معنى مهاجمة ايران

في لقاء وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ورئيس الموساد السابق مئير دغان في منتدى سابان اتفقا على أنه لا يجوز لاسرائيل ان تهاجم ايران وحدها. وكان التعليل المركزي أن الهجوم لن يفضي الى القضاء على البرنامج الذري الايراني بل الى تأخيره سنة الى سنتين فقط. وقد علل دغان معارضته ايضا بالرد الايراني المتوقع.

هذا التحليل من قبل هذين الشخصين غير دقيق لأنهما يفحصان في الأساس نتيجة الهجوم المادية. لأنه حتى لو تم القضاء تماما على البرنامج الذري فان ايران تستطيع في ظاهر الامر ان تعاود انشاء البرنامج. وقد كان العراق يستطيع ان يعاود انشاء المفاعل الذري بعد القضاء عليه في 1981. فليست النتيجة المادية اذا هي الأساس. الحرب هي صراع بين ارادات سياسية مختلفة. والارادة السياسية للولايات المتحدة واسرائيل هي ان تتخلى ايران زمنا طويلا عن جهودها لامتلاك سلاح ذري. والارادة السياسية الايرانية هي ان تحرز سلاحا ذريا في مرحلة ما. وكما هي الحال في حروب كثيرة فان السؤال من هو صاحب الارادة السياسية الأقوى.ان ايران من جهة مادية أقرب الى ان تكون نمرا ورقيا من ان تكون قوة جدية. فاقتصادها أضعف من اقتصاد الارجنتين وجيشها القديم غير قادر على مجابهة جيش غربي بصورة مباشرة. لكن ايران تعرض نفسها على أنها قوة كبيرة وأنها مصممة ومستعدة على المخاطرة ودفع ثمن باهظ عن تحقيق مطامحها. وفي المقابل فان الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة لكنها مستنزفة ومحجمة عن مجابهات ومترددة عن دفع أثمان عن تحقيق ارادتها السياسية. ومع ذلك لا يوجد شك البتة في ان الولايات المتحدة أقوى وفي أنه في حال نظرت الولايات المتحدة وايران الى القضية الذرية بنفس الجدية وبنفس التصميم وبنفس الاستعداد للمخاطرة ولدفع أثمان في هذه الحال ستكون يد الولايات المتحدة هي العليا وستغلب ارادتها السياسية. والزمن عنصر آخر. فايران ترغب في مواجهات تطول لأنها تعلم ان قدرتها على التحمل أكبر من قدرة أعدائها وأنها تستطيع ان تستمر في الصراع الى ان يتخلى أعداؤها. وتحجم الولايات المتحدة عن صراعات طويلة وتطمح الى ان ترسم خطوط نهاية واضحة وسريعة لجهودها. وفي مواجهة بين الاثنتين يكون كل ما تحتاج اليه ايران لتحقيق أهدافها هو ان تتابع بحيث تجتاز نقطة زمنية تقرر فيها الولايات المتحدة ان المواجهة قد طالت جدا من وجهة نظرها (وهذا ما حدث في الصراع على السيطرة على العراق).

اذا هاجمت الولايات المتحدة ايران فلن يكون الهدف القضاء على عدد ما من آلات الطرد المركزي بل نقل رسالة سياسية بلغة استراتيجية صادقة واضحة تقول انها جدية في نيتها ان تمنع عن ايران السلاح الذري، وان الولايات المتحدة ستخاطر وستدفع الأثمان المطلوبة لتحقيق هذا. ويجب على الولايات المتحدة ان تُبين أنها ستستمر في جهودها زمنا غير محدود وأنها لن تُستنزف بجولة اخرى أو اثنتين، وبهذا تُبين الولايات المتحدة ان ارادتها السياسية هي التي ستغلب وأن ايران ستضطر الى التخلي عن تحقيق ارادتها في المجال الذري. ولو هاجمت اسرائيل ايضا فلن يكون هذا اجراءا للقضاء على آلات الطرد المركزي بل اجراءا سياسيا واضحا. ان هدف هذا الهجوم ان يفضي بالثلاثي اسرائيل الولايات المتحدة ايران الى وضع تضع فيه الأطراف كلها جميع أوراق اللعب على الطاولة. اذا لم تفعل الولايات المتحدة هذا فيجب ان تكون اسرائيل هي التي تُبين أنها ستخاطر وتدفع الأثمان المطلوبة وأن ارادتها السياسية لا يمكن ان تُضعضع حتى لو اضطرت الى ان تعاود الهجوم بين الفينة والاخرى في كل مرة تعيد فيها ايران بناء البرنامج الذري. ان الاستعداد الاسرائيلي لجر الثلاثي اسرائيل الولايات المتحدة ايران الى نقطة عمل جديدة كهذه سيحدث واقعا سياسيا جديدا ولا يهم ألبتة كم من آلات الطرد المركزي تم القضاء عليها في الطريق.

وكلمة اخرى لدغان: ان الكثرة الغالبة من الرد الايراني سينفذها حزب الله، وعدم الاستقرار الداخلي في لبنان وعدم الاستقرار بين اسرائيل وحزب الله يضطراننا الى افتراض ان اسرائيل ستجد نفسها على كل حال، ان عاجلا أو آجلا، لهذا السبب أو ذاك، في جولة قتال اخرى مع حزب الله. فاذا كان الامر كذلك فيفضل ان تحارب اسرائيل حزب الله لاسباب استراتيجية مناسبة التأثير في مطامح ايران الذرية لا بسبب حادثة ذات معنى استراتيجي ضئيل كالحادثة على الحدود في تموز 2006.  

السابق
عبود: ميقاتي عودنا على المزايدات ومشاركتنا أمس ليست الاخيرة
التالي
هل يحتمل الحسين (ع) القسمة على اثنين؟