إفرح أيها اللبناني وحّدنا لك الوصفة!

إفرح أيها اللبناني، فـ«قطعة السما» التي أبيتَ إلا أن تعيش فيها رافضاً الهجرة قد استحالت وطناً يضمّك بين جناحيه، وأضحت أمورك كلها «عال العال». راتبك الذي تستحقه يكفي أسرتك شهراً كاملاً ويفيض عنه مالٌ يجعلك تفكّر في عطلة صيفية تمضي أيامها أنت وزوجتك وأولادك خارج البلاد. أما الأمن فمستتب، والعدل قائم، فلا مساجين يتظاهرون ولا يتمردون، ولا يتحولون بين ليلة وضحاها سجّانين، والدرك مساجين.
أما الكهرباء، فانعم أيها اللبناني بها، فالتيار لا ينقطع، والتقنين بات من الماضي السحيق، أما الخاسر الأكبر، فهم تجار مولّدات الكهرباء، الكبار قبل الصغار، فلا حاجة لهم ولمولّداتهم.
أما النقل العام فلم يعد مشتركاً، بل أضحى نقلاً عاماً بامتياز، وعاد الباص الكبير، والترامواي، وشبكة القطارات تربط أقصى لبنانك بأقصاه، وبالدول العربية. ءإفرح أيها اللبناني، فلن تحمل همّ المرض بعد اليوم، الاستشفاء أصبح بـ«بلاش»، والدواء بأبخس الأسعار، ونموذج غادة نزها المقعدة التي توفيت منذ سنتين على عتبات أربعة مستشفيات في البقاع بات من الذكريات المؤلمة التي تنساها بسبب الرعاية اللامتناهية من قبل أطقم المستشفيات، وبسبب الفاتورة التي تعادل فقط ثمن الورق المصنوعة منه.
لا تفرح أيها اللبناني، فهذا الكلام هو مجرد حلم يراودك كل ليلٍ وكل نهار، فلا الراتب سيكفيك لأن «لصوص» الرواتب يسلبونك الحصة الأكبر منه، ولا الكهرباء سيتوقف تقنينها، والمليارات العشرة من الدولارات ستزيد عشرات أخريات على خسارة القطاع، ولا المازوت ستنعم به ولا البنزين، وستبقى تسدّد نصف معاشك بدل نقلٍ بسبب غياب النقل العام، وستبقى أيها اللبناني تموت على باب أول مستشفى خاص تصله مريضاً.

أمس، بدأت عملية إصلاحية على الصعيد الطبي، لكن هذه العملية، كانت كمن يلتقط إحدى إذنيه عبر لفّ ذراعه حول رقبته، إذ أن الملف الطبي في لبنان، في حاجة ماسة إلى إصلاح جذري، يبدأ بوقف المافيات المتحكمة فيه وفي قطاع الدواء، ولا ينتهي بالاستشفاء المجاني والضمان الاجتماعي والصحي الذي يشمل كل المواطنين على حدّ سواء، وبالتأكيد لا بدّ أن يشمل وضع حدّ لجشع المستشفيات الخاصة التي تتلطّى خلف حاجة لبنان إلى الرساميل الخاصة كي تنهض بالقطاع.
الخطوة التي أطلقتها وزارة الصحة العامة أمس في بيت الطبيب ضرورية، لكنها ليست أولوية، وكان يجب أن تسبقها خطوات كثيرة، لكن لسان حالنا يقول: «شو ما إجا منيح، وحجرة بتسند خابية». فلا ضرر من أن يكتب أي طبيب وصفته على ورقة خاصة به، وأن لا يموت اللبناني طلباً لدواء، ولا ضرر أن تكون أشكال الوصفات الطبية وأحجامها وألوانها مختلفة، وأن لا يتسول اللبناني ثمن استشفائه في المستشفيات الخاصة.
الوصفة الطبية الموحدة ضرورة عندما تكون عجلة الإصلاح في قطاع الصحة آخذةً في التطور وصولاً إلى الهدف المنشود.. فرح اللبناني بـ«قطعة السما». 

السابق
الشرق الأوسط: فيلتمان يلتقي جنبلاط ومسؤولين لبنانيين وزيارته تستثني رئيس الجمهورية
التالي
نصرالله والسلاح الذي لن يُستَعمل بعد اليوم!