فيلتمان:على المسؤولين حماية لبنان من الوضع في سوريا

لعل أكثر ما ينطبق على مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان قول الشاعر أبو الطيب المتنبي "مالئ الدنيا وشاغل الناس"، من مجيئه إلى لبنان الذي تحول إلى حدث سياسي، لا بل أصبح هو الحدث بحد نفسه، إلى الانقسام في الرأي حوله بين فريق 8 آذار الذي يتوجس من زياراته ويدرجها في خانة التعبئة ورفع معنويات المعارضة وصولا إلى اتهامه برسم خريطة طريق هذا الفريق السياسية، وبين فريق 14 آذار الذي ينظر بارتياح إلى مواقف هذا الديبلوماسي وثباته في توجهاته الداعمة لاستقلال لبنان وسيادته وتذكيره المتواصل بالقرارات الدولية ذات الصلة…

ولكن بمعزل عن رأي هذا الفريق المعارض لفيلتمان وإدارته أو المؤيد له ولهذه الإدارة، استطاع هذا الديبلوماسي أن يدير ملفه بحرفية ومهنية قل نظيرهما، وهذا ما يفسر ردات الفعل حياله، إلا أن الأهم يبقى في أنه، بالنسبة إلى المعارضة، نجح في تبديد الشعور الذي طالما ساد شريحة واسعة من اللبنانيين بأن الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها بصفقة من هنا أو مقايضة من هناك، خصوصا أن كل مبتغى هؤلاء "الحلفاء" دعم الإدارة الأميركية لمشروع الدولة في لبنان وليس لمشاريعهم الخاصة.
وفي هذا السياق، وفي خضم أجندة فيلتمان التي تتزاحم فيها المواعيد، تمكنت "الجمهورية" من إجراء حديث خاص معه والذي بروحه المرحة، يُشعرك انه في بيته ومرتاح الى المستقبل، وبسرعة بديهة يكشف لك موقفا فتشعر بأن في جعبته خطوات مدروسة، حتى ولو لم يفصح عنها الآن. فالدينامية التي يتمتع بها هذا الرجل تجعله حاضرا عند اشتداد الأزمات، ويكون دائما صاحب المبادرة الأولى في قلب المناطق الساخنة، ليبحث عن حل، فيما دول المنطقة ترزح تحت الثورات. 

من العنف، وأنا متأكد من أنّ اللبنانيين سيوافقون على قرارات الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للبحث في السبل السلمية وإيجادها من اجل وضع حدّ للوحشية في سوريا، وكجزء من هذا التوافق على إيجاد الوسائل السلمية لإنهاء العنف في سوريا، أنا آمل أن يفعل لبنان ما في وسعه من اجل تحقيق ذلك".

وردا على سؤال عن التداعيات المباشرة إذا ما رفض لبنان القرارات ضد سوريا، يجيب فيلتمان أنّه "في الوقت الراهن هناك عقوبات عربية تنبع من قرارات القادة العرب. لذا يجب على اللبنانيين التحدّث مع العرب حيالها. ولكنّ النقطة الأهم في الوقت الحاضر هي كيف نستطيع مجتمعين أن نحاول وقف العنف في سوريا. وأظنّ أنّ لبنان كبقية الدول لديه دور عليه أن يلعبه وهو كيف نستطيع أن نقول لبشار الأسد والمجموعة المحيطة به إنّ هناك ثمنا لما يفعله لشعبه وأظنّ أنّ هذه هي الروحية التي انطلقت منها الولايات المتحدة والجامعة العربية لفرض العقوبات" وأستطيع أن أقول إنّنا نرغب في اللجوء إلى مجلس الأمن في حال لم تنجح المبادرة العربية. وقد كان التركيز الغربي على الإفساح في المجال أمام العرب لقيادة دفّة الأمور من اجل إيجاد حلّ لمشكلة موجودة داخل العالم العربي. وفيما تولى لبنان رئاسة مجلس الأمن خلال العامين الماضيين كان عند كلّ قرار يقول إنّه يريد العودة الى الإجماع العربي حيال كل القرارات، ويبدو الآن أنّ الإجماع العربي يتجه نحو إيجاد الوسائل السلمية لوقف العنف في سوريا".

