نبرة تصالحية تسود الخطاب الإسلامي في مصر

، بينما هو يجلس بشكل مريح في بهو أحد الفنادق الأجنبية في القاهرة، تاريخه كزعيم لتنظيم الجهاد في مصر، وهو التنظيم الذي اغتال الرئيس أنور السادات في عام 1981، وشن حربا إرهابية في التسعينات، وساعد في إنشاء تنظيم القاعدة، حيث كان نعيم، كما يقول، الحارس الشخصي لأسامة بن لادن في أفغانستان، بالإضافة إلى أنه كان «الذراع اليمنى» لأيمن الظواهري، الرئيس السابق لتنظيم الجهاد، والذي يرأس الآن تنظيم القاعدة.
ويتحدث نعيم بفخر عن أحد الطيارين الرئيسيين في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 قائلا «أنا من قمت بإرسال محمد عطا إلى أفغانستان». ومع ذلك، ها هو نعيم يجلس الآن هنا، بعدما أطلق سراحه من السجن في مارس (آذار)، بعد أسابيع فقط من سقوط حسني مبارك، الذي كان قد أبقاه محبوسا لمدة 20 عاما. ومن المدهش أن مثل هذا الرجل يمشي الآن حرا طليقا في شوارع القاهرة، جنبا إلى جنب مع مئات من المتشددين الإسلاميين الآخرين الذين حصلوا على إفراج مشروط مؤخرا من سجون مبارك.
ولكن نعيم ليس مخيفا كما يبدو من حديثه، فقد تخلى تنظيم الجهاد عن العنف في مصر منذ سنوات، حيث يقول نعيم: «كنا في غاية الإرهاق»، وهو ما يبدو واضحا على ملامح وجهة بعدما أصبح الآن في الـ53 من عمره. ويقر الإرهابي السابق بأن مصر تتجه الآن نحو تطبيق الديمقراطية على النمط الغربي قائلا «إنه الخيار الوحيد المتاح».
وقد أشارت المحادثات التي أجريتها معه ومع غيره من الزعماء السياسيين الإسلاميين الكثيرين في هذا الأسبوع إلى مخاطر ثورة مصر الديمقراطية الجارية في الوقت الحالي، كما أشارت أيضا إلى الأسباب التي ينبغي أن تدفعنا لعدم الفزع من صعود أحزاب، مثل حزب الإخوان المسلمين، بعكس ما يفترضه الكثيرون في الغرب، من أن سيطرة مثل هذه الجماعات على مصر ستجعل من الصعب كونها شريكا للغرب، وسيشكل تهديدا للمصرين من العلمانيين، حيث سيكون التحدي الذي تمثله سيطرة مثل هذه الجماعات أقرب شبها بالتحدي الذي تمثله الحكومة الإسلامية المنتخبة ديمقراطيا في تركيا، منه بالتحدي الذي يمثله حزب الله في لبنان أو حركة حماس في قطاع غزة.

وأكبر الأسباب الداعية لذلك هو أن جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الأحزاب الأصولية الأخرى الأكثر يمينية، قد نبذت العنف، وباستثناء حفنة من المسلحين الذين يعتبرون جزءا من القبائل البدوية في شبه جزيرة سيناء، فليس هناك إسلاميون مسلحون في مصر. وقد ظل كبار المتحدثين باسم جماعة «الإخوان»، مثل عصام العريان، الذي التقيته بعد انتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في هذا الأسبوع وحصول جماعته على أكثر من 40 في المائة من الأصوات، يرددون لسنوات أن الجماعة تفضل، على حد تعبير العريان، أن يتم «تداول السلطة من خلال الانتخابات العادية». وهناك الكثير من الأشياء الموجودة في برنامج حزب الحرية والعدالة، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، التي قد تكون مثيرة للقلق بالنسبة للعلمانيين المصريين والغربيين، فعلى الرغم من أن الجماعة تحبذ تطبيق نظام اقتصاد السوق الحرة، فإنها تدعو إلى الحد من التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، وتجريم الزنى وإلغاء المجلس القومي للمرأة، والذي كان بمثابة «الذراع الاستخباراتية للاعبين الدوليين في مصر».
 
