى لاسرائيل وربح المعركة ضدها بامتياز من خلال الأدمغة التي سخرها في خدمة هذه الحرب, وهنا يجب الاشادة والشد على أيدي قادة وأفراد المؤسستين العسكرية والأمنية في لبنان, وهما مخابرات الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي, لما اظهراه من كفاءة وقدرة عاليتين, ولما يملكانه من وسائل استخباراتية توازي, إن لم تتفوق فيه على كبرى الوكالات الاستخباراتية العالمية, فاستطاعتا توجيه ضربات قاصمة الى اسرائيل من خلال تفكيك البنية الأساسية لهيكلة هذه الشبكات.

وهي انجازات وإن كنت قد طرحت علامات استفهام حول مدى انكشاف البلد أمنياً وأظهرت مدى الهدر فيه على مستوى السيادة اللبنانية, إلا أنها قد غرست سكيناً في خاصرة جهاز »الموساد« الذي نزف كثيراً جراء تلك الضربات واعترف بها, رغم محاولات تلك الانجازات أو التقليل من شأنها من قبل بعض التيارات في لبنان لحسابات حزبية وسياسية ضيقة في لبنان, ومن هنا فإنني أتساءل لمصلحة من انكشاف لبنان أمنياً واستخباراتياً وهناك من يتربص به لينتقم منه ومن شعبه? بل أين هي تلك الأدمغة الحريصة على أمن البلد والتي أبلت بلاء حسنا في سبيل تحصين تحصينه؟

وكوني متابعاً عن كثب للشأن الداخلي اللبناني, ولأنه لا يمكن فهم ما يجري فيه من دون قراءة للأحداث المحيطة به, أو بمعزل عن تطوراتها, فإنني أرى أن الأحداث المتسارعة في سورية, تتطلب منا بشكل جدي اليوم وأكثر من أي وقت آخر التحسب لكل الاحتمالات وأخد الاجراءات الكفيلة للحيلولة من دون تأثر لبنان بأي تداعيات سلبية قد تنتج عنها كونه الأكثر ارتباطاً مع سورية, جغرافيا واجتماعياً وتجارياً وسياسياً, ناهيك عن الانقسامات الحادة بين اللبنانيين حول كيفية التعاطي الرسمي أو الشعبي مع تلك الأحداث والتي تؤججها الخطابات المتشنجة من هذا الفريق أو ذاك, فالمطلوب من الأدمغة العبقرية ومن العقلاء كافة تسخير كل امكاناتهم للضغط على هذه التيارات السياسية للتعاطي بايجابية مع الدعوة التي وجهها ميشال سليمان رئيس الجمهورية اليهم بالجلوس الى طاولة الحوار الوطني والتي لم تلق آذاناً صاغية أو واجهت استخفافاً بها من البعض, فيما يحاول آخرون استباق القرارات الناجمة عنها قبل انطلاقتها, ما يخشى معه الكثيرون من أن تتحول تلك الدعوة, معضلة جديدة تزيدنا انقساماً وتضاف الى بقية المعضلات اللبنانية فنكون بذلك كمن يدفن انجازات تلك الأدمغة اللبنانية ونقدم خدمة مجانية لإسرائيل بمساعدتها على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في حرب الأدمغة معنا.  

السابق
المدنيون في الجيش السوري الحر
التالي
أكاذيب تكشفها وقائع!