وتعليقاً على قول الرئيس الأسد في مقابلة مع محطة News ABC إنّه ليس مسؤولاً عن قتل المتظاهرين، قال فيلتمان إنّ "من بين الأشياء التي دعت إليها الجامعة العربية هو إرسال مراقبين والسماح لوسائل الإعلام بتغطية الأحداث. وإذا كان بشار غير مسؤول عن العنف كما يدّعي فلماذا يرفض والمجموعة المحيطة به دخول مراقبين الى بلاده لاكتشاف من هي الجهة المسؤولة عن العنف. فهذه وسيلة غير عنفية لمحاولة وقف العنف. فليسمحوا للمراقبين ولوسائل الإعلام بالدخول والقيام بعملهم وليقولوا لنا من هو مسؤول عن عمليات القتل. فلدينا وضع حيث إمّا القوّات التي ترفع التقارير الى بشار الأسد هي من تقتل المتظاهرين السلميين وهو الشيء الذي نعتقد أنّه يحصل أو بطريقة ما هذه القوّات نفسها تسمح لأربعة آلاف إرهابي بالدخول الى سوريا، وفي الحالتين الوضع سيّئ جدا".

وكيف ستتمّ حماية المدنيين وهل سنشهد ممرّات إنسانية في سوريا؟

يجيب فيلتمان: نعم هناك كلام عن ممرّات إنسانية في سوريا، ولكن كيف يمكننا إنشاء هذه الممرّات بطريقة سلمية لأننا قبل البحث في أي خيار آخر نحن نحاول استنفاد كل الوسائل السلمية المتاحة لإنهاء العنف.

أمّا الفكرة من وراء إرسال مراقبين هي أنه في لحظة وصول هؤلاء المراقبين الى سوريا وحصولهم على حرية التنقل بين المناطق فإننا سوف نشهد انخفاضا في عمليات العنف لأنّ كثيراً مما يحصل على يد قوّات بشار الأسد يحصل بعيدا عن أعين العالم، وما يصلنا هو بعض المقتطفات المصوّرة على المواقع الإلكترونية ولكن ليس هناك إعلام ولا مراقبون. وأستطيع أن أتخيّل أنّه في حال وجد مراقبون على الأرض لا تستطيع هذه القوة الأمنية التصرّف كما تتصرّف الآن.

وإذا ما قُبلت القصّة التي يرويها الأسد انه يحارب جماعات إرهابية، فإمّا أنّ المراقبين سيرون ذلك وإمّا أنّ الإرهابيين سيرفعون عملياتهم. لذا مجرّد وجود مراقبين كما اقترحت الجامعة العربية سيكون ذات أهمية كبيرة جدّا من شأنه أن يخفض نسبة الإرهاب بشكل كبير وبسرعة ويساهم في حماية المدنيين".

و"هل سيكون هناك حظر جوي على سوريا؟"، اجاب فيلتمان: أعتقد أنّ إحدى عقوبات الجامعة العربية هو خفض الرحلات إلى سوريا إلى النصف في منتصف كانون الأول. ونستطيع أن نرى أنّ هناك رغبة لدى القادة العرب بإيجاد الحلول السلمية المناسبة للضغط على نظام الأسد. أمّا بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية فليس هناك رحلات مباشرة بين البلدين كما أنّ الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات كثيرة على سوريا لسنوات طويلة بسبب دعمها الإرهاب.

وما هي الرسالة من إعادة إرسال السفيرين الأميركي والفرنسي إلى دمشق؟

يجيب فيلتمان: "أنّ بشار الأسد ونظامه الحاكم قد رفضا دخول وسائل الإعلام لتغطية الأحداث في سوريا، ورفضا دخول مراقبين دوليين وأيضا البعثات الإنسانية الدولية وتلك التابعة للأمم المتحدة. فمن الصعب جدا الحصول على معلومات دقيقة عن حقيقة ما يجري داخل سوريا". وفي العالم العربي هناك عدد من الروابط مع سوريا التي لا تتمتع بها الولايات المتحدة، مثل المعلومات التي يمكن أن تصل إليكم عن سوريا عبر عدّة وسائل. لقد اعدنا إرسال سفيرنا من جهة كي يتمكن من إبلاغنا حقيقة الأحداث التي تحصل في سوريا نظرا إلى التعتيم الإعلامي الحاصل، ومن جهة أخرى من اجل تطمين الناس أننا نقف إلى جانب الشعب السوري الذي يواجه خطر الموت أو التعذيب إذا ما قرر أن يرفع صوته، وإرسال السفير فورد إلى دمشق لا يعدّ هدية لبشار الأسد وإنّما هو إحدى وسائلنا لإظهار دعمنا للشعب السوري والحصول على معلومات اكثر دقة عن الوضع في سوريا".

وعن الاستراتيجية والأجندة الأميركية في سوريا يقول فيلتمان: "كلما سرّع الأسد في التنحّي كان الوضع افضل، وقد ذكر الرئيس اوباما في 18 آب أنّ الوقت قد حان من اجل رحيل الأسد وحصول انتقال سلمي وديموقراطي للسلطة.