وعلى الرغم من أن الناطقين باسم جماعة الإخوان المسلمين قد قالوا إنهم سيحافظون على السلام بين مصر وإسرائيل، فإن برنامج حزبهم ينص على أن مصر يجب أن تقدم «المساعدات والدعم للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة المغتصبين لأرضهم»، وهي نفس لغة خطاب حركة حماس. وتعد الأحزاب الأكثر أصولية، والمعروفة بشكل عام باسم «السلفيين»، والتي يبدو أنها قد فازت بأكثر من 20 في المائة من الأصوات في المرحلة الأولى من الانتخابات، أكثر تشددا بكثير، سواء فيما يتعلق بإسرائيل أو بالسياسة الاجتماعية المحلية.
وقد أجاب العريان بحزم عندما سألته أن يرد على مخاوف الأميركيين بشأن التشكيل المحتمل لحكومة تتضمن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، قائلا «آمل أن تتمكن النخب الأميركية والمثقفون من فهم ما يحدث، حيث إننا نمر بمرحلة تغير كبرى يمكن اعتبارها بداية جديدة لهذه المنطقة، وإيذانا بدور جديد ستلعبه هذه المنطقة في المجتمع الدولي، فعجلة التاريخ قد بدأت في الدوران، وليس بمقدور أحد أن يعيدها إلى الوراء». ولكن أغلب التكتيكات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين وخطابها السياسي في معظمه تتسم كلها بكونها تصالحية حتى الآن، حيث ضمت القائمة الانتخابية لحزب الحرية والعدالة الكثير من الأحزاب العلمانية الصغيرة، وأي حكومة جديدة، كما يقول العريان، سيتم تشكيلها «بإجماع وطني»، وقد نأى الحزب بنفسه عن السلفيين، حتى الآن.
وفي حقيقة الأمر، فإن أحد الاختبارات المبكرة لحزب الحرية والعدالة سيتمثل في الأشخاص الذين سيتحالف معهم الحزب عند انعقاد البرلمان الجديد في مارس، فهل سيسعى الحزب للدخول في تحالف مع التيار الليبرالي الرئيسي المتمثل في «الكتلة المصرية؟»، فحدوث هذا الأمر من شأنه أن يخفف من حدة الجدل الدائر في صفوف النخبة العلمانية في القاهرة حول ما إذا كان ينبغي التعامل مع الإسلاميين باعتبارهم مصدر تهديد أو إعطاؤهم الفرصة، بدلا من ذلك، للعمل في دولة ديمقراطية. وقد استقر رأي بعضهم بالفعل، حيث بدأوا في تشجيع الجيش على فرض مبادئ أساسية لوضع الدستور الجديد، تتضمن مشروعا لصياغة وثيقة حقوقية، من شأنها أن تديم المنطق السياسي الذي ساعد على الحفاظ على قادة الجيش في السلطة لعقود من الزمان، والمبني على أنهم هم الحصن الوحيد ضد الأصولية الإسلامية، وكانت النتيجة الضارة لذلك هي الحفاظ على الليبراليين ضعفاء، بينما الجيش والإسلاميون يتزاحمون ويتفاوضون. ومن الصعب أن يجادل أحد واحدا من أشهر المعارضين العلمانيين في مصر، وهو المحامي أحمد سيف الإسلام حمد، عندما يقول إن الوقت قد حان لتجربة شيء مختلف، لأن الخطر الموجود في مصر كما قال لي «ليس هو شبح الإسلام، بل هو تحول مصر إلى دولة عسكرية».
وأضاف حمد قائلا «يمكنني قبول برلمان منتخب من قبل الشعب يشكل فيه (الإخوان المسلمون) والسلفيون أغلبية الثلثين، ولكن لا يمكنني قبول استمرار المجلس العسكري الأعلى في إدارة شؤون البلاد، فهؤلاء الناس قد انتخبتهم الجماهير، على الأقل، وتستطيع الجماهير أن تغير رأيها في أي وقت». 

السابق
مسيرات بذكرى كمال جنبلاط في الشوف وحاصبيا
التالي
قواعد جديدة