وإنّ ما شهدناه هو ارتفاع منسوب العنف. الناس قلقون وهناك أقليات قلقة من تزايد العنف الطائفي وتستذكر المثال في لبنان في الماضي والوضع الحالي في العراق. ولكن ما هو الشيء الذي يزيد العنف؟ إذا نظرنا إلى طريقة نشؤ القصّة في أوائل السنة نرى انه كانت هناك تظاهرات سلمية انطلقت من درعا وامتدّت عبر البلاد كلها وجوبهت بطريقة عنيفة من قبل أجهرة النظام. ورغم ذلك استمرّت التظاهرات السلمية واجتاحت كل المدن السورية خارج دمشق وتوسّعت إلى درجة أن الجيش السوري اضطر إلى احتلال ارضه. وهذا الجيش الذي كان مطلوب منه مغادرة الأراضي اللبنانية، هو يحتلّ الأراضي السورية الآن، وهؤلاء المتظاهرون الذين كانوا يجابهون كلّ يوم بالعنف اضطروا إلى استعمال العنف من اجل الدفاع عن انفسهم.

ونحن نقول خلال اجتماعاتنا مع المعارضة السورية إنّ العنف ليس الحلّ. العنف يقف في مصلحة بشار. فهو يعرف كيف يردّ على العنف وسيقابله بمزيد من العنف. وهو لا يتردّد في مهاجمة المتظاهرين السلميين فيمكنكم تخيّل كيف سيكون ردّه على العنف".

ويضيف فيلتمان: "بات من المحتم أن يردّ الناس على هذه العمليات القمعية العنيفة بحقهم. هناك أيضا المشكلة الطائفية. كما لبنان كذلك سوريا غنية طائفيا. هناك طوائف في سوريا خائفة من الانقسامات الطائفية وما يزيد من حدّتها هو وجود مافيا أمنية تهاجم وتعذب وتقتل أشخاصا من طائفة أخرى. فأسلوب النظام في التعامل مع المتظاهرين هو ما يعمّق الانقسام الطائفي الذي يخيف الناس. وان افضل طريقة لتفادي نشوب حرب أهلية في سوريا هي أن يتنحى بشار الأسد الآن وان تتوقف المافيا الأمنية المحيطة به عن قتل الناس. ونحن نعلم أنّ مستقبل سوريا يحتاج إلى أن يكون مبنيّا على سلطة القانون والديموقراطية. سوريا تحتاج إلى أن تكون موحّدة حيث تتم معاملة الناس جميعا بالطريقة نفسها".

وعن الاتصالات مع المعارضة السورية يقول إنّ "وزيرة الخارجية اجتمعت خلال هذا الأسبوع مع أعضاء من المجلس الوطني السوري، ونحن نركز معهم على ضرورة ترجمة رسالتهم "سوريا شعب واحد" على ارض الواقع من اجل الإثبات، أمام كلّ الأقليات في سوريا، ان ما يتنبأ به بشار الأسد بأنه إذا رحل سوف تقع حرب أهلية، هو خاطئ".

وهل يتوقع هزّات أمنية في لبنان أو في الشرق الأوسط؟ اجاب فيلتمان: "كلنا نفهم هشاشة الموقف في لبنان بالنسبة الى الوضع في سوريا. هناك روابط عائلية وتاريخية واقتصادية وما يحصل في سوريا يجب ألّا يمتدّ الى لبنان. وهذا ليس من أهداف المجتمع الدولي ولا الجامعة العربية. وقد أوضح المسؤولون اللبنانيون خلال محادثاتهم مع الأميركيين ومن بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما قابل وزيرة الخارجية في نيويورك أنّ هدفهم الرئيسي هو حماية لبنان مما يحصل في سوريا وألّا يتمّ انتقال أي شكل من أشكال عدم الاستقرار إلى الداخل اللبناني. والأمر يعود الى رئيس الحكومة والمسؤولين اللبنانيين من اجل إيجاد الطريقة المثلى لحماية لبنان. وهناك إجماع إقليمي ودولي على ضرورة إيجاد حلّ لوقف العنف في سوريا. كلنا نقدّر استقرار لبنان ووجوب عدم انتقال الأزمة إليه وحماية نفسه، لكننا نرى انه على لبنان أيضا المشاركة في إيجاد طرق من اجل وقف العنف".

وإلى أين يمكن أن يؤدي النزاع مع إيران وهل هناك احتمال مواجهة عسكرية؟"، اجاب فيلتمان: نحن لا نسعى إلى مواجهة عسكرية مع إيران، ولكننا قلقون من سلوك إيران على عدّة أصعدة:

– دعم إيران لماكينة القتل التابعة لبشار.

– دعم إيران للإرهاب.

– دعم إيران لميليشيات تقتل العراقيين وتستهدف الأميركيين في العراق.

– انتهاك إيران الكبير لحقوق الإنسان.

– انتهاك إيران المستمرّ للأعراف الدولية، ورفض حماية السفارة البريطانية.

– الملف النووي أيضا. فالمنظمة الدولية أصدرت تقريرا يتحدث عن أنّ إيران ما زالت تسعى للحصول على التكنولوجيا الضرورية لصنع أسلحة نووية.

أكرر أنّنا لا نسعى لمواجهة عسكرية مع إيران ونحن نستعمل عددا من الأدوات من اجل إقناع الإيرانيين ان في مصلحتهم تغيير سلوكهم.

ومن ناحية أخرى فإنّ العقوبات الدولية قد بدأت تؤثر على إيران وهي تجد صعوبات جمة في إدارة وتطوير قطاعها النفطي.

وفي مرحلة معيّنة على إيران ان تفهم انه سيكون مرحّبا بها كلاعب بنّاء طبيعي في المجتمع الدولي إذا ما بدأت التصرف بشكل طبيعي. إيران تملك المقوّمات لأن تصبح جارة جيدة والى حين ان تغيّر إيران في سلوكها سوف نواصل مع المجتمع الدولي البحث عن سبل من اجل زيادة الضغط.

نحن لدينا أيضا رغبة في التعامل مباشرة مع الإيرانيين ونحن لا نرى أيّ اهتمام إيراني في التعامل بطريقة جدّية مع مخاوف المجتمع الدولي.

وبالانتقال الى ملف الإسلاميين وكيف يقرأ فوزهم في الانتخابات في مصر وتونس؟ وهل هناك اي تواصل بين واشنطن والإسلاميين؟

يقول: نحن مستعدّون للتعامل مع كل الأطراف السياسية وذلك بناء على عدد من المبادئ الأساسية وهي إذا كانت هذه القوى السياسية تعتمد على الديموقراطية في اللعبة السياسية ولا تعتمد على العنف لفرض إرادتها على الدولة الموجودة فيها. وليس مهمّا بالنسبة إلينا ما هي أسماء هذه الأحزاب ولكن ما يهم هو ما تفعله.

الديموقراطية تعني انه في أحيان يمكن أن نخسر وفي أحيان أخرى أن نربح وطالما هذه الأحزاب كالإخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس تعتمد الديموقراطية أساسا للحياة السياسية ولا تلجأ الى العنف، فإننا بالطبع سنتعامل معهم، فهم جزء من المشهد السياسي في هذه البلدان.

ولكن من ناحية أخرى نحن لا نتعامل مع "حزب الله"، فهي منظمة لا تتبع القوانين الديموقراطية مع ان لديها قاعدة شعبية كبيرة. ولكن عندما تناسبها القواعد الديموقراطية في لبنان تخضع لها وعندما لا تناسبها فإنها تلجأ الى القوة واستعمال السلاح من اجل فرض إرادتها.

وعن العلاقة مع الرئيس ميقاتي خصوصا بعدما دفع حصّة لبنان من تمويل المحكمة الدولية، يقول فيلتمان: جاء قرار رئيس الحكومة مبنيّا على مصالح لبنان ولم يقدم على هذا القرار من اجل الولايات المتحدة او أيّ بلد آخر وإنّما من اجل لبنان. نحن أعضاء في مجلس الأمن وفخورون بالشراكة مع لبنان على مرّ السنين ونرحب بالقرار الذي اتخذه رئيس الحكومة ونعتقد ان ذلك سيثبت للمجتمع الدولي ان لبنان يلتزم القرارات الدولية ، وكان ذلك سببا رئيسيا لزيارتي الآن الى لبنان من اجل إظهار دعم لرئيس الحكومة وتسليمه رسالة من وزيرة الخارجية بأنها ترحّب بخطوة لبنان في دفع حصّته من تمويل المحكمة الدولية.

وعن العلاقة مع الرئيس سليمان، يقول انه طلب موعدا لزيارته، و"الولايات المتحدة مهتمّة على نحو خاصّ بنظرة الرئيس سليمان الى التطوّرات الإقليمية. وأظنّ أنّ الرئيس لديه آراء جيدة حيال الوضع في سوريا وحول كيفية حماية لبنان بأفضل الطرق والتعامل معا من اجل وقف العنف". 

السابق
مقاربةٌ نفسيّة_سياسيّة لخطبة نصر الله
التالي
الربيع العربي ينجب الإسلام السياسي